خلاصة السنة المنصرمة، منذ عملية طوفان الأقصى الكبرى، كانت قاسية جدا على الشعب في قطاع غزة، وذلك بسبب ما شُنت عليه من حرب إبادة إجرامية وحشية، طوال اثني عشر شهرا بلا توقف، وليل نهار، وساعة بساعة، وأمام العالم بأسره صوتا وصورة، ومناظر أشلاء، وأجساد تحت الركام، وأطفال يتمرغون بالدماء، وآباء وأمهات يحملونهم إلى أن يُدفنوا جماعيا، أو إلى المشافي التي أصبحت خرابا.
ولكن مع هذه السنة القاسية على الناس العاديين، سطرت المقاومة المسلحة انتصارات عسكرية يومية، ومن نقاط صفر، مثخنة جيش العدو بالخسائر الفادحة، ضباطا وجنودا ودبابات.
وقد أصبحت اليوم مع الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نموذجا استثنائيا لحرب مواجهة بين مقاومة وجيش، يُعتبر الرابع في العالم، ويحظى بدعم عسكري أمريكي وغربي، كاد يُفرغ مخازن القذائف من الاحتياط الاستراتيجي في دعمه.
هاتان الصورتان المعبرتان حفرتا في الوضع العالمي الخاص بالشعوب والرأي العام عموما، مما ولّد ضميرا عالميا جديدا راح يستنكر جرائم الكيان الصهيوني، وقد كان مدللا لديه، ولكم حظي من دعم وتعاطف. فانقلاب الرأي العام أو في الأقل انقلاب جزء مهم منه، على الكيان الصهيوني، سيكون له أبعد الأثر في وجوده في فلسطين من حيث أتى.
صحيح أن ضغوط الرأي العام العالمي لم تكن كافية لوقف المجزرة، لا لأنها ضعيفة أو غير مؤثرة، وإنما لأن القيادات الرسمية وأجهزتها في الدول الغربية، تواطأت مع الكيان الصهيوني، سواء أكان بسبب ما قام معه من علاقات عضوية، أم كان بسبب ما شحنه التاريخ من عنصرية الرجل الأبيض الأوروبي، على شعوب العالم ولا سيما الشعوب العربية والإسلامية.
فهذا الغطاء الذي تمتعت به جرائم الإبادة الصهيونية من قِبَل دول الحضارة الغربية، سيترك أثره البالغ في سمعة ما حملته هذه الحضارة من حداثة، وأوهام سميت أنوارا، وحريّة، وعقلانية، وحقوق إنسان، الأمر الذي أثر في كثير من عقول الحداثيين المتغربين في العالم، بالرغم مما ارتكب الغرب في القرنين السادس والسابع عشر من جرائم إبادة بالهنود الحمر في أمريكا، وبالشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية، وفي أفريقيا، وفي عدد كبير من جزر المحيطين الأطلسي والهادي.
وكان يجب أن يتنبّه إلى ذلك كل من بهرته الحضارة- الحداثة الغربية، وقد وصلت ضحاياها إلى أكثر من مائتي مليون.
ومن هنا، فإن تكرار ذلك التاريخ بشكله الراهن في قطاع غزة، طوال سنة وقد اجتمع بالصمود، والكرامة والعدالة، يجعل الصورتين: حرب المقاومة المنتصرة، وحرب الإبادة الفظيعة، تغيّران المعادلة باجتماعهما، مما يجعل الذكرى الأولى من السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى)، تؤكد اليوم على انتصار الحق والعدالة، على الظلم والعنصرية، والإجرام في العالم، فالعالم على أبواب عالم جديد أكثر عدالة.
إن الأثر الذي تركته الحرب البريّة مع صمود المقاومة، وإن حرب الإبادة ضد المدنيين وما أظهروه من إيمان واحتساب، سيتركان أثرا عميقا في الأجيال العربية والإسلامية والعالمية، التي ستبني عالما تنتصر فيه الشعوب المظلومة.