شبكة قدس الإخبارية

أبعد من الإدانة.. ما على الشعوب العربية لمواجهة خطة ترامب؟

٢١٣

 

photo_5866033223430162714_y

خاص - شبكة قدس الإخبارية: وضعت تصريحات الرئيس الأمريكي حول نيته تنفيذ حملة تهجير جماعي للشعب الفلسطيني، من قطاع غزة، والسيطرة على المنطقة وتحويلها إلى (مشروع عقاري)، يحقق دولة الاحتلال وتيارات "الصهيونية الدينية"، في غزة خالية من الفلسطينيين، ومسيطر عليها إسرائيلياً ومستباحة بالاستيطان، المنطقة على محك مواجهة سيناريوهات خطيرة.

رغم أن السياق العام يشير إلى أن خروج خطة ترامب إلى التنفيذ تواجه تعقيدات مختلفة، ويراها بعض المحللين والخبراء في إطار التهويل والضغط في سياق العملية التفاوضية، إلا أن عديد القراءات للإدارة الأمريكية وعلى رأسها ترامب تشير إلى أنها قد تمضي في مشروعها لتدمير وجود الشعب الفلسطيني ومنح البلاد كاملة للحركة الصهيونية، إذا لم تواجه بصلابة عربية وإسلامية، ومشروع فعلي متعدد الطبقات يعقد العملية أمامها ويحملها على الاقتناع أن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل.

وفي أوج هذه التطورات يطرح على النقاش العربي والفلسطيني عن المطلوب لمواجهة مشروع التهجير والإبادة الأمريكي - الإسرائيلي دور الشعوب العربية في بناء مشروع يمتن الوجود الفلسطيني ويمنع تحقيق الطرد. 

في الواقع، أنهكت السنوات الماضية الشعوب العربية في أكثر من بلد، خاصة بعد مرحلة الثورات وما لحق بها من حروب وصراعات وثورات مضادة، وتدخلات أنظمة في القمع، بالإضافة للإنهاك الاقتصادي والاجتماعي، وتدمير قوى المعارضة في عدة دول مركزية في المنطقة، وغيرها من العوامل التي يجب النظر فيها عند تقديم تقدير موقف للمطلوب من الشعوب، إلا أن المرحلة الحالية تمثل فرصة أمام القوى السياسية العربية التي تتفق على العداء للاحتلال الإسرائيلي لنفض ما لحق بها من عناء السنوات، والشروع في خطوات تجعل من رفض مشروع التهجير أمراً واقعاً أمام أنظمة المنطقة.

تجديد خطاب "فلسطين قضية الأمة"

سعت قوى وأنظمة في المنطقة العربية والإسلامية لإطلاق خطاب يحط من مركزية فلسطين، في الهم العام للأمة، وتحطيم القداسة التي تحملها الجماهير لفلسطين والتفافها على المستوى المشاعر والمعتقد والاندفاع المعنوي والسياسي نحوها، عبر أدوات مختلفة انطلاقاً من ظاهرة "الذباب الإلكتروني" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الحملات عبر الإعلام، وضخ خطاب يصور أن "إسرائيل" ليست المشكلة في المنطقة بل الفلسطيني وحركات المقاومة، وهو ما تورط فيه مثقفون عرب من خارج الأنظمة عندما اعتبروا أن الثورات يجب عليها التخلي عن فكرة وضع فلسطين ضمن تصورها السياسي لمستقبل المنطقة.

الهجوم الأمريكي - الإسرائيلي على المنطقة وتهديدها كاملة، عبر مشاريع تهجير الشعب الفلسطيني، أو الشعارات التي لم تعد تخفيها "الصهيونية الدينية" وقوى إسرائيلية أخرى عن مطامع لاحتلال كاملة المنطقة العربية، يجب أن يعيد شعار "فلسطين قضية الأمة المركزية" إلى الصدارة مجدداً، ليس فقط لأسباب تتعلق بالدين والقومية والإنسانية بل لواقع استراتيجي تشكل الحركة الصهيونية على الأمة كاملة خطر فيه.

هذه العملية الخطابية التي يطمح أن تؤسس لبرنامج عملي متواصل تشترك فيه مختلف القوى، في الأمة، تقع على عاتق المشايخ والإعلام والسياسيين والمثقفين ومراكز الأبحاث، ولا تتوقف عند التحذير من مخاطر الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة، بل تضع وحدة مختلف القوى على إرادة الاستقلال ومواجهة الهيمنة في سلم الأولويات.

الضغط الشعبي بالفعاليات والتظاهرات

بعد سنوات من القمع والواقع المعقد في عدة دول عربية، جراء السطوة الأمنية والقمع، تبدو فكرة التظاهر ضد مشروع ترامب غير قابلة للتطبيق في المدى المنظور، إلا أن دولاً عربية أخرى ما زال المجال مفتوحاً أمام الحركة السياسية لتنظيم تظاهرات في الشارع تعبر عن رفض شعبي قوي.

وأهمية الحراك الشعبي تتجاوز مجرد مرحلة التعبير عن الغضب لفترة محدودة، ثم العودة إلى الروتين، بانتظار المشروع الإسرائيلي - الأمريكي القادم، بل تفرض خطورة المرحلة إعادة الاعتبار إلى قيم التنظيم في الحركة السياسية، التي تعني نقل الحراك العربي والإسلامي من العفوية القائمة على الفورة الشعبية والانفعالية إلى الديمومة والتصميم والاستمرارية لدفع الأنظمة نحو الاستمرار في الرفض، ومنع التراجع أو القبول بالصفقات.

ولا تتوقف الفعاليات على التظاهرات أو الحراك في الميدان، وإن كان أكثرها أهمية، بل يندرج فيه بناء حملات إعلامية خاصة على وسائل الإعلام الاجتماعي، بمشاركة مختلف القوى، وبصياغة تنظيمية - مهنية - إعلامية - سياسية - وطنية، تأخذ كل الاعتبارات والظروف والخطابات والنقاشات، وتخرج بحملات متواصلة.

وفي المستوى الاستراتيجي الأعلى فإن المرحلة الحالية قد تمنح القوى العربية الملاحقة من أنظمة عدة دول، فرصة التقاط الأنفاس وتقديم برنامج يدمج الهم المحلي ومطالب الإصلاح بالخطر الذي تشكله مشاريع ترامب - نتنياهو على دول المنطقة، وفي سياق التفاصيل الصغيرة لهذا الخطو نحو التعافي من أزمات السنوات الماضية، محاولة بناء علاقات بين القوى العربية المختلفة التي قد تختلف في الأيدلوجيا والنظرة السياسية والاجتماعية لتفاصيل الحكم أو المجتمع، إلا أنها قد تتفق على خطر المشروع الإسرائيلي.

حماية غزة من "ابتزاز الإعمار"

تمثل عملية إعمار الدمار الذي حلَ بقطاع غزة جراء حرب الإبادة الجماعية أحد أوراق الابتزاز التي سيحركها ترامب وحكومة الاحتلال، للضغط على الفلسطينيين في القطاع، ومعهم المقاومة والفصائل الفلسطينية، لتحقيق نتائج سياسية لم تتحقق في العمل العسكري.

إحدى أولويات العمل الشعبي العربي والإسلامي هي الضغط لتنظيم حملة إعمار شاملة في غزة، لإغاثة الناس في المقام الأول، ثم توفير أماكن إيواء لهم، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال، ومنع حكومة نتنياهو وإدارة ترامب من استغلال هذا الملف في الضغط على غزة والمقاومة.

وتشمل المسؤولية في هذه العملية التي تحتاج جهوداً واسعة الجاليات العربية والإسلامية، في مختلف العالم، المطالبة بتنظيم حملات تبرع وضغط وحشد من أجل تحقيق حق فلسطيني غزة في الإعمار والحصول على حياة كريمة وحمايتهم من المشروع الإجرامي الأمريكي.

 

التفاعل مع الحراك المعادي للاحتلال في العالم

من أبرز ما حركته حرب الإبادة الجماعية في غزة، التظاهرات والحراكات المناصرة لفلسطين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية ودول مختلفة، في العالم، وكان لطلاب الجامعات حضورهم المركزي فيها. التحدي الحالي لكسر مخططات ترامب يفرض على القوى الفلسطينية والعربية والجاليات خاصة بناء برنامج يجعل من الحراك مستمراً ويشتد تحت شعارات مركزية: حق الشعب الفلسطيني في الحرية، وخطر "إسرائيل" على العالم وليس فلسطين فقط، وتجريم مشاريع ترامب.

حملة ترامب التي أطلقها في وجه كثير من دول العالم لابتزازها وإجبارها على تحصيل أثمان لصالح الولايات المتحدة الأمريكية منها، قد يكون في المستقبل فرصة أمام القوى الفلسطينية والعربية، لتحديد مسار وإن كان في إطار مرحلي - تكتيكي، هو رفض مخطط تهجير الشعب الفلسطيني، وأن دولة الاحتلال ترتكب جرائم إبادة تحرم من خلالها الشعب الفلسطيني من حقه في العدالة وتقرير المصير.

وهذه العملية ليست بسهولة الحديث النظري وتحتاج إلى تجديد العمل الدبلوماسي الفلسطيني، على المستوى الشعبي خاصة، في ظل "تكلس" الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية، من خلال إشراك الفعاليات والجاليات والمؤسسات والقوى الوطنية المختلفة، في عمل دائم ومنظم، يجعل من هدفه المرحلي منع تحقيق حلم "الصهيونية الدينية" بتهجير الشعب الفلسطيني عبر الدعم الأمريكي.

ولا يجب حصر عملية التفاعل وإقامة التحالف على المستوى الأوروبي والأمريكي، بل إلى أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية والأسيوية، وتفعيل الشعوب المسلمة والقوى المعادية للاستعمار والهيمنة الأمريكية، في مواجهة دولة الاحتلال، ودعم الشعب الفلسطيني، في خطوات صغيرة ودائمة قد تصل إلى واقع استراتيجي يعيد لفلسطين ارتباطها الوثيق بالمعنى السياسي والمركزي بحركات السياسة والاحتجاج والتحرر في العالم.

 

ربط العدوان الإسرائيلي بالولايات المتحدة

من بديهيات السياسة والفهم للتاريخ والمرحلة أن دولة الاحتلال هي جزء من المشروع الأمريكي، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تمنحها أسباب البقاء في المنطقة، عبر الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي. إلا أن الإدارة الأمريكية عبر علاقاتها الاستراتيجية مع أنظمة عربية وإسلامية وهيمنتها على قطاع واسع من الإعلام والسينما والثقافة تحاول تقديم رؤية تقول فيها إنها "تسعى إلى نشر الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان".

أعادت الحرب الهمجية التي شنها جيش الاحتلال على غزة، بالسلاح الأمريكي والغربي، تحفيز خطابات تؤكد على أن الإدارة الأمريكية هي عدو لكامل المنطقة، وهي من تشرف على الحروب الإسرائيلية على العرب والمسلمين، التي لم تتوقف في المرحلة الماضية على غزة والضفة، بل امتدت لتشمل لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران.

هذا الربط بين العدوان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يجب أن لا يتوقف على الخطاب النظري أو الفكري، بل يندرج في مسارات سياسية، تجعل من المصالح الأمريكية، في المنطقة، لا تسير بينما الشعب الفلسطيني مهدد بالتهجير ويتعرض للإبادة.

وفي مستوى أصغر يعني تفعيل حركات المقاطعة للبضائع الأمريكية وتحفيز السلوك السياسي العربي نحو تحالفات تحد من الهيمنة الأمريكية على المنطقة.

 

منح المقاومة الفلسطينية حرية الحركة

تواجه قوى المقاومة الفلسطينية تعقيدات، في المنطقة العربية والإسلامية، بينها معاداة أنظمة لها، والعمل على الحد من قدرتها على الحركة السياسية والميدانية في سياق مشروعها في مواجهة الاحتلال.

من بين ما يجب أن تسعى له القوى العربية السياسية منها والشعبية هو توفير منابر للقوى الفلسطينية، في دول جديدة لم تكن قادرة على الدخول لها، رغم صعوبة هذه العملية نظراً لسطوة الأنظمة، إلا أن بعض الدول هامش الحرية فيها أكبر من أخرى.

كما أن تمتين العلاقات بين الأحزاب السياسية العربية وقوى المقاومة يمنحها منبراً آخر لبث صوتها وموقفها ورؤيتها للشعوب وإزالة التشويش الذي قد يقع بسبب الخطابات السياسية المعادية لها التي حرصت أنظمة على بثها في السنوات الماضية.

#الاحتلال #قطاع غزة #ترامب #مخططات التهجير