رام الله - قدس الإخبارية: تكررت في الآونة الأخيرة التحذيرات الدولية والإقليمية من إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية جراء الأزمات المالية التي تعاني منها السلطة للسنة الثالثة على التوالي بفعل الاقتطاعات المالية التي تتم من أموال المقاصة.
وبحسب بعض البيانات فقد شهدت السلطة الفلسطينية انخفاضاً كبيراً في المساعدات الدولية لا سيما المساعدات الأمريكية التي انخفضت من 350 مليون دولار في 2017 إلى صفر في 2019، بالإضافة للتذبذب على صعيد المساعدات الأوروبية إلى جانب المساعدات العربية التي انخفضت بنسبة 50% منذ 2018.
وتشير البيانات إلى أن إجمالي الاقتطاعات السنوية التي تتم بحق أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية تصل إلى 150 مليون دولار سنوياً وتزيد في بعض الأحيان وهو ما ينعكس بالسلب على الميزانية العامة للسلطة بنسبة تصل لأكثر من 8%.
أما بيانات السلطة الفلسطينية والحكومة التي يترأسها محمد مصطفى فتشير إلى استمرار احتجاز الاحتلال حوالي 6 مليارات شاقل، وزيادة الاقتطاعات الشهرية من المقاصة والتي انخفضت بنسبة 60%، إلى جانب تراجع الإيرادات العامة بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي.
ووفق حكومة مصطفى فإنه ومنذ تسلمها لمهامها فقد تجاوزت المديونية العامة مبلغ 11 مليار دولار، بعد إضافة الديون المستحقة لهيئة التقاعد العامة وديون المؤسسات المصرفية الخارجية، إلى جانب متأخرات للموظفين العموميين، ومتأخرات مستحقة للموردين ومقدمي الخدمات، وديون البنوك المحلية.
وفقاً لأرقام "سلطة النقد" و"جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني"، فإن الديون على السلطة الفلسطينية بلغت مع نهاية عام 2022 حوالي 3.4 مليار دولار، منها حوالي 2 مليار دولار ديون داخلية لصالح البنوك المحلية، إضافة لتراكم حوالي 900 مليون دولار كديون متأخرة على السلطة الفلسطينية لصالح القطاع الخاص الفلسطيني، فيما تستمر الموازنة العامة للسلطة بتسجيل عجز سنوي لا يقل عن 7%.
يأتي كلّ ذلك في ظل التراجع المستمر للمنح والمساعدات الخارجية والدولية، والتي كانت تشكل عام 2008 مثلاً حوالي 28% من إجمالي الناتج المحلي للسلطة الفلسطينية، ثم تراجعت ووصلت إلى أقل من 2% عام 2021 وما بعده، وفقا لتقارير "البنك الدولي".
وتسلمت السلطة آخر دفعات المقاصة خلال شهر نيسان المنصرم وكان قيمتها 194 مليون شيكل بناء على بيانات وزارة المالية الفلسطينية، وتم صرف رواتب شهر شباط للموظفين بنسبة 70% حيث خصمت الحكومة الإسرائيلية 52 مليون شيكل من مخصصات الأسرى و235 مليون شيكل من مستحقات قطاع غزة.
يتزامن ذلك مع ركودٍ إقتصادي غير مسبوق بالضفة الغربية وإغلاق الأراضي المحتلة أمام العمال الفلسطينيين فضلاً عن تقطيع أوصال الضفة الغربية بالحواجز والاقتحامات التي تؤثر على مختلف الأنشطة الاقتصادية والتي تدمر المنشآت التجارية والإقتصادية في مدن الضفة.
وحول خطورة الإنهيار هذه صرح وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث من خطورة إنهيار السلطة خلال الصيف الحالي في ظل استمرار العقوبات المفروضة عليها والصراع القائم في قطاع غزة والضفة الغربية، وأن حدوث إنهيار السلطة يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.
وحول قضية الإنهيار قال المحلل الإقتصادي ثابت أبو الروس إن العقوبات الإسرائيلية المفروضة على السلطة هي ناتجة عن ضغطٍ سياسي إسرائيلي داخلي زاد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن هذه العقوبات واحتجاز أموال المقاصة كلها تشكل ظروفاً في غاية الصعوبة تواجهها السلطة.
وأضاف أبو الروس لـ "شبكة قدس" أن التصريح النرويجي هو بمثابة دق ناقوس الخطر لتنبيه العالم والاحتلال الإسرائيلي من مغبة إنهيار السلطة، إلا أنه استدرك بالإشارة إلى أن الإنهيار لن يحدث بهذه السهولة التي تناولتها تلك التصريحات.
ويرى أبو الروس أن السلطة الفلسطينية لديها من الدول المانحة والداعمة ما يقومها أمام خطر الإنهيار إضافة إلى مساعي دولية تُبذل لمنع عملية الإنهيار هذه.
قراءة سياسية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن "الاحتلال استطاع تفريغ السلطة من المشروعية السياسية والشعبية أيضاً بمعنى فقدت السلطة مشروعها السياسي وحاضنتها الشعبية، وهدف الاحتلال من ذلك هو أنه لا يريد أي ممثل سياسي للشعب الفلسطيني حتى لو كانت السلطة بسقفها ومنهجيتها الحالية."
وعن التضيقات المُمارسة ضد السلطة يرى عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس" أن التيار الديني القومي داخل حكومة الاحتلال يسعى بهذه العقوبات إلى إضعاف السلطة لتعزيز مشهد الهيمنة الاستيطانية في الضفة الغربية وخلق الفوضى في الشعب الفلسطيني.
وأضاف أنه في حال استمر التضييق على السلطة بهذه الوتيرة فإن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى إنهيارها فعلاً خلال الصيف الحالي وأن هذا الإنهيار سيدفع إلى حالة فوضى داخلية تعيشها الضفة من جهة، وتصاعد الحالة النضالية في الضفة الغربية من جهةٍ أخرى.
أما عن البديل السياسي لجسم السلطة، أوضح المحلل والمختص في الشأن السياسي أنه لا بديل عن وجود برنامج فلسطيني موحد لإدارة المشهد رغم صعوبة ذلك واستهداف هذا البرنامج من قبل الاحتلال.