النقب - خاص قدس الإخبارية: بتبجحٍ أمام الكنيست، يتفاخر وزير الأمن القومي لدى الاحتلال إيتمار بن غفير بهدم منازل الفلسطينيين في النقب: ويقول صراحة : ” أنا فخور بهدم البيوت في النقب“.
على ما نسبته 40% تتفرّد المنطقة الصحراوية من مساحة فلسطين التاريخية، وتمتدّ من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين وحتى رفح، ممتدة على طول الحدود مع سيناء، وفي ستينيات القرن الماضي وجدَ بدو النقب وسكانها الأصليون أنفسهم أمام محاولات إسرائيلية حثيثة لتمدينهم وبناء البلدات والقرى لهم، وهو ما أقدم عليه الاحتلال رسميًّا عام 1969 بتجيمع البدو في تل السبع، البلدة الأولى التي اعترفَ بها الاحتلال كبلدة عربية، تلاها بأعوامٍ قليلة بإقامة بلدة رهط.
تقع في النقب 7 تجمُّعات عربية معترف بها، وهي رهط، تل السبع، عرعرة، اللقية، حوة، كسيفة وشقيب السلام، والتي تشكّل 56% من سكان النقب، يفتقرون فيها للبنية التحتية من صحة وطُرُق وتعليم وكهرباء وماء.
وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والاحتلال، ومع بدء الانسحاب الإسرائيلي من صحراء سيناء بموجب الاتفاقية عام 1982، صادرت سلطات الاحتلال حوالي 100 ألف دونم من بدو النقب، وهي أراضٍ كانت على رأس مطالب البدو بإثبات ملكيتها لهم، وصادرها الاحتلال من أجل إقامة مطار نفاطيم العسكري في منطقة تل الملح المحاذية لبلدة كسيفة.
وقد كانت هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق الصالحة للزراعة في النقب، وكانت مأهولة بالسكان العرب الذين أخلتهم حكومة الاحتلال، وأقامت لهم قريتَين هما كسيفة وعرعرة النقب في العام ذاته، فيما هاجر بقية السكان من عشائر الزبارقة والنصاصرة وأبو عرار إلى منطقة المثلث والطيبة وقلنسوة وكفر قاسم وأيضًا إلى اللد والرملة، وفي عام 1984 أُقيمت قرية شقيب السلام، تبعها بسنوات إقامة قريتَي حورا واللقية.
وضمن محاولات التهويد، منحت سلطات حكومة الاحتلال البدو في النقب الجنسية الإسرائيلية، لكنها لم تعترف بملكيتهم على 13 مليون دونم موزَّعة على 35 تجمعًا بدويًّا، ورغم وجودهم فوق أرضهم، إلا أن حكومة الاحتلال تصرُّ على “عدم شرعيتها”، وترفض الاعتراف بها، وذلك في إطار محاربة البدو الفلسطينيين والظاهرة الأصيلة من حياة الشعب الفلسطيني وديموغرافيته، حيث يشكّل سكّان هذه المنطقة 44% من مجمل سكان النقب الفلسطينيين.
استمرار النهج من النكبة
ويتعرّض النقب لمحاولات مستمرة من التهويد والتهجير، فمع قيام دولة الاحتلال والنكبة الفلسطينية عام 1948، أجبر الاحتلال قرابة الـ 100 ألف بدوي على الرحيل من منطقة النقب، وتحوّلَ أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة المحاصر ومناطق الضفة الغربية المحتلة، خصوصًا مناطق الخليل والأغوار والقدس.
وهو ما يؤكده الكاتب والباحث الأكاديمي ساهر غزاوي من مدينة الناصرة المحتلة، الذي يؤكد أن سياسة الوزير بن غفير تجاه العرب الفلسطينيين أصحاب النقب الأصليين التي تستهدف التضييق على حياتهم اليومية وتضييق الخناق على مناطقهم السكنية بغية اقتلاعهم وترحيلهم عن أراضيهم، هي استمرار للنهج القائم منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948.
ويشير غزاوي في حديثه لـ ”شبكة قدس“ أن تهجير النقب هو الثابت الذي لم يتغير وإن تغيرت تركيبة الحكومات السابقة، بدءًا من حكومة بن غريون الأولى الذي رفع شعار "تهويد النقب" ومرورًا بحكومة نفتالي بينت الذي رفع شعار "إعادة السيادة على النقب" في حملته الانتخابية، وانتهاء بالحكومة الإسرائيلية الحالية.
وعلى الرغم من أن نهج التعامل الإسرائيلي لم يتغير مع قضية النقب الرامي إلى محو التاريخ العربي الفلسطيني للنقب وتبديله بواقع صهيوني جديد لا يمت بِصلة لمعالم ومعاني وملامح النقب العربي من خلال سلب الأرض وتهويدها، إلا أن ما يميز هذه الحكومة وفق غزاوي، أنها تسير بسرعة جنونية لحسم الصراع وتنفيذ مخططات الاقتلاع والتهجير لأهل النقب أصحاب الأرض الأصليين.
”بل إن بن غفير الذي جاء من رحم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية التي تسعى لإكمال مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، يمثل اليوم قوة لا يُستهان بها في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي، وأصبح عاملًا فاعلًا ومؤثرًا في الحياة السياسية الإسرائيلية، حتى أن حكومة نتنياهو أصبحت رهينة في يديه“، يستدرك غزاوي.
ويشير الكاتب والباحث الأكاديمي إلى أنه وبموجب اتفاقية الائتلاف الحاكم، كان بن غفير قد طالب الحكومة بتنفيذ نقل صلاحيات تطبيق قانون التنظيم والبناء، من وزارة المالية إلى وزارته في الأمن القومي، ولا هدف له من ذلك إلا شن هجوم أشد على المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، الذي يعاني من ضيق مسطحات البناء، وإصرار رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بعشرات القرى في منطقة النقب.
التشجير كأداة تهجير
في عام 2020، كشفت صحيفة “هآرتس” أن الصندوق القومي اليهودي أطلق عمليات لتشجير نحو 40 ألف دونم من أراضي النقب، بهدف إبعاد أصحاب هذه الأراضي من قريتَي شقيب السلام وأبو تلول عنها، ومنعهم من استخدامها لأغراض الرعي والزراعة، وأقرّت الصحيفة، نقلًا عن مصادر مختلفة، أن عملية التشجير تحت “ذريعة منع البدو العرب من السيطرة على هذه الأراضي بادّعاء أنها أراضٍ للدولة”.
ومع بداية عام 2022، كشّر الاحتلال مزيدًا عن أنيابه في مخططاته الاستعمارية في النقب، وتوسّعَ في عمليات التشجير من خلال “كيرن كييمت ليسرائيل” (الصندوق الدائم لـ”إسرائيل” – “كاكال”)، وذلك في قرية سعوة الأطرش، وفي خضمّ ذلك، تبرِّر سلطة أراضي الاحتلال مخططات التهجير هذه بأنها “ذات طابع زراعي ومؤقت، وتهدف لمنع الاستيلاء على أراضي الدولة”,
في حديثه لقناة “كان” العبرية، منتصف شهر يناير/ كانون الثاني 2022، لم يخجل رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي، أفراهام دوفديفاني، من القول إن الصندوق “سيواصل الزراعة في النقب بأكمله، وهذا جزء من الرؤية الصهيونية”.
وأضاف: “لقد زرعنا الأشجار في النقب منذ 15 عامًا كما هو الحال الآن، ولم يكن هناك شيء مختلف عمّا كنا نفعله كل هذه السنوات، ليس لدينا أي فكرة عمّا هو مختلف الآن، كانت التعليمات بوقف الزراعة متقطعة واستأنفنا العمل بكامل الطاقة بعد أيام قليلة”.