اختتم قبل أيام مهرجان ليالي برك سليمان في بيت لحم بعد استضافة عدد من الفنانين المحليين والعرب ليقيموا الأمسيات (الرمضانية) في هذا المهرجان. الكثير من الكتاب انتقد مخالفة المهرجان لثقافة أهل فلسطين، حيث أصبحنا نرى في مجتمعنا الفلسطيني ما هو غريب وبعيد عن ثقافته كل البعد، مثل عروض الأزياء وملكات الجمال وكرة القدم النسائية وغيرها، في مشاهد يبدو أنها ليست عشوائية بل برامج ممنهجة لإعادة صياغة الثقافة في فلسطين وفق رؤية غربية غريبة.
وانتقد الكثير من الكتاب توقيت هذا المهرجان حيث أنه جاء في العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث من المفترض أن يتم إحياء الليالي الأخيرة في رمضان بشكل آخر مختلف عن الطريقة التي يدعو إليها هذا المهرجان، حيث بات هذا المهرجان وغيره جزءاً من سياسة التجهيل الإعلامي في هذا الشهر الكريم.
لكني في هذه السطور لن أعلق على الثقافة المخالفة لأهل فلسطين، ولن أعلق على توقيت المهرجان، فقد كتب في ذلك غيري وأصابوا، ولكني سأعلق على الرسالة التي أراد المروّجون إيصالها من خلال هذا المهرجان وهي حسب زعمهم أن "هذا المهرجان هو نوع من النضال الشعبيّ للمحتل ومن الطرق التي يستخدمها الشعب الفلسطيني في مقاومة الغاصب المحتل لأرضه ووطنه، وتثبيت لجذور قضيته العادلة". هذه هي الرسالة إذن من وراء المهرجان وليالي برك سليمان.
إن من أكبر المصائب التي بات يسهل ترديدها على لسان الكثيرين، هي اعتبار "أي شيء" شكلاً من أشكال المقاومة، فالغناء مقاومة، وعرض الأزياء مقاومة، ومسابقات ملكة الجمال مقاومة، وكرة القدم مقاومة، والرقص مقاومة، حتى باتت أشكال المقاومة على كثرتها تتمثل في الكثير من المظاهر الغريبة التي باتت عادية في ثقافة أهل فلسطين، والعجيب في الأمر أن كل أشكال المقاومة هذه مدعومة وبشكل قوي من الدول الغربية التي تحارب المقاومة.
إن أكثر ما نخشاه - ولم يعد غريبا – أن يتم عقد مهرجان للرقص الشرقي في فلسطين على أن يتم اعتبار هذا الحفل الراقص أسلوبا من أساليب المقاومة الشعبية في فلسطين التي تسعى لتثبيت الهوية وطرد المحتل.
لقد عمل الكثير بجهود مضنية جبارة، البعض بحسن نيّة والبعض الاخر يعلم ماذا يفعل، عملوا جميعا على إعادة صياغة المفهوم الثقافي لأهل فلسطين، فطمسوا ما تبقى في هذه الثقافة من روح، ثم وضعوا صبغتهم المشؤومة على الثقافة الفلسطينية وللأسف فقد نجح هؤلاء وبشكل كبير في طمس معالم الثقافة في فلسطين هذا البلد المسلم أهله، ونجاحهم في طمس الثقافة لن يتوقف عند هذا الحد بل سيعبر – كما نشهد ونرى – سيعبر إلى طمس مفهوم محاربة المحتل، ذلك أن مقتضيات المرحلة وهي مرحلة "المقاومة بالمفاوضات" لن تعجبها مقاومة المحتل بالرصاص، ولكن مقتضيات المرحلة تستلزم منا أن (نهز الكتف بحنية) فهذا له أكبر الأثر في صدر المحتل، والعجيب أن هؤلاء لم يعتبروا (هز الكتف بحنية) هو طريق من طرق المقاومة فقط ، بل ربما اعتبروه الطريق الوحيد للمقاومة، فهم يجرّمون كل عمل كانوا من قبل يعتبرونه مقاومة.
فإن تبقى في وجه القوم شيء من الحياء فليرقصوا وليغنوا وليعرضوا الأزياء ويختاروا ملكات الجمال، لكن على الأقل لا بوصف هذه الأعمال بالمقاومة المزلزلة التي ستطرد المحتل،ويكون المطلوب منا كشعب محتل أن ندعم هذا النوع من المقاومة الشعبية بكل ما أوتينا من قوة وحتى آخر"شيقل". لا نريد أن يطلّ علينا من يقول "تستكثرون الفرحة على الشعب الفلسطيني" فلا أدري متى كانت الفرحة عند أهل فلسطين خاصة مرتبطة بوصف الخلاعة مقاومة ومتى كانت مرتبطة بحفلات مختلطة، ومتى كانت الفرحة مرتبطة بترسيخ ثقافة غربية في وسط شعب مسلم، فحسبنا الله ونعم الوكيل إلى أي حد وصلت قضيتنا من الانحراف والانحطاط.



