غزة – خاص قدس الإخبارية: في هذه الأيام يتجهز الغزيون لاستقبال عيد الأضحى المبارك، لكن هذا العام استثنائيا فلا بيوت تأويهم لتجهيزات العيد، ولا أقارب يطرقون بابهم لمعايدتهم، ولا حتى أضاحي يتقربون بها إلى الله، فكل تلك التفاصيل قضي عليها الاحتلال الإسرائيلي في حربه المتواصلة منذ تسعة شهور.
وكما -جرت العادة- مع بداية اليوم الأول من ذي الحجة تعج الأسواق بالغزيين لشراء ملابس جديدة وحلوى من مختلف الأصناف، كما وتتنافس النساء في تزيين بيوتهم لاستقبال المهنئين بالعيد، لكن اليوم المشاهد قاسية حيث لا يكترث أحدهم لمظاهر العيد التي لا مكان لها وسط الدمار، فقط يكتفون بتأدية الشعائر الدينية ويجتهد غالبيتهم في صيام الأوائل من الشهر.
ولا يخفى على أحد أن الصغار الذين ينتظرون الأعياد دوما، لا يعلمون موعد عيد الأضحى فشغلهم اليوم هو وقوفهم في طوابير المياه أو أمام التكايا الخيرية علهم يظفرون بسكبة من الطعام يعودون للخيمة كفرحتهم بالعيدية.
وبطبيعته لا يعرف الغزاوي الاستسلام خاصة أمام عدوه، فيحاول صناعة حياة رغم الدمار والركام لإدخال البهجة على قلب عائلته خاصة في المناسبات، كما اليوم في ظل الحرب الشرسة، شبكة "قدس" ترصد محاولة الغزيين في استقبال الأضحى.
بالشعائر الدينية والذكريات يحتفون بالأضحى
إلى شمال قطاع غزة، لاتزال سمر أبو سعادة -36 عاما- برفقة عائلتها يعيشون على ما تبقى من بيتهم المقصوف، تحاول تنظيفه من الركام واستصلاح غرفة وصالة للعيش فيها، تستذكر أيامها لاستقبال العيد بالقول:" قبل أسبوع من العيد كنت أنشغل بتعزيل البيت وتزيين صالة الاستقبال بالزينة المخصصة للأدنى، وأعد أشهى أنواع الحلويات لاستقبال الأقارب، بالإضافة إلى كسوة الأولاد من أرقى المحال التجارية (..) كان العيد بهجة للكبير قبل الصغير حتى وقت ضعف حالتنا المادية كنا نصنع الفرحة بأبسط الإمكانيات".
وتتابع حديثها ثم تكمل بغصة:" حين سمع أولادي قبل يومين تكبيرات العيد، تذكروا كيف كنت أجهزهم ويخرج والدهم برفقتهم لاختيار ما يناسبهم للعيد (..) اليوم لا يستطيعون طلب شيء فهم يدركون لا حلويات ولا ملابس جديدة في الأسواق".
وتحكي أنها تفاجئت بصغيرتها "ميس" التي لم تتجاوز الخمس أعوام وهي تحكي لوالدها "لا اريد ملابس جديد للعيد، يا رب نضل عايشين وما يقصفونا اليهود"، مشيرة إلى أنها كانت تتمنى لو انتهت الحرب وفرح الصغار.
وهنا حكاية تعيشها أم بلال صقر – 72 عاما- من مخيم جباليا، فرحت العام الماضي حين ضمنت اسمها برفقة زوجها وابنها للحج هذا العام بعد نظام القرعة الذي تعتمده وزارة الأوقاف في تسجيل الحجيج.
تقول إنها بقيت طوال فترة الحرب تدعى بانتهاء الحرب لتأدية حلم حياتها – الحج- كما تصف، لكن خاب رجاها بكل شي، فزوجها توفي، وابنها المرافق أصيب وبترت قدمه، معلقة: في قلبي غصة كبيرة لكن ايماني قوي سيحقق الله رجائي العام المقبل.
وتخبر أنها العام الماضي استقبلت المهنئين فور علمها بتحديد موعد حجها المفترض هذا العام، وتهمس " جهزت بعض الهدايا بدري، والحمدلله انحرق كل شي مع قصف البيت".
وفي خيمة بمنطقة الزوايدة تعيش تهاني مقداد مع زوجها وأطفالها الثلاثة، تذكر أنها في الأعياد والمناسبات كانت تتنقل بصور أولادها من مجموعة عائلية لأخرى عبر الواتساب أو بالنشر على صفحتيها الانستغرام والفيسبوك تستعرض ملابس صغارها بالعيد وتجهيزاتها لاستقبال المهنئين من حلويات وكعك ومعمول كانت تصنعه بطريقتها المميزة كما تصف.
وتشير إلى أنها كانت تنتظر العيد لتلتقط لجميع أفراد أسرتها صورة تذكارية تسعد فيها، لكن اليوم كل شيء انتهي فقد خسرت بيتها وبقي أقاربها في الشمال استشهد بعضهم، واخرون تمكنوا من السفر وبقيت وحيدة نازحة في الجنوب تقلب الصور في هاتفها كل يوم.
وتقول إنها ستحاول اسعاد صغارها هذا العيد، فهي تخبئ لهم قطع حلوى اشترتها قبل شهر وخبأتهم للحظة انتهاء الحرب، لكن اليوم أولادها أولى بها لإدخال السعادة لقلوبهم.
لا أسواق ولا أصوات للأضاحي في القطاع
وفي مثل هذه الأيام تعج الأسواق بالغزيين لشراء مستلزماتهم لاستقبال العيد، لكن اليوم الأسواق فارغة سوى من بعض الملابس البالية التي خرجت من تحت الركام ويضطر المواطنون شرائها، وحتى لا صوت للأضاحي كما جرت العادة دوما تخرج من بين أزقة الشوارع بعدما يشتريها أصحابها ويعتنون بها قبل الذبح يوم العيد.
في سوق جديد أنشا في العيد شمال قطاع غزة، يبحث ياسر الدلو عن المعلبات عله يجد ما يناسب جيبه لسد رمق صغاره، يقول:" في مثل هذه الأيام كنت أشترى الشوكولاتة والحلقوم، والمكسرات (..) وننشغل بوجبة الغداء الأولى من العيد وكيف سأنسق بين تواجدي وقت ذبح الأضحية وتوزيعها على الأقارب وزيارة شقيقاتي".
ويكمل بحزن:" اليوم لا عيد واقاربنا والجيران نازحون في الخيام (..) عيدنا يوم عودتهم وليس بتوفر الحلويات ومظاهر العيد"، متابعا: أمنيتي الحصول على "كيس لحمة" فلم أتذوقها من شهور طويلة، ثم مضى في طريقه.
بينما الستيني أبو أحمد محيسن لم يتردد في الحديث، فهو نازح في دير البلح بعدما كان يسكن في حي الشجاعية، ومعروف أنه يضحي كل عام بذبيحة أو يشترك مع إخوته بحصة عجل.
يقول: اليوم استقبل عيد الأضحى في خيمة، وأتأمل أن تطرق بابي احدى الجمعيات الخيرية وتعطيني حصة لحمة"، متابعا: بداية الحرب كنت ارفض المعونات لكن اليوم انتظر أي مساعدة "لا مال ولا شيء نمتلك سوى الخيمة".
أما عن العيد ذكر أنه لعدم استطاعته شراء الأضحية لندرتها وقلة المال، سيقوم بمعايدة الصغار بعيدية بسيطة كنوع من فرحة العيد.
وتجدر الإشارة إلى أن حرمان الغزيين من أداء شعيرة الذبح يوم عيد الأضحى ليس لقلة المال فقط، بل لأن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخالها، فكل ما كان متوفر من مواشي "خراف وعجول" نفدت وقت الحرب حيث تم استهلاكها خاصة من قبل أصحاب التكايا الخيرية أو المبادرات لصناعة وجبات غذائية للنازحين.
كما وقلة المواشي تعود إلى قصفها من قبل الاحتلال مما أدى إلى مقتل آلاف الخراف، وبالتالي أصبح المتاح منها شحيحا وبأسعار فلكية.
يقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان له عبر تيليغرام، إن الاحتلال يمنع إدخال لحوم الأضاحي إلى قطاع غزة، كجزء من تشديد حرب التجويع التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني.