القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: نفذت ميلشيات المستوطنين حلقة جديدة، اليوم، في مسار مخططاتها للوصول إلى "التقسيم الزماني والمكاني" للمسجد الأقصى، وفي مرحلة أخيرة السيطرة عليه وهدمه وبناء "الهيكل" مكانه.
الاقتحام الواسع الذي حشدت له الجماعات الاستيطانية، منذ أيام، قاده وزراء في حكومة الاحتلال بينهم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غبير، وعضو "الكنيست" السابق يهودا غليك، وجرى بحماية واسعة ومشددة من قبل شرطة الاحتلال، التي سمحت للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية علناً وانتهاك حرمة المسجد.
باحثون ونشطاء رصدوا عدة تطورات خطيرة، خلال الاقتحام، الذي نفذه أكثر من 2000 مستوطن بينها منع الفلسطينيين من الدخول له من بعد صلاة الفجر حتى انتهاء الاقتحامات، وهي ما يؤكد على المضي في ترسيخ مشروع "التقسيم المكاني"، والسماح للمستوطنين بأداء طقوس تلمودية بينها "السجود الملحمي".
وقال الباحث في شؤون القدس، محمد هلسة، إن الاقتحام اليوم يأتي في سياق برنامج متواصل لترسيخ "التقسيم الزماني والمكاني" والسيطرة عليه وتغيير وجه المكان من إسلامي إلى يهودي، وأضاف: التطورات اليوم خطيرة وتعزز من البرنامج الاستيطاني في المسجد الأقصى.
وشدد على أن البرنامج اليميني الاستيطاني يستفيد من "التشظي والانقسام الفلسطيني" بالإضافة لحالة التطبيع العربي والتساوق مع دولة الاحتلال، والأوضاع السيئة في المنطقة، والانشغال العالمي بقضايا أخرى مثل الحرب الروسية - الأوكرانية.
وأشار إلى أن "اليمين الصهيوني" يسعى إلى جلب الأنظار إلى الصراع على المسجد الأقصى، في ظل الصراع الداخلي في مجتمع الاحتلال، وأوضح: هذا اليمين شعبوي أيضاً ويريد أن يجذب الأصوات له وشاهدنا أن وزراء وأركان مهمة في حكومة الاحتلال هم من تقدم الاقتحام، لذلك ما يجري في الأقصى هو سياق طبيعي لكل هذه الظروف وحكومة اليمين الصهيوني التي تريد تنفيذ برنامجها بخطوات متسارعة، نحو تحويل المسجد من إسلامي خالص إلى يهودي خالص لا قدر الله.
واعتبر أن "اليمين الصهيوني" وحكومة الاحتلال يعملان على تكتيك البناء على "النقطة التي وصلت عندها"، وأضاف: أعداد كبيرة من المستوطنين اقتحمت المسجد وأدوا صلوات تلمودية والطقوس، في مشهد لم نعهده من قبل، في ظل التراخي العربي والإسلامي والفلسطيني، وهؤلاء ينبون جانباً مهماً من خطواتهم على ردة فعل الطرف الآخر، وما دام أن الطرف العربي والفلسطيني في هذه الحالة من الضعف والتراخي فهو تشجيع لهم نحو خطوات أخرى أكثر عمقاً.
وتابع: القادم أسوأ لأن اليمين الصهيوني متاح أمامه كل الأدوات والظروف الإسرائيلية والدولية والعربية، وما يجري يشير إلى خطر في المستقبل وليس في الحاضر، وكل يوم يتراخى فيه موقفنا يشتد فيه موقف المستوطنين.
وشدد على أن السلوك الاستيطاني مبني على "استراتيجية واضحة" في مقابل سلوك قائم على "ردات الفعل" فقط في الجانب الفلسطيني والعربي.
وعن الاستراتيجية المطلوبة فلسطينيا وعربياً، قال هلسة في لقاء مع "شبكة قدس": قبل أن نطالب العالم بمواقف حادة وواضحة وصريحة، يجب أن نملك على الصعيد الفلسطيني موقفاً موحداً، ونتفق على استراتيجية موحدة في قضايانا المصيرية، مثل قضية المسجد الأقصى.
وتابع: العالم العربي تفلت منا، جزء منه يصطف مع "إسرائيل" ويقيم معها علاقات على كل المستويات، الاحتلال إذا لم يعلم أنه سيقابل بالردع فلن يتوقف عن هذه السياسات، لا يعقل مثلاً أن يمضي العالم العربي والإسلامي و"إسرائيل" عينها أيضاً على السعودية، وهي تسعى للسيطرة على ثاني أقدس مكان للمسلمين على الأرض، والسعودية لها مكانة دينية كبيرة ولا تتحرك لوقف الجريمة بحق الأقصى.
وأضاف: إذا لم نقم بكل هذه الخطوات، ستبقى قضية القدس هي قضية القلة القليلة من المرابطين والمؤمنين، وتضيع وتصبح لقمة سهلة للمستوطنين، لذلك يجب أن يكون موقفنا موحد ونذهب لنطالب العالم بالوقوف معنا، ومطالبة العرب باستخدام الأدوات التي بين يديهم، الأردن والسعودية والإمارات ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها، يمكن التلويح بكثير من الأوراق لوقف الجريمة بحق الأقصى، وعندما تستخدم أضمن لك أن الاحتلال سيتراجع للوراء، ولن يردعها فقط الشجب والاستنكار.
وفي السياق، اعتبر الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد ابحيص أن اقتحام اليوم يشير إلى عدة نقاط، بينها رفع عدد المقتحمين من أكثر من 1000 العام الماضي إلى أكثر من 2000 هذا العام، وهذا تعتبره الجماعات الاستيطانية "نجاحاً لها"، نظراً لفشلها سابقاً في حشد أعداد كبيرة في "عيد الفصح"، في ظل الرباط الكبير حينها، والواضح أنهم اليوم "عوضوا ذلك"، حسب تعبيره.
وذكر أن الجماعات الاستيطانية تجبنت أسلوب الحشد على مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح في لقاء مع "شبكة قدس": هذه المرة اعتمدت هذه الجماعات على التواصل المباشر مع المستوطنين، كي لا يجري الكشف عن نواياها، واعتقد أن هذا جرى بالتنسيق مع مخابرات الاحتلال.
وفي تغيير جديد عملت ميلشيات المستوطنين على رفع عدد المقتحمين في كل فوج، إلى 100 مقتحم، يقول ابحيص، ويضيف: في 2006 كان العدد في كل فوج 20 مستوطناً، وارتفع إلى 50 بحلول 2019، ثم رفع إلى 70 في ذكرى احتلال القدس التي وافقت العام الماضي، واليوم يرفع إلى 100 مقتحم وهذا أحد أهم مطالب جماعات "الهيكل"، لأنه عند دخول مجموعتين في وقت متوازي كل واحدة تضم مئة، في ظل محاربة الرباط والتواجد الإسلامي فيه، هذا يشير إلى تغيير وصورة يريدون تحقيقها.
وقال إن الجماعات الاستيطانية حققت اليوم مرادها أيضاً بادخال باب الأسباط، في الاقتحامات، لأنه يقع في الزاوية الشمالية الشرقية بالمسجد، وهم يريدون كسر فكرة "التقوقع" في جهة باب المغاربة والخروج من باب السلسلة.
واعتبر أن الاقتحام مرتبط بأجندة "الصهيونية الدينية"، ويضيف: ترى "الصهيونية الدينية" تلازماً بين قدرتها على فرض هويتها وتقرير مصير الكيان الصهيوني وبين العدوان الحاسم لحسم قضية فلسطين "ضم الضفة، إنهاء قضية القدس والأقصى"، وهذا لا يمثل هروباً من الأزمة الداخلية، هم يرون القضيتين خطين متلازمتين، الانجاز في الجبهة الداخلية يعزز حضورهم في مواجهتنا والعكس صحيح، ويرون لا بد من تعزيز حضور التوراة في الكيان الصهيوني وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين.
وحول الأولويات الفلسطينية، قال: مناسبة ذكرى "سقوط الهيكل المزعوم" إحدى المناسبات الأربع التي تستغلها الجماعات الاستيطانية، منذ 20 عاماً، لتصعيد العدوان على المسجد الأقصى، وهو ما يفرض علينا التفرغ لها وإعطاء الأولوية للتصدي لها، وهذا لم يحصل، بينما تتجه الأولويات إلى "عبث المصالحة" رغم أننا منذ 16 عاماً ونحن في هذا المسار وأجرينا أكثر من 50 جولة مفاوضات، ولم نحقق أي فائدة، وهو الخيار الوحيد قبل أي عدوان وبعد أي انجاز، نتذكر هبة باب الأسباط والانتصار فيها، توجهنا حينها لهجوم المصالحة رغم أن الميدان أثبت أننا قادرين على فرض ما نريد على الاحتلال، وهذا تكرر بعد معركة "سيف القدس" وعقب الانتصارات الحالية التي حققتها المقاومة في جنين وصعود مجموعات مسلحة لها، في مختلف مناطق الضفة المحتلة.