فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: بعد سنوات من "المأزق" الذي دخل فيه المشروع الوطني الفلسطيني، كما يؤكد مؤرخون وباحثون، اندلعت الانتفاضة الأولى في مثل هذا اليوم من عام 1987، لتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الإقليم والعالم، وتسقط محاولات إدخال الأرض المحتلة في "الزمن الإسرائيلي".
جاءت الانتفاضة الأولى بعد سنوات من خروج قوة منظمة التحرير الفلسطينية، من لبنان، بعد الاجتياح عام 1982، والأزمات التي دخلت فيها الثورة الفلسطينية، لتنقلب على مشاريع إسرائيلية ودولية كانت تريد فرض "قيادات" على الشعب الفلسطيني، في الأرض المحتلة، على شكل ما سمي حينها "روابط القرى".
كانت الانتفاضة تتويجاً لتراكمات من القهر والنضالات الواسعة، في مختلف القطاعات، وبعد المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده.
انتهت الانتفاضة الأولى دون أن تستثمر سياسياً في سبيل "مشروع التحرير"، كما يرى باحثون ومؤرخون، وجاءت بعدها مرحلة "اتفاقيات التسوية" التي بدأت مع مفاوضات مدريد وما سبقها من اتصالات بين شخصيات من منظمة التحرير وأخرى في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ثم تأسيس السلطة، والانقسام بين البرامج السياسية في الساحة الفلسطينية، وإعلان حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين حققتا قوة شعبية وسياسية وميدانية، خلال الانتفاضة، مع فصائل أخرى على رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رفضها لمسار السلام.
شكلت الانتفاضة الأولى فرصة للتيار الإسلامي لتثبيت وجوده، في المجتمع الفلسطيني، في غزة والضفة المحتلة، واكتسب منها قوة جماهيرية مكنته من البقاء على قيد الحياة ثم زيادة قوته، رغم التحديات الاستراتيجية التي قابلته خاصة مع تأسيس السلطة الفلسطينية.
الجيل القيادي من التيار الإسلامي الحاضر اليوم الذي بدأ مع انتفاضة الأقصى، مثل محمد الضيف ويحيى السنوار وغيرهم، راكم من قدرات متواضعة بناء تنظيمياً وعسكرياً كان قادراً مع فصائل المقاومة على إلحاق "هزيمة استراتيجية" بدولة الاحتلال، باعتراف القادة والضباط الإسرائيليين أنفسهم.
ومنحت الانتفاضة أيضاً بقية الفصائل جيلاً راكم تجارب على مستوى التنظيم والخبرات العسكرية، وبقي حتى انتفاضة الأقصى التي كان له دور قيادي فيها، ورغم حملة الاعتقالات والاغتيالات التي صممها رئيس حكومة الاحتلال السابق، أرئيل شارون، بحق الصف القيادي الأول في التنظيمات المقاومة، إلا أن شخصيات منه بقيَت حتى اللحظة على قيد الحياة وأشرفت على تطوير مشروع المقاومة حتى وصل إلى هذه المرحلة التي نعيشها في معركة "طوفان الأقصى".
دفعت الانتفاضة الأولى قوة الاحتلال إلى اختيار الانسحاب من المدن والتجمعات السكنية الكبرى، في الضفة وغزة، ورغم مخططات الاحتلال لتطويقها بالتجمعات الاستيطانية، إلا أن هذه كانت فرصة لاستغلال المناطق الخلفية خاصة في القطاع، في مرحلة انتفاضة الأقصى، لتطوير التنظيم العسكري والإداري للمقاومة.
سنوات بداية التسعينات قبل قدوم السلطة شهدت ارتفاعاً في معدل العمليات المسلحة، ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، ورغم أن تأسيس السلطة الفلسطينية شكل تحدياً استراتيجياً لفصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها، إلا أن المرحلة التالية شهدت انخراطاً من جانب عدد من كوادر وضباط الأجهزة في القتال مع الاحتلال.
هذا الجيل من المقاتلين الذين حمل بعضهم تجارب خارج فلسطين، وآخرين داخلها، ومنهم من اعتقل لسنوات، ساهم في تشكيل حالة دفعت الاحتلال إلى الانسحاب من غزة، وهي المرحلة الأولى التي يؤكد المختصون التي مهدت الطريق للمقاومة لتقوية تنظيمها وعتادها وقدراتها، رغم قسوة الحصار الذي طال كل تفاصيل الحياة في القطاع.
الجيل الذي بدأ حياته العسكرية في مواجهة قوة الاحتلال الإسرائيلي، من الحجارة والزجاجات الحارقة والأسلحة الخفيفة، صمم على تطوير مشروعه وصولاً إلى امتلاك مقذوفات صاروخية من أنواع مختلفة، ووحدات نخبة ومشاة، واستخبارات، وهو المشروع الذي يؤكد أصحابه أنه كان بفعل "المراكمة" و"التصميم"، حسب وصفهم، وحلم به آلاف الشهداء، وصولاً إلى "مشروع التحرير الكامل"، كما يقولون.
كانت انتفاضة الحجارة أولى الثورات في عهد الاحتلال الإسرائيلي، داخل الأرض المحتلة، التي تنطلق من الداخل عن طريق قوى ومؤسسات وتيارات شعبية، كان لها دعم في الخارج، إلا أن الثقل كان داخلياً، وشكلت الصدع الأول مع مشاريع الاحتلال لإدخال الفلسطينيين في مشاريع الحكم الذاتي الإسرائيلي، ورغم الانتكاسات اللاحقة والانقطاعات بين المراحل، إلا أن امتداداتها التاريخية والنفسية والسياسية بقيت حاضرة في الواقع النفسي.