تكاد تعتبر كلمة النازية، النموذج الأكثر سوادية على الجماعة اليهودية المعاصرة لارتباطها الوثيق في عملية تشكيل وبناء الهوية اليهودية ضمن الأهداف والمنطلقات الصهيونية حاملة في طياتها وجهتين من التأويلات:
الأول:
عند استخدامها في سياق خطاب المظلومية، الذي لا شك بأنه قدم للجماعة اليهودية الكثير من الإنجازات عبر مسار طويل من البكائيات والأحزان، وجعل صورة الضحية الملازم الدائم للكيانية الصهيونية ، وبالتالي فإن النازية وما تمثله ضمن هذا التأويل ما هي إلاّ منحة وجائزة للجماعة اليهودية قُدمت على طبق من ذهب أو من دماء اليهود ليتم البناء عليه والاستفادة منها إلى يومنا هذا، ولا أدلَّ على ذلك عملية ربط الفعل النازي بمعاداة السامية، السلاح الأقوى ضد الخصوم، كما تستخدمه الحركة الصهيونية ومؤسساتها على مستوى العالم .
الثاني:
أو كما هو الظاهر من استجلاب المصطلح وتقديمه كنموذج لعملية الإلغاء والمحو الذي مارسته النازية بالأمس القريب، على المجموعة اليهودية في أوروبا، وإعادة إحيائه في داخل المجموعة اليهودية المعاصرة ضمن حدود جغرافيا المستعمرة، وتفعيله بشكل مغاير، ولنا مثال ما قامت به البرفوسورة الصهيونية شِكما برسّكر، التي تقود مع آخرين الحراك الاحتجاجي العارم، المعارض لحكومة اليمين الصهيونية المتطرف، عندما أطلقت أحكامًا بحق وزراء الحكومة اليمنية الحالية، واعتبرتهم بأفعالهم وآرائهم نازيين.
والقصد هنا وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير"، ووزير المالية "كوترش"، اللذان يعتبران من أشد الوزراء تطرفًا وحقدًا اتجاه الفلسطينيين العرب السكان الأصلانيين للأرض المقدسة فلسطين، وتجاوز ذلك إلى الفرقاء معهم داخل الجماعة اليهودية.
حديث "برسّكر" لا يمكن عزله عن صعود الأفكار والتوجهات الأكثر ليبرالية داخل المجتمع الصهيوني في مواجهة الظهور اليميني المسيحياني وسيطرته على مفاصل مهمة في المؤسسة الرسمية الحكومية من خلال الإتلاف الحالي بين الأحزاب الدينية واليمينية القومية.
ومن هذه التوجهات رفع شعارات غير صهيونية في التظاهرات الشبه يومية في القلب من المدينة المركزية تل أبيب " كشعار اليهودية = العنصرية" وفي الخلفية رفع الأعلام الفلسطينية، أو تقديم خطابات لم تكن موجودة سابقًا كتوصيف الحالة بأنها ليست عملية انقلاب على التشريعات، بل هي عملية احتلال، إلى ظهور شخصيات بارزة من رئيس الوزراء الأسبق "ايهود أولمرت"، معبرة عن مخاوفها حول مراجعة أمريكا لطبيعة العلاقات مع الكيان الصهيوني، بسبب التحولات البنيوية في النظام الرسمي للكيان إلى ما قدمه أيضًا رئيس جهاز الموساد الأسبق "تمير باردو" عندما وصف الكيان الصهيوني الذي يعيش فيه وعمل من أجل الحفاظ على أمنه بأنه دولة ابرتهايد.
لتصبح هذه التوجهات والمقولات الصادمة، حيث تسمع لأول مرة من شخصيات صهيونية بارزة، الأداة القوية والمهمة بأيدي كارهي الكيان الصهيوني الذين يقومون بشكل حثيث على الساحة الدولية بالتأثير على داعمي الكيان الصهيوني لوقف كل المساعدات وتقييد العلاقة معه؛ وصولًا لحصاره ومواجهته حتى يقف عند حده، ليقدم الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها تقرير مصيره وإقامة دولته.
ليس هذا فقط، بل تصاعد روح الكراهية بين المختلفين داخل الكيان، الأخطر في المعادلة لم يكن ما ذهب إليه كل فريق، بل الطرف الثالث المصنف ضمن الهوامش، وهم الذين لا ينتمون الى أحد المعسكرين؛ يعتقدون اليوم بأن الحاصل هو تعاظم الوحش- أي تعاظم إمكانيات الصدام بين المعسكرين- وهو ما يخيف الجميع.
مع عدم اغفال ما ذكر سابقًا على لسان رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الوساد الأسبق ومعهما الكثير ممن يحملون هذه القناعات.
التحالف الحكومي لدوره يؤكد أحقيته في السيطرة والحكم، وتمرير التشريعات باعتبارية العقد الاجتماعي الحاصل بين مركبات اللعبة السياسية في الكيان.
التصلب في المواقف من قبل التحالف، وفي الجبهة الأخرى تعاظم المظاهرات وازدياد التأثيرات السلبية على الاستقرار العام داخل الكيان، شكّل مجموعة أحكام لا يمكن تجاوزها، كأن لا وساطة على الديموقراطية، وتسلل مفهوم النازية كأداة اتهام وإلغاء للآخر، للأجواء اليومية، وأن الحديث ليس حول الكلمة -أي النازية- فقط، بل هي حرب بين الكلمات، التي بالحتم ستؤدي إلى حرب بين الإخوة.
وبحسب الاستطلاعات فإن 80% من عموم المجتمع الصهيوني يؤيدون الوصول إلى اتفاق بين المعسكرين، لكن لا يعني أن ذلك سيحصل، فالواقع أشد احتقانًا، مانعًا بذلك الوصول لإتفاق، بل قد يكون العكس تمامًا، مزيدًا من الإحتراب والفرقة.
ويبقى خطاب النازية، ليس من قبل أتباع العرق الآري، بل من الضحايا أنفسهم اليهود هنا، في نوع من استنساخ الذات النازية لكن بالشكل اليهودي الصهيوني لها.