إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما ورد في بيان رسالتها، هي “منظمة غير متحيزة ومحايدة ومستقلة تتمثل مهمتها الإنسانية البحتة في حماية حياة وكرامة ضحايا النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى وتقديم المساعدة لهم”. تمنح اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول اللجنة الدولية للصليب الأحمر مهمة محددة للعمل في حالة نشوب نزاع مسلح دولي.
في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تم العثور على جثث خمسة أطفال فلسطينيين خدّج في مستشفى النصر للأطفال، بعد مرور ثلاثة أسابيع كاملة على وفاتهم. وكانت الجثث متحللة وما زالت ترقد على أسرتها في المستشفى. وكانت القوات الإسرائيلية أمرت المرضى والموظفين بمغادرة المستشفى في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، على الرغم من استحالة القيام بذلك لوجستياً. وقد تعرض المستشفى لقصف إسرائيلي في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، مما جعله غير صالح للعمل، واضطر الموظفون والمرضى إلى إخلاء المستشفى. وقال الدكتور مصطفى الكحلوت، مدير المستشفى، إنه حاول إنقاذ حياة الأطفال الخمسة قبل فوات الأوان من خلال طلب المساعدة من المنظمات الدولية بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكنه لم يتلق أي رد[1]. وأثارت الحادثة اتهامات متكررة للجنة الدولية للصليب الأحمر بالتقصير في الاستجابة لنداءات إنقاذ حياة الأطفال والمرضى في غزة، فضلا عن دعوات لإجراء تحقيقات بشأن سير عمليات الإخلاء.
اللجنة الدولية هي المنظمة الدولية الوحيدة المكلفة بزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين داخل السجون ومرافق الاحتجاز. وقد دعت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الالتزام بمسؤولياتها، لكنها لم يتم ملاحظة أي ضغط حقيقي من اللجنة الدولية لإجراء مثل هذه الزيارات. ويطالب نشطاء حقوق الإنسان المنظمة ببذل المزيد من الجهد، قائلين إن أقل ما يمكنها فعله هو محاولة تقديم أخبار عن أحبائهم وإيصال أوضاع السجناء إلى أهاليهم.
وتضاعف عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر، كما توفي منذ ذلك الحين 6 فلسطينيين في السجون. ويعاني هؤلاء السجناء من التعذيب الشديد. وبينما أطلقت إسرائيل سراح 150 فلسطينيا خلال الهدنة الإنسانية التي استمرت أربعة أيام، اعتقلت أكثر من 168 فلسطينيا خلال الفترة نفسها. وكان المفرج عنهم جميعهم من النساء والأطفال، ولم يتم توجيه أي اتهام لثلثيهم. ولم يكن لهؤلاء السجناء أي اتصال بالعالم الخارجي. ولا يعرف المختطفون منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر ما إذا كانت عائلاتهم على قيد الحياة أم ميتة، أو إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وبالمقابل لا تعرف عائلاتهم وضعهم.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أدانت اللجنة الدولية مراراً وتكراراً الهجمات على إسرائيل.[2] وأشارت المنظمة إلى حماس ودعتها بشكل مباشر على إطلاق سراح الرهائن. ومع ذلك، فقد فشلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها مرتكبة الفظائع في غزة[3]، على الرغم من الحجم الهائل لتلك الانتهاكات. استخدمت البيانات الصحفية مراراً وتكراراً جملاً بلا فاعل، مثل “مع وجود حصار عسكري، يُحرم الناس في غزة من الغذاء والماء والدواء”، أو “الأعمال العدائية التي تجري في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، بما في ذلك حول المستشفيات، تعرض حياة الأشخاص الأكثر ضعفاً للخطر”. وتتهرب هذه البيانات من مسألة المسؤولية، ولا تنسب تلك الخروقات إلى فاعل[4]. وتشير البيانات نفسها إلى الوضع بعبارات توحي بكارثة لا صانع لها، مستخدمة عبارات مثل “تدهور الوضع الإنساني”، أو “مأساة لا تطاق”، أو “كارثة إنسانية”.
ويأتي عدم التحرك أو الضغط من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر جنبًا إلى جنب مع البيانات الصحفية المتكررة التي تصدرها المنظمة بشأن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وعرض الزيارات لهم.[5] وتستخدم اللجنة الدولية بشكل منهجي مصطلح “الرهائن” عند الإشارة إلى الأشخاص الإسرائيليين (حتى من الجنود)، و”المحتجزين” عند الإشارة إلى الأشخاص الفلسطينيين (حتى عند الحديث عن أولئك المحتجزين دون محاكمة أو أولئك الذين يتم اعتقالهم لإجبار أحد أفراد عائلاتهم على الاستسلام لسلطات جيش الاحتلال)، مما يؤدي باستمرار إلى إعادة ترسيخ التمييز[6].
وحتى بعد شهرين من القصف المتواصل وأعمال العنف الموجهة ضد السكان المدنيين الذين يعانون من اختلال صارخ في توازن القوى، تواصل اللجنة الدولية استخدام لغة تحجب هذه الحقيقة، حيث تشير إلى “جميع الأطراف”[7]، وتدعو جميع الأطراف[8]، وتشير إلى الوضع بعبارة “بعد أكثر من شهر من القتال العنيف”، والتي تعني حرباً بين أطراف متساوية.
إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة “محايدة”. ولكن الحياد، إذا لم يستخدم بعناية وحذر، يمكن أن يتحول بسهولة إلى وسيلة للتقاعس عن القيام بعمل أو اتخاذ إجراءات، لا سيما عندما يفشل هذا الحياد في رصد الاختلالات الهائلة في موازين القوى أو التفاوت في عدد انتهاكات القانون الإنساني التي ترتكبها الأطراف.
في صيف عام 1942، ناقشت اللجنة الدولية ما إذا كان ينبغي إطلاق نداء عام بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني عندما أحطيت علمًا بالجرائم الخطيرة المرتكبة ضد السكان اليهود في أوروبا. لكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر “قررت في النهاية عدم إصدار النداء، معتقدة أنه لن يحقق النتائج المرجوة” وواصلت بدلاً من ذلك اتباع النهج الثنائي. وقد اعتذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن هذا الفشل: الفشل في الرد بحزم، وعجز المنظمة.