شبكة قدس الإخبارية

خبير إسرائيلي في السياسة الخارجية يدعو لردع تركيا: قد نتورط في حرب باردة معها 

٢١٣

 

unnamed (2)

ترجمة خاصة - شبكة قُدس: اعتبر الخبير الإسرائيلي في شؤون السياسة الخارجية يونتان أديري أن “إسرائيل” باتت تدفع ثمن نجاحاتها العسكرية في الشرق الأوسط، بينما تحصد تركيا المكاسب الجيوسياسية، محذرًا من أن غياب سياسة واضحة تجاه أنقرة قد يفضي إلى حرب باردة جديدة، لا تُخاض بالصواريخ أو العمليات المسلحة، بل عبر قنوات ناعمة كالخنق السياسي والتآكل التدريجي للمكانة الاستراتيجية لـ”إسرائيل”.

بحسب أديري، يشهد الإقليم تحولات عميقة: في جبال قنديل تشتعل نيران الرمزية فوق أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذين أعلنوا تخليهم عن الكفاح المسلح، فيما يُمنح الفلسطينيون في سوريا تصاريح إقامة، وتتحول الدبلوماسية الإقليمية من ساحات المواجهة إلى هندسة توازنات جديدة. وبينما تدفع “إسرائيل” أثمانًا سياسية واستراتيجية باهظة، تُراكم أنقرة مكاسبها وتُعيد تموضعها كقوة إقليمية قيادية.

ويقول أديري إن هذا الصعود التركي ليس ثمرة دعاية إسلامية، بل تعبير عن مشروع جيوسياسي طويل الأمد، تُجسّده دولة شابة تضم أكثر من 85 مليون نسمة، تمتلك صناعة عسكرية متطورة، وتدير قواعد خارج حدودها، وتتمتع بنفوذ مؤثر في ليبيا وشرق المتوسط، وتحافظ على علاقة معقدة مع روسيا، إضافة إلى مكانة محورية داخل حلف الناتو. تركيا لا تسعى فقط للتأثير، بل تطمح إلى فرض قيادة إقليمية.

لسنوات، جابهت تركيا أربعة حواجز كبحت اندفاعتها الإقليمية: إيران بسلاحها النووي وحلفائها في المنطقة، النظام السوري الذي ورّطها في مستنقع سياسي، حزب الله بقوته العسكرية المتقدمة، والمسلحون الأكراد داخل حدودها. لكن، ومن دون قصد مباشر، ساهمت سياسات “إسرائيل” في تقويض هذه العوائق. فمن خلال ما يسميه أديري “حملة منظمة”، ساعدت “إسرائيل” في تحجيم حزب الله عبر سلسلة ضربات أضعفت ترسانته، وكبحت المشروع النووي الإيراني بالتنسيق مع واشنطن، وزعزعت استقرار النظام السوري، مما أتاح لأنقرة فرصة الدخول من البوابة الشمالية لسوريا عبر وكلائها من الفصائل السنية.

ومع إعلان حزب العمال الكردستاني وقف العمل المسلح، بات واضحًا أن أنقرة سجّلت نصرًا استراتيجيًا. لكن بدلًا من الاعتراف بدور “إسرائيل” أو الدخول في شراكة معها، اختارت تركيا التصعيد، وشرعت في هجوم سياسي صريح. أردوغان يقارن “إسرائيل” بألمانيا النازية، ووزير خارجيته، الذي شغل سابقًا منصب رئيس الاستخبارات، يصرّح علنًا بأن “لا وجود لقضية فلسطينية، بل توجد مشكلة إسرائيلية”. هذا التصعيد، بحسب أديري، ليس خطابيًا فحسب، بل عملي ومتعدد الجبهات: في غزة، في الساحة الإقليمية، وفي ملف التطبيع، حيث تعمل تركيا على تعطيل أي اتفاقات لا تكون طرفًا فيها.

أديري يشير إلى أن تركيا أصبحت اليوم مركزًا دبلوماسيًا بديلاً، حيث تُدار من أنقرة ملفات كان يُفترض أن تُدار في واشنطن أو القاهرة، من المفاوضات حول سوريا ولبنان، إلى قنوات الاتصال مع حركة حماس. أنقرة لا ترى نفسها شريكة في الإقليم، بل بديلًا عن مراكزه التقليدية.

وبحسب رأيه، فإن مواجهة هذا التدهور لا تكون بالخضوع أو الاسترضاء، بل بالردع الذكي، كما فعلت “إسرائيل” في لبنان وسوريا، حيث كان الاحتكاك أداة لتحقيق توازن، لا هدفًا بحد ذاته. الردع، في نظره، يجب أن يترافق مع تحالفات استراتيجية مع دول تشعر بالقلق من الصعود التركي، كاليونان، قبرص، مصر، والسعودية، وكذلك مع تعزيز الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل تضخم دور تركيا داخل الناتو. كما يوصي بعزل أنقرة سياسيًا عن أي دور رسمي في الساحة الفلسطينية، ليس من باب الانتقام، بل لكشف نواياها الحقيقية تجاه القضية.

ما يطرحه أديري يعكس رؤية إسرائيلية متوجسة من الحراك التركي، وتدعو إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك السياسي والدبلوماسي، بما يضمن ألا تستمر “إسرائيل” في دفع أثمان باهظة لصالح خصومها الجيوسياسيين.