عندما يتأمل المراقب منطوق خطاب المسؤولين في دولة الاستعمار العنصرية، يدرك ان نخبتها الأمنية والسياسية فقدت توازنها، على سبيل المثال لا الحصر، يخرج مسؤول كبير يشارك في مفاوضات الصفقة، ليقول " اذا لم تجلس حماس على طاولة التفاوض في لقاء الدوحة الثلاثي فسنواصل سحق قدراتها في غزة " وكأنه يريد ان يقول سنزيد منسوب القتل مائتين او ثلاثمئة انسان في اليوم. او تصريحات من غالبية الطاقم الوزاري الأمني والسياسي الذي يهددون لبنان بالعودة الى العصر الحجري، وايران بتدمير كل بنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية ومفاعلات التخصيب النووي.
كيف نقرأ هذا الجنون المنفلت من عقاله، والعربدة والغطرسة التي تفيض عن الإقليم لتصل الى دول أوروبية تحسب انها صديقة:
• ان الدولة الاستعمارية العنصرية وصلت الى مرحلة الإفلاس السياسي، ويقدم قادتها للفلسطيني والعالم ولشعبهم انها معركة وجودية أخيرة يعتمد كل المشروع الاستعماري على الانتصار بها.
• تدرك نخبة المستعمرة، ان عصر العربدة المطلقة والجيش الذي لا يقهر ربما يشارف على الانتهاء، فلا الإقليم ظل على حاله، ولا التوازن الدولي أيضا بعد فشل الحرب الأوكرانية في تفكيك الدولة الروسية ، كما ان سياسة الصين باستخدام قوتها الاقتصادية الناعمة تتقدم تدريجيا الى مرحلة أكثر عدوانية وخشونة للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية ليس في بحر الصين وحسب وانما على مستوى مصالحها الدولية .
• لا زلت والعديد من المحللين السياسيين يرون ان قدرة الردع المطلق لدولة المستعمرة قد تراجعت، بما في ذلك مكانتها الوظيفية خدمة للنظام الاستعماري القديم، وأنها بفائض عدوانها باتت عبئا على حلفائها.
• تدرك الدولة العميقة أيضا، ان حربا مفتوحة، وطويلة، لا يمكن التنبؤ بمالاتها ومخاطر تطورها، ولا يتعلق الامر فقط بدول مثل ايران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والحالة الفلسطينية، وانما بظاهرة تكتسب شرعياتها، بجيوش ومؤسسات غير نظامية موازية للدولة وباتت اقوى من دولها ولا تخوض حروبا كلاسيكية.
• كما يدرك بقايا العقل المفكر والواعي في المستعمرة، ان مركزية القضية الفلسطينية في وعي المنطقة اعمق من هذيان المستعمرين الالغائي الإحلالي، بما تحمله فلسطين من رمزيات راسخة في الوجدان العربي والإسلامي، دينيا وثقافيا وتاريخيا، من شأنه ان يضع كتلة تاريخية من الشعوب ضد حكامها واستقرار بلدانها، بما يعني أيضا، تهديد الاستقرار الزائف الذي ساهم في تامين المستعمرة وحدودها من التأسيس الى اليوم .
أخيراً:
• في المدى المنظور، ومع استمرار حرب الإبادة والاقتلاع للفلسطيني وبالبث الحي والمباشر واخرها المشهد الصادم لاحتساب أشلاء ضحايا مدرسة التابعين في غزة بالكيلوغرام لصعوبة التعرف على الوجوه والهويات، هذه المشاهد حفرت عميقا في الوجدان الفلسطيني والإنساني، والذي يعني ان ادماج المستعمر اليهودي مثل كل مستعمري العالم في المنطقة بالتطبيع السياسي والاقتصادي مع شعوب المنطقة والشعب الفلسطيني، لن يمضي قدما.
• من الان وصاعدا لن تجد الدولة المستعمرة العنصرية فلسطينيا واحدا يتقدم التمثيل الحقيقي لشعبه، يجرؤ على الموافقة على حل ناقص وهزيل ومذل من أصحاب فلسفة " خذ وطالب"، ما لم تنته فلسفة الاستعمار في مبنى الدولة وقانونها وثقافتها، وبضمانات دولية، وما لم يفرض الاعتراف بالجريمة التي لحقت بالشعب الفلسطيني وتعويضه عن نكبته، تماما كما فرض على الدولة النازية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.