رام الله – قدس الإخبارية: في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، وصل مهند الحلبي الطالب في جامعة القدس/ أبو ديس، رفقة زميله عبد العزيز مرعي الذي اعتقلته قوات الاحتلال لاحقاً، بتهمة تقديم المساعدة للشهيد، ونفذ عملية طعن في شارع الواد قتل خلالها مستوطنين وأصاب آخرين، وارتقى على أرض قريبة من الأقصى الذي جاء للدفاع عنه.
منذ عملية الحلبي، وبدأت لحظاتٌ جديدة من تاريخ النضال الفلسطيني، عرفه الفلسطينيون لاحقًا باسم "هبة القدس"، والتي جاءت في ظل الاعتداءات والاعتداءات الوحشية التي تعرض لها المرابطون والمرابطات، في تلك الأيام، من عام 2015، في سياق المعركة على فرض "التهويد" على المسجد، وبدأت الهبة التي افتتحها الشهيد الحلبي بقوله: "مساء الخير لكل شخص الأقصى شاغل باله".
استمرت "هبة القدس"، شهوراً متواصلة، وتراوح الفعل النضالي فيها بعد مراحل عالية من العمليات وأخرى تتراجع فيها في ظل العمل الأمني والعسكري المكثف الذي شنته قوات الاحتلال لإحباطها، وأسفر عن استشهاد العشرات واعتقال آلاف الفلسطينيين، ورغم ذلك نجح الفدائيون في الوصول إلى قلب القدس والمدن المحتلة، وتنفيذ ضربات نوعية فيها، بأقل الإمكانيات، وامتدت إلى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وشارك فيها فلسطينيون من هناك بينهم مهند العقبي، ونشأت ملحم، ومحمد أحمد جبارين، ومحمد حامد جبارين، ومحمد أحمد مفضل جبارين، وشادي بنَا وآخرين.
لماذا بدأت؟
الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي يرى أن عوامل عدة دفعت نحو اندلاع عبة القدس عام 2015، وأنها كانت امرًا حتميًا مهددته مجموعة من الأحداث، ابتداءً من خطف حركة حماس لـ ثلاثة مستوطنين عام 2014، والتفاعل الشعبي مع الحادثة، ثم تكثيف الاحتلال من عملياته في الضفة، ما صاعد من وتيرة الاشتباك.
ويضيف عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس": في الوقت نفسه حصلت حرب العام 2014 على قطاع غزة، وهي أطول الحروب داخل الأرض المحتلة مع الاحتلال الاسرائيلي، وكانت حرب ملحمية ومؤثرة وفيها عمليات اشتباك بري وفيها أسر جنود، وبالتالي هذه الحرب في العام 2014 مثلت رافعة معنوية وتعبوية للجماهير في الضفة المحتلة، بالضرورة بات العديد من الشبان سوف يتأثرون في تلك الحرب، ويسألون عن واجبهم ودورهم يعني في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
إلى جانب ذلك، وفقًا لعرابي فكان حرق عائلة دوابشة، ولزوم حدوث رد فعل على جريمة من هذا النوع، حتى لو أن رد الفعل هذا تأخر يعني الحادثة حصلت في شهر يوليو/تموز ورد الفعل جاء في تشرين أول/أكتوبر، إضافة إلى سعي فصائل المقاومة لإطلاق حالة مقاومة مثل عملية نفذتها مجموعة من حركة حماس، وكل هذه العوامل كانت تدفع نحو انفجار في ساحة الضفة المحتلة.
وبحسب عرابي، شكل الاعتداء المستمر على المسجد الأقصى. وكانت واحدة من دوافع تفجير هبة القدس من خلال عملية مهند الحلبي في ذلك الوقت، فهذه مجموعة من العوامل بالإضافة طبعا الى انتهاء ذروة الانقسام التي يعني كانت تؤثر على معنويات الشبان والجماهير في الضفة الغربية.
لماذا لم تستمر الهبة؟
يؤكد عرابي على أن الهبة لم تخمد، بل أخذت أطوارًا وأشكالًا متعددة، فطبيعة الأوضاع في الضفة الغربية لا تسمح بهبة مستمرة ومفتوحة، تبعًا للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وإذا كنا نتحدث عن في هناك فاعل محلي مهم جدا في الساحة الفلسطينية وهو السلطة وهذا الفاعل ليس متعاطفا المواجهة المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويتابع، إن ضعف الحالة التنظيمية للفصائل لا يوفر لأي هبة شعبية الاستمرارية، وبالتالي فإن هناك عمل بشكل متقطع بين فترة وأخرى على شكل عمليات، وبعد حرب عام 2021 أخذت الأشكال أكثر تنظيما وأكثر تأثيرا مثل ظاهرة عين الاسود في نابلس، وظاهرة التشكيلات المسلحة في جنين. وعدد من العمليات المؤثرة والنوعية في ساحة الضفة، أي أن الحديث يكون عن حالة مقاومة متحولة.
على غرار عرابي، يقول الباحث والمحلل السياسي هاني المصري، إن عدم استمرار الهبة بذات الوتيرة التي كانت عليها عام 2015 يعود إلى عدم تبني السلطة الفلسطينية لنموذج المقاومة الشاملة في مواجهة الاحتلال، وغياب القيادة الحقيقية للجماهير على أرض الميدان ووضع الخطط لتحويل الحالة القائمة لنجاحات سياسية.
ويضيف المصري في حديثه لـ "شبكة قدس": إن حالة العمل الفردي المقاوم ظلت إما على شكل أعمال مقاومة فردية أو جماعية بدون استراتيجية موحدة لها قيادة، وهو ما جعل هذه الهبة أو الانتفاضة تأخذ شكلاً مختلفاً عن الحالة التي كانت قائمة خلال انتفاضتي الأقصى والحجارة وظلت هذه الانتفاضة أقرب إلى شكل الموجات من خلال سلسلة العمليات التي تحدث بين فترة وأخرى، وهو ما جعل شكل الانتفاضة الثالثة أقرب للموجات.
ويوضح: خلال هذه الهبة، تعتبر السمة الأبرز هي المد والجزر، وليس الشامل الذي يشمل جميع المناطق وكافة الفئات والقطاعات في نفس الوقت كما حصل في انتفاضتي 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000، إلا أن هذه الحالة ما تزال قائمة رغم مرور 9 سنوات عليها.
ويتابع أن حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي والانعكاسات الداخلية للخلاف حول برنامج المقاومة بالإضافة إلى ملف التنسيق الأمني وأثاره على الحالة الفلسطينية، أثرت في مسار الهبة، غير أن الشكل الحالي للهبة الفلسطينية لم ينته وما يزال قائمًا.
في سياق التصعيد الحالي
الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يرى أن المشهد منذ عام 2015 لم يختلف، إذ أن السلوك الإسرائيلي هو نفسه الآن، حيث أننا أمام سلوك من قبل المستوطنين والسلوك المتطرف لحكومة الاحتلال الحالية، وهو الأمر الذي يسهم في جعل كل الاحتمالات واردة.
ويشدد عوكل على أن الفلسطينيين باتوا يشعرون أن العملية السياسية لن تمنحهم شيئًا تماماً كما في عملية تطبيع السعودية التي لن تمنح الفلسطينيين أي شيء على الصعيد السياسي وإنما هي مجرد تسهيلات فقط يمكن أن يسلبها الاحتلال في أي لحظة.
ويشير في حديثه لـ "شبكة قدس" إلى أن الظروف الميدانية التي أسهمت في اندلاع هبة القدس عام 2015 ما تزال قائمة مع تصاعد انتهاكات واعتداءات المستوطنين، ومع تزايد النظرة الدولية تجاه الاحتلال بأنه كيان قائم على الفصل العنصري والأبارتهايد ودولة المستوطنات على حساب الفلسطينيين.
وبحسب عوكل، فإن الجيل الحالي الذي يقود المقاومة هو الجيل الذي يمارس المقاومة رفضاً للإهانة وتمسكاً بالأرض في ضوء تصاعد الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون أو حتى المؤسسة الرسمية للاحتلال، وبالتالي فإن لكل فعل رد فعل وما يحصل حالياً بالضفة المحتلة هو امتداد للحالة التي نشأت عام 2015 بداية من عمليات الطعن مرورا بالدهس قبل أن تصل إلى تشكيل مجموعات مسلحة بأعداد بسيطة في جنين ثم تنتشر هذه المجموعات في مختلف مناطق الضفة.