ترى العديد من الأوساط السياسية وحتى الاجتماعية أن الرئيس محمود عباس قد اتخذ أخيرا الخطوة التي كان يجب أن يتخذها من قبل دخولة في معمعة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي منذ عدة أشهر.
ويقرأ هؤلاء المراقبون خطوة عباس على أنها على الرغم من كونها مناورة سياسية متقدمة، إلا أنها تعتبر أيضا خطوة في الاتجاه الصحيح في طريقة التعامل مع حكومة الاحتلال في إدارة جولات التفاوض والتي كانت في غالبها تحقيقا للرغبات الإسرائيلي، ولا تعدو كونها لقاءات تعارفية لم تقدم ولم تؤخر.
هذا كله جيد، لكن الرئيس عباس وفي خطابه أمام القيادة الفلسطينية لم يشر ولو بتلميح بسيط أن إعلانه الانضمام للمؤسسات والمعاهدات الدولية يعني إعلان إنهاء المفاوضات مع حكومة الاحتلال، وهذا ما أكدته الخارجية الأمريكية في بيان لها ردا على قرار الرئيس عباس، والتي أعلنت أن لا رغبة لدى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لإنهاء المفاوضات بشكل رسمي.
وعلى الصعيد الإسرائيلي يرى محللون إسرائيليون أن استمرار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية مهم جدا بالنسبة لإسرائيل أمام الضغط الدولي، وخصوصا أمام المقاطعة الأوروبية، ولكن اليوم وبعد قرار أبو مازن يرى الإسرائيليون أن الأمريكيين باتوا يعتقدون الآن أن مشكلة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية ليست نتنياهو.
ويقول هؤلاء المحللون بحسب "يديعوت احرونوت" العبرية أن وزير الخارجية الأمريكية "جون كيري" ينظر حاليا إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" باعتباره الطرف الأكثر مرونة في الصراع، فيما لو استمر عباس في خطواته بالتوجّه للأمم المتحدة، فسيتهم في نهاية المطاف باعتباره من أدى إلى فشل المحادثات وإلى تأجيل آخر لإقامة الدولة الفلسطينية، جنبا إلى جنب مع الوضع الاقتصادي الصعب في السلطة، ويبدو أن الغضب المتراكم سيكون موجّهًا إلى عباس تحديدًا، وهذا أمر لا يمكنه أن يسمح بحدوثه الآن.
أما القراءة القانونية للقرار فقد اعتبر خبراء في القانون الدولي ان خطة عباس على الرغم من سرعتها، إلا أنها كانت متوقعة، غير انهم أكدوا على أنها على قدر ما تعتبر خطوة جيدة في اتجاه كسب مزيد من التأييد للقضية الفلسطينية والاعتراف الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني، وخطوة جيدة جداً وتقدَّر تجاه الرفع من مستوى حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ومحاسبة من يقوم بانتهاكها، بما يقلل من تلك الانتهاكات، على قدر ما سيكون لها من تأثير سلبي وتبعات على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي في ظل الالتزام بكل ما ورد في تلك المعاهدات التي وقع الرئيس عباس على الانضمام لها.
هذا ما أكده المستشار في القانون الدولي إحسان عادل، والذي بين أن هذه الاتفاقيات المراد الانضمام إليها تحمل صبغات مختلفة؛ فمنها، ما يفترض أن يؤثر بشكل مباشر على الصراع الدائر مع الاحتلال الإسرائيلي؛ كاتفاقية "لاهاي" المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول الملحق به، وهذه الاتفاقيات تنص على حماية المدنيين وقت الحرب، وعلى أن أفراد الأجهزة الأمنية من حقهم أن يقوموا بمجابهة الاحتلال في حالة دخوله لإحدى المدن الفلسطينية، وأنهم يعدّون أسرى حرب في حالة اعتقالهم.
أما البروتوكول الأول -والذي لم توقع عليه إسرائيل حتى الآن- فهو يعترف بحركات التحرر الوطني، وينص على أن أسرى حركات المقاومة ـ ضمن شروط معينة ـ يعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. وهو ما لا تلتزم به "إسرائيل" بطبيعة الحال. كما أن اتفاقية جنيف الرابعة نصت على حقوق المعتقلين من المدنيين.
والخلاصة هنا أن هذا الانضمام عموما سيؤهل فلسطين لتكون في موضع أفضل لمطالبة "إسرائيل" بالالتزام بتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بالوضع القانوني للسجناء الفلسطينيين، ويفتح المجال أمام تدويل قضية الأسرى إذا ما بُذِل جهد حقيقي ومدروس بهذا الصدد، بحسب المستشار عادل.
ومنها ما يُفترض أن يؤثر على وضع السلطة الفلسطينية على الصعيد الدولي وعلاقاتها بالدول الأخرى: فمثلاً اتفاقيات فينا (لقانون المعاهدات، للعلاقات الدوبلوماسية، للعلاقات القنصلية)، يمكن أن يترتب عليها مجموعة من القضايا البروتوكولية والدبلوماسية الرسمية من حيث استقبال فلسطين للوفود الأجنبية الحكومية، أو استقبال الدول لممثلي فلسطين، وإمكانية الاحتجاج في حال رفضت إسرائيل دخول سفراء بعض الدول إلى فلسطين. وأيضاً إن هذا الانضمام للاتفاقيات الدولية يمكن ـ إذا ما أُحسن استثماره فلسطينياً ـ أن يساعد في تقوية الموقف الفلسطيني من "إسرائيل"، وحشر دول العالم لتغدو أكثر صرامة في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية، لأن الاتفاقيات التي هذه الدول جزء منها تلزمها باتخاذ موقف إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب بحق دولة أخرى عضو في الاتفاقية. مثال ذلك موضوع الاستيطان.
ومنها ما يفترض أن يؤثر على واقع حقوق الإنسان الفلسطيني، كالعهدين الدوليين، واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل. ذلك أن هذه الاتفاقيات تسمو على القانون الفلسطيني، وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، لا سيما الأمنية منها، تصبح ملزمة بها، وفي حال انتهاكها فإن الاتفاقيات ذاتها تعالج أدوات الرقابة والمحاسبة الخاصة بكل منها.
هذه الاتفاقيات تنص على العديد من الحقوق الأساسية للإنسان، ومن ذلك حرية الرأي والتعبير، والتجمع السلمي، ومنع الاعتقال التعسفي، وضمان المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب.
كما ان توقيع الرئيس الفلسطيني على قرار بالانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات لا يعني أن فلسطين قد أصبحت تلقائيا جزءاً من هذه الاتفاقيات، فهناك شروط خاصة بكل اتفاقية لاعتبار الانضمام إليها صحيحا، وبالتالي فالجهة المودعة للاتفاقية يناط بها الآن دارسة الطلب الفلسطيني بالانضمام إليها، ولكن يُفترض بعد قرار الجمعية العامة اعتبار فلسطين دولة مراقب غير عضو، والذي اتخذ قبل عامين، أن العائق الرئيسي الذي كان موجوداً أمام فلسطين للانضمام للمعاهدات الدولية قد أُزيح.
كما أن الاتفاقيات التي وقع عليها الرئيس عباس لا تضم ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية والذي يمكّن فلسطين من المطالبة بمحاكمة القادة الإسرائيليين المتورطين بحرائم حرب أمام المحكمة.
وايضا، فإن انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف يوجب عليها أيضاً الالتزام بنصوصها؛ ومن ذلك عدم جواز قتل "المدنيين الإسرائيليين أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة والتي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية" ومحاسبة من يفعل ذلك.
كما أن الانضمام لهذه الاتفاقيات قد يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية في سعيها لانتزاع حق تقرير المصير، وهذه القيود قد لا تكون ملائمة مع وضعها كحركة تحرر وطني، إذ أن هذه القيود عادةً ما تكون موضوعة للدول. وإن أي تحرك فلسطيني مقاوم كان في اتجاه خاطئ وبما لا يتوافق مع المعايير الدولية سيمثل عملاً تمارسه دولة ضد أخرى وستكون الدولة الفلسطينية مسؤولة عن منعه. بينما ذلك يخالف حقيقة الواقع القائم على الأرض، حيث دولة بدون سيادة ولا سلطة أو قدرة على اتخاذ قرارات سيادية حقيقية.
سلسلة مواضيع مشتركة بين نون بوست و شبكة قدس الإخبارية