لم يعد من المبالغة القول أنّ في إسرائيل الحالية نخبٌ سياسية وأصحاب نفوذ في المؤسسة العسكرية قد يجرّون دولتهم إلى حروب لأهداف تخصّهم دون أن تعود بالنّفع على دولتهم. هذا التصوّر هو الذي بنى عليه الكثير من المحلّلين استنتاجهم بأنّ نتنياهو يقود إسرائيل في حربٍ مفتوحة على غير هدى، وهو يسير بقوة الدفع التي يمكن اختصارها بالمساءلة والمحاسبة المنتظرة التي ستلقيه على هامش الحياة السياسية على أقل تقدير، مما عزّز الزعم بأنّ وتيرة هذه الحرب ستنخفض إذا ما استطاع نتنياهو العودة بصورة نصر، كاغتيال بارزين، أو اعتقالهم، أو استعادة محتجزين.
نتنياهو يبحث عن زهرة الخلود السياسي بين أكوام الرّكام في غزة، هذا صحيح. لكنّ المؤتمرات الصحفية للناطق باسم الجيش تحثّنا على استدعاء مسارات تحليل أخرى، من بينها أنّ وتيرة هذه الحرب ستنخفض في حالة تراكم الفشل الإسرائيلي في الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية، ولا أظنّكم تجهلون أوجه الخسارة والفشل هذه. أمّا من باب التذكير فهي:
- تآكل المظلة الدولية الرسمية المؤيدة لإسرائيل تدريجياً.
- تنامي الجماهير المؤيدة للفلسطينيين على مستوى العالم وما يمكن أن تحقّقه من زيادة التآكل المشار إليه سابقاً.
- تقهقهر الماكينة الإعلامية الصهيونية بعد نجاحها في الأيام الأولى للحرب.
- عدم تحقيق صور النصر العسكرية.
- عدم القدرة على منع الفصائل الفلسطينية من الاستمرار في الهجوم والدفاع.
- خسارة مليارات الدولات.
بالعودة إلى مؤتمرات الناطق باسم الجيش؛ لا بدّ من القول هنا: أنّ الانبهار بقوة ومنطق ودقة الاحتلال أمر غير مبرّر، لكنّ افتراض سخف هذا الاحتلال وسذاجته أمر بحاجة إلى مراجعة. وعليه؛ فإنّي لا أستطيع استبعاد افتراض "السخافة الخلّاقة" كعنوان للإعلانات المتتالية للجيش الإسرائيلي، من قصة المحتجزة التي تم تحريرها إلى رضّاعات مستشفى الرنتيسي وصولاً إلى كلاشنات الشفاء. هذا التندّر الذي نتبادله على هذه الروايات هو تندّرٌ يقدّمه إسرائيليون أيضاً، وأرجّح أنّ من أخرجها يدرك ردّة الفعل عليها، ويعلم جيداً ركاكتها، وسهولة تفنيدها، وهو ما يعني أنّ الجيش معنيّ بالتقدّم عسكرياً، ومعنيّ بإظهار قدرته على التوغّل في غزة، لكنّه ليس معنيّاً بتقديم صورة نصر حقيقية لنتنياهو تعيده بطلاً للمجتمع الإسرائيلي فتبعثه من جديد سياسياً، لذلك نرى هذا السخف المبالغ فيه، وتلك السطحية في عرض الإنجازات، سخف وسطحية على أرضية الخلافات العميقة بين نتنياهو والجيش والسابقة للحرب على غزة حين كان موضوع التعديلات القضائية ساخناً.