ضمن مساق "فلسطين الماضي والحاضر" الذي يُدرس في قسم الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، استضاف الطلبة والأستاذ عبد الرحيم الشيخ أمينَ عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، للحديث عن الكتيب الذي أصدره عبد الفتاح قبل عامين، والذي هو أشبه ببيان سياسي يسلسل فيه المراحل التي مرّ فيها المشروع الوطني الفلسطيني، من تحرير فلسطين وصولاً إلى الوضع الراهن الرّث الذي يصفه بالانهيار.
ويحدد عبد الفتاح في الكتيب المبادئ العامة التي يجب أن تحكم عملية العودة إلى المشروع الوطني الفلسطيني عبر تحديثه وتطويره ليكون مشروعاً ديمقراطياً إنسانياً يشمل حقوق كافة التجمعات الفلسطينية، ويشمل قبول العيش مع المجتمع اليهودي الإسرائيلي بعد نزع الكولونيالية والعنصرية عن مشروعه، بحسب رأيه.
ليس هذا بالأمر الجديد، كما يقول، فهو المشروع الأصلي والذي تم هجره، والذي تجري مبادرات مكثفة وعديدة من خارج النظام السياسي الرسمي لإعادة الاعتبار إليه. إنما الأمر الجديد الذي يريد أن يتم التداول فيه هو موقع ودور فلسطينيي ال 48 في القضية الفلسطينية، والحلول المطلوبة العادلة.
لم يتناول هذه المسألة فقط من باب المصلحة العينية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني المنسي، وهو أمر هام طبعاً، إنما أيضاً تناول واجب هذا الجزء في النضال الفلسطيني العام، في الانخراط الواضح والصريح والفاعل (وبالطريقة التي تسمح فيها خصوصية واقعه) في الدفاع عن حق اللاجئين في العودة، وفي حق الفلسطينيين في الضفة والقطاع في دحر الاحتلال وتصفية الاستيطان، وفي قيام هذين التجمعين بواجب الدفاع عن حق فلسطينيي أل 48 عن وجودهم، وضد كل المخططات التي تستهدف هويتهم، وانتماءهم الفلسطيني، وبيوتهم وأراضيهم وأملاكهم وحقهم في التطور الطبيعي.
ولاحظ عبد الفتاح أثناء هذا اللقاء وفي لقاءاته العديدة مع الأجيال الشابة في الضفة وهي الأجيال التي ستحمل على كاهلها المضيّ في تجديد المشروع الوطني الفلسطيني، وخوض الكفاح التحرري، أنه رغم اهتمامها الوطني، لا تعرف إلا القليل بل لديها معلومات مجزوءة عن التجمعات الأخرى. وبطبيعة الحال يصعب لدى العديد منهم فهم الواقع المركب الذي يعيشه فلسطينيو الـ48 الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية وتخوض معظم أحزابهم انتخابات الكنيست، وكذلك المعادلات المشتقة من هذا الواقع حتى أكثرها تقدماً. وبالتالي تتشكل مواقف غير ودية وغير متفهمة للكثير من جوانب الدور الذي يقوم هذا الجزء من الشعب الفلسطيني.
ويتدارك عبد الفتاح قائلاً، هذا بالطبع ليس بالمطلق، فهناك أوساط واسعة من المثقفين والسياسيين الفلسطينيين من خارج الخط الأخضر، يقدرون ويتفهمون هذا الدور كما لدى بعضهم مواقف نقدية ضرورية لبعض السلوكيات الخطيرة التي تمارسها بعض الأحزاب أو الشخصيات العربية داخل الخط الأخضر.
ويرى عبد الفتاح، أننا الآن في مرحلة جديدة، تحمل في ثناياها إفرازات خطيرة، ومخاطر كبيرة، ولكنها في الوقت ذاته تحمل إمكانيات جديدة للعمل القائم على وحدة الشعب الفلسطيني. المقصود أننا أمام مرحلة يقترب فيها الواهمون من إدراك استحالة قبول إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ورفض حق اللاجئين في العودة، وتصعيد العداء لحقوق فلسطيني أل 48 وذلك في ظل تفاقم اختلال ميزان القوى العسكري. هذه المرحلة يجب أن تكون فاتحة للم الشمل الفلسطيني، وليس المقصود تكرار الأسطوانة الممجوجة بإنهاء الانقسام بين فتح وحماس على أهميته بل بتطوير الضغط الشعبي والنخبوي من خارج النظام الفلسطيني الرسمي.
وأشد ما يغيظ عبد الفتاح، هو ما يسميه جريمة تعطيل الطاقات الفلسطينية الهائلة في الضغط على نظام الأبارتهايد الصهيوني، وليس بالضرورة الضغط العسكري، بل المقاومة بكافة أشكالها الأخرى، المقاومة الشعبية الميدانية، والأيديولوجية (أي تفعيل الخطاب الكولونيالي) والدبلوماسية والقانون الدولي. لا أعرف حالة قيادة شعب محتل قامت بالتفاوض بدون تفعيل الظهير الشعبي وأشكال الضغط الأخرى.
وقال، إن القيادة الحالية تتعامل، بوعي أو غير وعي، بأن المقاومة الشعبية والهجوم الدبلوماسي المنسق، وتفعيل الخطاب الكولونيالي ضد إسرائيل يُشكل عبئاً على نهجها الاستسلامي. من يريد أن ينتصر، لا يتصرف بهذا الشكل المهين له ولشعبه وتضحياته ولتطلعاته.
وفي هذا السياق يقول عبد الفتاح، إن نظرة القيادة الفلسطينية التقليدية الحالية، إلى الفلسطينيين في "إسرائيل" على أنهم عبء وليس رصيداً إستراتيجياً.. في النضال الفلسطيني العام هو وجه آخر لبؤس حالة هذه القيادة، ولبؤس أدائها.
ويقول، إن دورهم، أي فلسطينيي الـ48، الآن يزداد أهمية، وهو وزن بدأ يظهر منذ إعادة تنظيم الحركة الوطنية الفلسطينية في داخل الخط الأخضر، أواسط التسعينيات، والتي طرحت لأول مرة في تاريخ نضالهم، تحدياً أيديولوجياً تمثل في المطالبة بإلغاء يهودية الدولة ومبناها العنصري الكولونيالي، وهو خطاب انتقل من استهداف وجود إسرائيل، إلى خطاب يستهدف جوهر الكيان الإسرائيلي وُفق تصور ديمقراطي إنساني، ينحو نحو النموذج الجنوب أفريقي التحرري. وتجلى هذا الدور بصورة أوضح وأقوى حين التحم هذا الجزء مع الانتفاضة الثانية عام 2000، فنزل إلى الشوارع بأعداد هائلة وغير مسبوقة ليشارك في العبء الوطني العام. فاختلطت دماء الشهداء والجرحى في ملحمة من ملاحم النضال والمواجهة التي خاضها شعبنا على مدار المائة عام الماضية من أجل الحرية والاستقلال والكرامة.
وأشار عبد الفتاح إلى أنه رغم هذا التطور النوعي لوزن الفلسطينيين في إسرائيل، والذي تنشغل فيه الدوائر الإسرائيلية ليل نهار لاحتوائه فإن موقف النظام الرسمي الفلسطيني لم يُغيّر شيئاً من مقاربته لموقع ولدور هذا الجزء. إن هذا النظام يواصل تجاهله التام، فلا نرى ذكراً أو إشارة عابرة في أي من الوثائق الفلسطينية الصادرة عن السلطة أو حتى منظمة التحرير الفلسطينية ناهيك عن اللقاءات التفاوضية الكثيرة..
ولو توقف الأمر هنا، يواصل القول، لكان أهون، إنما تواصل قيادة السلطة اعتماد خطابها السياسي والفكري البائس عن شرعية إسرائيل والصهيونية، وعن التنازل علناً عن حق العودة. والمفارقة، أن إسرائيل لا تبدي أي تجاوب مع أي من هذه التنازلات الخطيرة وإن كان ذلك كله يصب في صالحها، وستستعين به في مواجهة المبادرات الفلسطينية الآخذة في التجدد والعودة إلى الخطاب الكولونيالي في مواجهة المشروع الكولونيالي والعنصري الإسرائيلي.
وعليه، يعيد عبد الفتاح تعريف موقع فلسطينيي الداخل في القضية الفلسطينية وتحديد دورهم في النضال الوطني العام، ويلخص ذلك بالتالي:
1- ويؤكد على الحفاظ على دعم صمود هذا الجزء من شعبنا وتقوية أعمدة وجوده، كالهوية الوطنية ومؤسساته القومية، بالإضافة إلى
2- يجب تعريف وتدريس تجربة هذا الجزء من شعبنا في أوساط التجمعات الفلسطينية المختلفة خاصة بين الأجيال الشابة.
3- الاعتراف بأهمية نضاله الفكري- الأيديولوجي ومواجهة الأيديولوجية الصهيونية عبر طرح موضوع المساواة الكاملة، وهو نضال يساهم بصورة كبيرة في إزالة المساحيق عن الديمقراطية الإسرائيلية وبالتالي يساهم في عقد المقارنة مع نظام الأبارتهايد البائد في جنوب أفريقيا، ومن ثم في عزلتها.
4- اشتراك ممثلي فلسطينيي أل 48 في القرارات المصيرية التي تخص مصير الشعب الفلسطيني، وإيجاد الآليات الخاصة التي تسهل هذا الأمر.
أما بالنسبة للدور والواجب الملقى على عاتق عرب الداخل:
أولاً: العمل على تطوير رؤيتهم السياسية في سياق المشروع الوطني الفلسطيني الشامل.
ثانياً: تطوير وبناء مؤسساتهم التمثيلية القومية والوصول إلى مرحلة الانتخاب المباشر بهدف توطيد هذه المؤسسات والأطر كهيئات شعبية منتخبة وذات تأثير حقيقي على الناس وقدرة على قيادتهم نحو الاعتماد على الذات والتحرر من الكثير من الضغوط السياسية.
ثالثاً: وضع إستراتيجية حقيقية ودائمة للنضال الشعبي المدني ضد المخططات الإسرائيلية التي تستهدفهم ومن أجل الانخراط في النضال الوطني الفلسطيني العام حيث الاحتلال والاستيطان والقمع ومن أجل حق اللاجئين في العودة.