الرباط - قُدس الإخبارية: اعتبر الفيلسوف المغربي، طه عبد الرحمن، أن معركة طوفان الأقصى "استئناف جديد للحضارة، وانبعاث جديد للأمة، وميلاد جديد للإنسان".

واعتبر الفيلسوف المغربي في حوار مع الباحث محمود النفار، على مركز الحضارة للدراسات والأبحاث، أن "المعركة مثلت ميلاداً جديداً للإنسان  من خلال قيم جديدة يكتشف فيها المرء ذاته فيغوص إلى أعماقها، ليتصل ظاهره بباطنه، وعاجله بآجله، ومفاهيم جديدة يتلمس فيها حريته في ظل شيوع قيم التعبيد للإرادة الإسرائيلية، وشروط جديدة يستعيد فيها فطرته في واقع شاعت فيه قيم الضلال"، حسب وصفه.

وأضاف: تكتب المقاومة الفلسطينية اليوم تاريخ الأمة، وتقود الإنسانية نحو النور بما ينفتح بصنيعها من عقول، وما يقع وسيقع جراء فعلها المبهر من مراجعات ذاتية: فردية وجماعية، وهي بحقٍ استئنافٌ راشدٌ للعطاء المتواصل، وتوريثٌ إبداعيٌّ للطاقة المتجددة في مسارات التاريخ الإسلامي والإنساني.

وأكد أن المقاومة -وإن كانت قليلة العديد- إلا أنها "عظيمة الأمانة، وشريفة الإرادة"، حسب تعبيره، لأنها "تعيد تأسيس القيم على الصفات الإلهية، والإسلام على الصبغة المقدسية، والروح على القرب الإلهي، وإن بقاء الأمة اليوم وفي الغد مرهون ببقاء المقاومة، وهزيمتها لا قدر الله إيذان بفناء الأمة".

واعتبر أن طوفان الأقصى تشبه "معركة الأحزاب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وواجهوا فيها جيوش المشركين واليهود الذين أحاطوا بالمدينة من الخارج، والمنافقين ومرضى القلوب الذين بثوا فيها الأراجيف من الداخل، حتى بلغت القلوبُ الحناجرَ"، كما جاء في الحوار، ويضيف: لقد رأيت هذه المعركة من خلال ما قام به هؤلاء المجاهدون من حسن الاستعداد والتخطيط، وابتكار وسائل الهجوم والدفاع على الرغم من قلة الإمكانيات وعظيم التحديات.

ويرى أن "المقاومة هي الفعل الذي يسهم في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد الحضارات الإنسانية"، وأوضح: الطريقة التي يمكن لأمتنا اليوم أن تسهم بها في البناء الحضاري والتجديد الإنساني هي “الجهاد”، وليس أي سبيل آخر، وحتى يرى هذا الإسهام النور لا بد أن تتحمل مسؤوليته فئة من الأمة.

وتابع: نظرت إلى المقاومة من ناحية كيانية، وأعني أنه لا معنى للوجود بدون مقاومة، ولا مغزى من الحياة بلا جهاد؛ لأن الوجود والحياة إنما يكتسب من فعل المقاومة نفسه.

وأوضح: الفعل المقاوم يستفزّ ويستجمع كل القدرات الإنسانية: السمع والبصر والعقل، وجميع حواس الإنسان، فلا يتفرد عضوٌ محدَّدٌ ولا إدراكٌ معينٌ بالمقاومة. والجهاد ليس عملاً تقف أو تستبد به مَلكة من الملكات، بل هو استعداد يتوسل بجميع الملكات، وبها يتشكل الإنسان على الحقيقة.

وخلال الحوار، كشف طه عبد الرحمن أنّ "وعيه وهمه السياسي بدأ مع هزيمة 1967"، حين كان طالباً في الجامعة يميل نحو كتابة الشعر، "فأحدثت هذه الحربُ في نفسه زلزالاً  شديداً"، حسب وصفه، فاستولى عليه سؤال مصيري مفاده: ما هو هذا العقل الذي استطاع أن يهزِمَ العربَ جميعاً؟ وكيف لأمة كثيرة العدد راسخة التاريخ أن تُهزم؟ ولطالما ساوره هذا السؤال وهذه الأمنية: متى يكون لنا عقلٌ يهزمُ العقلَ الصهيونيَّ؟

يضيف: لقد حملت هذه الأسئلة، والتي هي أسئلة الزمان وأسئلة الأمة، كهُمُوم شخصية ورهانات معرفية، ووجهت دراستي نحو المنطق والفكر كي أتبين الآليات العقلية التي تحقَّقَ بها الانتصارُ الصهيوني، وأوجهَ الخللِ والقصور التي وقعت بسببها الهزيمةُ العربية، ولم يزل صدى هذه الأسئلة يتضخم في نفسي مع مرور الأيام حتى رأيت المقاتلَ الفلسطينيَّ يبدعُ هذا الطوفان، فرأيت بأم عيني كيف انهزم العقل الصهيوني، فشعرت لأول مرة بشفاء الصدر، وحصلت على إجابات تلك الأسئلة التي رابطتُ على ثغري المعرفي من أجل العثور عليها.

وأكد أن "أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى"، وتابع: تجلت لهذا المقاوم إمكانيات العقل الإسلامي فاكتشف سعته وقوته، وتجلت أمامه إمكانيات العقل الصهيوني فاكتشف محدوديته وهشاشته، فتحمل المسؤولية العملية تجاه هذه الحقائق، فتحققت معه هذه المنجزات الفارقة، وهذا هو معنى الاصطفاء من الله تعالى.

قال: ليتني كنت شاباً أقاتل معهم، هذا هو الزمان الذي يستحق الحياة، وهذه هي اللحظات التي ينبغي أن تغتنم، لحظات قرب من الحياة لا يتمنى الإنسان حياة إلا سواها، يتجلى للمقاتل فيها الخطاب الإلهي، يسمعه فيها كمخاطب لا كقارئ لبلاغ، وفي هذه اللحظات إذا دعا استجاب له.

وعبَر الفيلسوف المغربي عن "حزنه الشديد وألمه العميق إزاء التخاذل الحاصل من الأمة عامة ومثقفيها خاصة"، حسب تعبيره.

وقال: إن تخاذل الأمة يدمي القلب، خاصة تخاذل المثقفين، وأنا أعتبر أن عدداً كبيراً من المثقفين قد خانوا الأمانة وخانوا الثقافة، لولا التطبيع ما أقدمت دولة الاحتلال على ما أقدمت عليه، ولو أن الدول المطبعة اتخذت موقفاً لتوقفت تلك الهجمات الإجرامية.

وأكد أن "الواجب في حق الأجيال الجديدة هو أضعاف الواجب الملقى على عاتق الأجيال السابقة"، وأوضح: السبب وراء ذلك أن ما كان يقال في العام 1967م هو أن اليهود عادوا إلى وطنهم، أما شباب اليوم فلم يعيشوا لحظات الهزيمة تلك التي كان السائدُ فيها التَّزمتَ والتَّعصبَ لدولة الاحتلال، إنما يحملون تصورات جديدة مصحوبة باستعدادات مختلفة.