شبكة قدس الإخبارية

مفهوم "الردع"... كيف خدعت استخبارات الاحتلال نفسها؟

israels-intelligence-failure-20231009095145

فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: أقام مجمع الاستخبارات والأمن في دولة الاحتلال طوال سنوات مفهوماً في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة، على رأسها "حماس" يقوم على فكرة "الردع".

اعتقدت الأجهزة الأمنية الاستخباراتية في دولة الاحتلال خاصة التي تقوم بمهمة المتابعة والمراقبة وبناء التصورات، حول قطاع غزة، أن الدمار الذي تسببه حملات الاحتلال العسكرية على القطاع المدني للفلسطينيين، والحصار المفروض على كل مناحي الحياة، الذي يصل كما يؤكد باحثون إلى "تحديد السعرات الحرارية" التي تدخل على جسد الفلسطيني، يخلق "ردعاً" مستمراً لحركات المقاومة وبينها حماس التي تقود القطاع منذ 2006، عن الاشتباك مع قوات الاحتلال أو المبادرة إلى عمليات.

ما يطلق عليه في مجتمع الاستخبارات في دولة الاحتلال "المفهوم"، وهو الإطار العملاني والنظري للتعامل مع قوة المقاومة، في غزة وكل المنطقة، قد يكون أحد أسباب وقوعها في خطة "الخداع" التي مارستها حركة حماس وجناحها العسكري، وضربت بها منظومة الأمن والعسكرية الإسرائيلية صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

الاعتقاد السائد لدى قادة جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" و"الشاباك" وغيره أن حماس "ردعت" عن الإقدام على عمل عسكري، في المستقبل القريب وحتى ربما البعيد، بعد معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، وهو "المفهوم" الذي بنت عليه تصوراتها حول الحالة السائدة في قطاع غزة، انهار في دقائق مع أول دفعة من المقاتلين اندفعت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة شرق غزة.

البناء النظري والعملاني الذي يحكم تصورات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول حركات المقاومة، في غزة، وعلى رأسها حماس يفتقد إلى فهم دقيق لطبيعة الشخصيات في الهرم القيادي الذي يحكم الأجهزة الرئيسية فيها وعلى رأسها الجهاز العسكري، وهو أحد التفسيرات لافتقار هذه الأجهزة لتحديد دقيق لنوايا حركات المقاومة، في المستقبل.

"المفهوم" كان أحد أسباب فشل دولة الاحتلال في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، إذ بنت الأجهزة السياسية والعسكرية الإسرائيلية مفهومها للحرب المقبلة مع الجيوش العربية، أنها لن تقع قبل حصولها على أسلحة نوعية مثل الطائرات ومضادات تحيَد سلاح الجو الإسرائيلي.

انهار هذا المفهوم أيضاً مع الضربات الأولى التي وجهتها القوات العربية على جبهتي سيناء والجولان.

الشخصيات القيادية التي تتولى مسؤولية قيادة العمل العسكري والأمني والسياسي، في حماس والقسام، يظهر من تحليل تاريخها أنها تملك "الصلابة" و"الصبر" والإيمان بــ"العمل الاستراتيجي طويل الأمد"، وهذا ينطبق أساساً على قائد الجهاز محمد الضيف، ومن حوله من هرم قيادي.

الضيف الذي شارك مع رفاقه طوال سنوات عمله العسكري والأمني، في الحركة، منذ الثمانينات في توجيه ضربات لعمق دولة الاحتلال، كما في عمليات الرد على اغتيال المهندس الشهيد يحيى عياش، اعتاد على نمط تنظيم عمليات ذات أثر طويل في الصراع مع الاحتلال، وامتصاص الضربات التي تتعرض لها البنية التنظيمية للمقاومة.

هذا ينسحب على عشرات من قادة فصائل المقاومة، في غزة، الذين رافقوا تطورها وتحولاتها إلى نمط تنظيم عسكري مختلف له مجموعات كبيرة تضم كتائب وسرايا وفصائل، وأسلحة صاروخية، ووحدات مدفعية، وأخرى مختصة بالاستخبارات والرصد، وقوات كوماندوز وبحرية، وأذهبوا أعمارهم في التجهيز لمعركة كبيرة واستراتيجية ضد دولة الاحتلال.

تحليل التطور التنظيمي وعلى الأدوات الاستراتيجية للمقاومة في غزة، وبينها كتائب القسام، يؤكد بوضوح على سمة "الصبر الاستراتيجي" الذي تعمل في سياقها الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة للمقاومة، وهو ما يجعل من مفهوم "الردع" غير ذي شأن في فهم سلوكها.

تؤمن المقاومة كما يظهر من تصريحات قادتها، طوال السنوات الماضية، باستمرار الإعداد لمعركة كبيرة وطويلة مع دولة الاحتلال، لذلك فإن توهمات الاحتلال حول مفهوم "الردع" لم تكن ذات قيمة تفسيرية عالية لسلوك المقاومة، نظراً لأن الصراع بين حركات تحرر وطني ودولة الاحتلال لا ينهض إلى السمات التي تميز الصراع بين الدول، إذ تعمل حركات المقاومة على الصبر والبناء المستمر واستغلال الجولات القتالية للتعلم والتطوير وتسديد ضربات مرحلية على الطريق، وتحفيز بقية التجمعات الفلسطينية للمشاركة في المعركة الكبيرة.

استراتيجية "المعركة ما بين الحروب" التي أطلقها رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، غادي آزينكوت، في سوريا بداية ثم عمل على تطبيقها في قطاع غزة، لتدمير مقدرات المقاومة في جولات قصيرة دون الوصول إلى حرب واسعة، فشلت صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وانهار معها مفهوم "الردع" الذي قام عليه تفكير الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في دولة الاحتلال.

وظهر أن حماس التي تتحمل أيضاً مسؤوليات معقدة عن حياة أكثر من مليوني فلسطين، في قطاع غزة، خالفت كل التوقعات هو نيتها التوجه إلى عقد تسويات تسمح بتحسين الأوضاع المعيشية، بعد أن لم تشارك في المواجهات الأخيرة مع الاحتلال، التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل، دون ظهور لكتائب القسام، وهو ما عزز الشعور المخادع لدى أجهزة استخبارات الاحتلال بنجاح مفهوم "الردع".

لذلك فإن مفاهيم نظرية مثل "الردع" قد تنهار في أية لحظة، وهي تؤشر إلى توجه في دولة الاحتلال لتطبيق مفاهيم فضفاضة على واقع عملاني متبدل، في ظل ضعف قواتها البرية، في السنوات الماضية، عن الدخول في معركة "حاسمة" مع قوى المقاومة.

ما يتخيله الاحتلال "ردعاً" قد يكون في مفهوم المقاومة صبراً وبناء في ظل الظروف القاهرة التي تعيشها والحصار المشدد الذي أهلك كل مناحي الحياة في قطاع غزة.

 

#غزة #الشاباك #فلسطين #الاحتلال #جيش الاحتلال #القسام #أمان #الاستخبارات #الضيف #الردع #طوفان الأقصى