شبكة قدس الإخبارية

لا مجاملة في الوطن

000_33XP92N
محمد القيق

الوسيط بطبيعته يريد إنجازاً ولا يهم على حساب من سيكون، وهذا منطق أي وساطة في العالم، وكذلك حينما يقال له وسيط فهو لديه خبرة في ملفات سابقة وحالية، وبالتالي يضيف لسجل وساطته إنجازا هاما بغض النظر عن تداعيات ذلك على من وافق، وهذا ليس موضوعنا.

في قضية فلسطين تختلف الصورة:

* قلنا سابقا إنه لا يجب أن تكون الدول العربية وسيطا بسبب ضعفهم أمام أمريكا ولإحراج يتسبب لهم خلال ضغطهم على المقاومة، والأهم من ذلك أن فلسطين أكبر من أن يحصرها أحد بملف يريد إنجازه أمام أمريكا وغيرها ليزيد رصيده ويرسخ دوره.

* ⁠ كذلك مطلوب منهم كي تكون لديهم الوساطة أساسيات أهمها أن يعاملوا الطرفين حسب القانون الدولي على الأقل، فبدلا من فلسطين يتم كتابة "إسرائيل" على الخريطة الجغرافية والسياسية والدبلوماسية وكثير من المفرزات، وبالتالي فإن ذلك للأسف غير متوفر بالوسيط العربي الذي يخفي فلسطين عن خريطته، وما زلنا نأمل تكفيره عن الخطيئة التي ارتكبها يوم أن شارك في الجريمة باعترافه "بإسرائيل" على أرضنا وهضم حقنا.

* ⁠عدم وجود إنجاز سياسي واحد للوسيط، وفقط هي معادلة إدارة مشهد بما فيه من نزع للحق السياسي واحتكار الرواية والخبر يجعل دوره غير مجدٍ، ويبقى الاحتلال في حالة إسعاف سياسي في ظل تغييب المطلب السياسي، وهذا شهدناه سابقا في الوساطة التي تهتم بالمساعدات كبند تفاوض وهو مخالف للقوانين الدولية، واستعادة "الرهائن"، وهذا سقفها بعيدا عن الجذور.

* ⁠نتفهم جيدا هذا الدور المحدود للذي قرر أن يقبل دور الوساطة بهكذا ضعف ومحددات، ولكن غير مقبول ولا متفهم ذاك التضخيم الذي يمارسه كتاب ومحللون وإعلاميون لدور الوسيط الذي بالتجربة العملية كان على حساب الفلسطينيين لفترة طويلة، ولذلك أعطوا الأمور حجمها وفقط، فالمديح الزائد للوسيط وأدواته بالمقارنة مع واقعه يزيد الأمور تعقيدا ويعزز الوساطة بمشهدها العقيم لا بتطويرها، ما يعني أن أقصى ما يملكه الوسيط الآن فقط مساعدات وإجراءات حياتية، وهذا للأسف ما قالته "إسرائيل" في اليوم الأول، لذا نتمنى على الكتاب والمحللين أن لا ينجروا وراء العاطفة أو الحاجة السياسية والإعلامية في إعطاء الأطراف حجما أكبر منها، لأن صناعة الرأي العام مهمة وأمانة في ضمير القارئ المنطقي للأحداث، فلا يعقل أن يصف بعضهم الوسيط بالمنقذ والمقاوم الشرس في ظل أن إنجازه صفر، فالخبر الرئيس هو استمرار الإبادة لا مراجعة دور الوسيط، لا مجاملة على حساب الحق وموقف المفاوض بحجة الشكر لفلان ودولة فلان، فكل العرب لو حركوا جيوشهم حتى لنصرة فلسطين لن يتجاوز ذلك تكفيرهم عن خطيئة طعننا في ظهرنا يوم أن رأينا علم الكيان في عواصمهم واسمه بدل فلسطين على خرائطهم.

ضعوا الأمور في نصابها وأعطوا المواقف حجمها وحسب، فنحن شَكرنا من ساعد بالطحين والدواء رغم أنه من ساهم في هدر حقنا الأهم، وتضامنّا مع إعلامهم لما استشهد واستهدفت طواقمهم، ونحن من وقفنا معهم يوم أن حوصرت دولتهم من عرب آخرين، ونحن من ننتقد وساطتهم لعدم تجاوزها محددات الأمريكي، وننتقد إعلامهم الذي يشطب فلسطين عن خريطته.

هكذا الحق والواجب، وكل ذلك لا يعفيهم من خطأهم بحقنا يوم أن شرعنوا من يقتلنا، فنحن نعلم جيدا ألم المظلوم وشكر المساعد ووقف سياسة المراوغ.

ونعلم أن منهم من اكتفى بالخطيئة وبدأ يشعر بالذنب ونأمل منه تكفيرها، ومنهم من تجاوز وقاحة بالمكر والتخطيط لتدمير الفلسطيني ومقاومته وعقد قمما أمنية لمحاربته، وهذا إمعان في الخطيئة ونعرف التمييز بينهم، ولكنهم كلهم ما زالوا تحت خط الصفر في إعادة الأمور لنصابها.