رام الله - خاص قدس الإخبارية: فتح أداء 4 قضاة فلسطينيون، الخميس الماضي، اليمين القانونية أمام الرئيس محمود عباس، كقضاة في المحكمة الدستورية العليا، ملف المحكمة من جديد لاسيما وأنها تضم في عضويتها علي مهنا المستشار القانوني للرئيس.
وجاء أداء القسم الذي حضره فقط كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار والرئيس عباس مخالفًا بالأساس للقانون الخاص بالمحكمة والذي ينص على أن اليمين الدستوري يكون أمام الرئيس ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المجلس التشريعي وهو أمر لم يتحقق.
ولا يقتصر الأمر عند الخلل الحاصل في إجراءات حلف اليمين من قبل القضاة، بل يشتمل على الطلبات التي تم تقديمها وعدم وجود مسابقة بالأساس، إذ تم التقدم بـ 17 طلبًا إلى المحكمة الدستورية لإشغال وظيفة قاضي محكمة دستورية فيما تم رد طلبين منهما لسيدتين بسبب عدم اكتمال الملف، ورفعت بقيت الطلبات الـ 15 إلى الرئيس محمود عباس كي يقوم بتنسيب 4 إلى 6 قضاة للمحكمة.
وكان لافتًا أن إجراءات شغل هذه الوظيفة لم تتم وفقاً لإجراءات قانونية أو مبدأ المساواة في عملية التقديم، حيث أنه من غير المعروف حتى الطريقة التي تقدم بها المرشحون من أجل تولي منصب قاضي في المحكمة الدستورية، علاوة على أن الهيئة التأسيسية للمحكمة خالفت في عملها النص القانوني الذي يؤكد على أن قاضي المحكمة تكون مدة عمله 6 سنوات، فيما استمرت الهيئة الدستورية لنحو 7 سنوات وشهرين.
إضافة إلى ذلك فإن هذه المحكمة لا تحظى بأي اجماع أو إشادة على المستوى الفلسطيني إذ أمرت بحل البرلمان "المجلس التشريعي" عام 2018 وأقرت بصلاحية الرئيس بمحاسبة رئيس السلطة التشريعية وأعضائها، وصادقت على قرار الرئيس بحل السلطة القضائية، إلى جانب أن الشرطة ليست هيئة نظامية مدنية، ومهما ارتكب العسكريون من جرائم، حتى لو شيك بدون رصيد، يحاكمون أمام زملائهم العسكريون، ولا يهم شبهة تستر الزملاء بعضهم على بعض، ومن بين القرارات التي أصدرتها هذه المحكمة الحظر على الأطباء الإضراب مهما كانت الأسباب.
ومع أداء القضاة الأربعة لليمين الدستورية فإن ثمة تخوف فلسطيني من أن يكون ما يجري ضمن عملية الترتيبات المستمرة التي تجريها القيادة السياسية في رام الله بهدف إجراء تعديلات دستورية تغيير آلية اختيار الرئيس، ضمن الاستعدادات لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي محمود عباس.
في السياق، يقول المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لإستقلال القضاء، ماجد العاروري إنها ليست المرة الأولى التي ينتقل فيها مستشار قانوني للرئيس لتولي وظيفة قضائية أخرى، فسبق وأن تولى المستشار القانوني الأسبق للرئيس عباس مهمة رئاسة مجلس القضاء الأعلى.
ويضيف العاروري لـ "شبكة قدس" أن ما جرى حاليًا هو تنسيب من قبل المستشار علي مهنا لوظيفة قاضي المحكمة الدستورية وهو الذي كان له دورًا كبيرًا في اختيار كل أعضاء المحكمة الدستورية واختيار أعضاء المحكمة الإدارية، إلى جانب أن هناك تعارض في المصالح.
ووفق المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لإستقلال القضاء فإن ما يجري حاليًا أن مجموعة من الأشخاص يقدمون أنفسهم بسياسة الباب الدوار من وظيفة إلى أخرى دون النظر إلى الكفاءات الفلسطينية الأخرى، وبالتالي فإن حالة التدوير القائمة فيها حالة من تعارض المصالح.
ويواصل: "ما يجري لا يجعل فقط النظام السياسي غير شفاف، إلى جانب أنه يستند لعدم تداول السلطة من خلال عدم إجراء الانتخابات وغياب التداول الحقيقي للسلطة، وهو ما يجعل أن عملية شغل هذه الوظائف هو الآخر غير شفاف ولا يتم بطريقة عادلة".
ويعتقد العاروري أن ما يجري يضعف ثقة الجمهور في المؤسسات القضائية وهو ما يعني أن هناك جهد كبير يجب أن يبذل من أجل تعزيز ثقة الناس في القضاء وهو ما ينعكس على كل الأجسام القضائية التي تقسمت إلى أجسام عدة بعد أن نص القانون الأساسي على وجود سلطة قضائية واحدة ثم تحول المشهد لتصبح السلطة التنفيذية هي المسيطرة من خلال حل السلطة التشريعية من خلال المحكمة الدستورية والآن في طريقها للسيطرة على القضاء.
ولا يستبعد أن تشهد المراحل الزمنية القادمة من أن تقوم المحكمة الدستورية بمنح الرئيس عباس صلاحية إجراء تعديل على القانون الأساسي تغيير الطريقة المتبعة في عملية اختيار منصب الرئاسة الذي ينص القانون على أن يتم شغله من قبل رئاسة المجلس التشريعي.
ويتبع العاروري قائلاً: "إمكانية التعديل هو أمر وارد وليس ببعيد أو صعب على النظام السياسي الفلسطيني الذي أغرقنا في حالة من التشريعات هدت أركان القانون الأساسي الفلسطيني وهدت أركان النظام الدستوري القائم على مبدأ الفصل بين السلطات".
صراع قديم.. المحكمة الدستورية وشرعية وجودها
من جانبه، يؤكد أستاذ القانون والمختص في الشؤون القانونية والحقوقية عصام عابدين على أن قانون المحكمة الدستورية الأول فجر خلاف في المجلس التشريعي في أول جلسة عقدها المجلس بعد انتخابه عام 2006، بين كتلتي حركة فتح وحركة حماس، لاسيما بعد التعديلات التي أدخلت على القانون في الجلسة الأخيرة للمجلس التشريعي الأول.
ويقول عابدين لـ "شبكة قدس" إن المحكمة الدستورية فجرت خلاف عميق في المشهد السياسي الفلسطيني وفي المجلس التشريعي الذي قامت هذه المحكمة لاحقًا بحل المجلس بتاريخ 12 ديسمبر 2018، في خطوة استهدفت الجسم التشريعي الفلسطيني.
ويرى أستاذ القانون والمختص في الشؤون القانونية والحقوقية أنه جرى عدة تشكيلات واتخذت قرارات انتهكت بشكل خطير جدًا الدستور الفلسطيني، لاسيما أن المادة 7 نصت على أن قضاة هذه المحكمة يؤدون القسم قبل مباشرة أعمالهم بحضور رئيس المجلس التشريعي ونتيجة هذا الخلاف لم يحضر رئيس المجلس أداء القسم للمحكمة الدستورية وهو ما يترتب عليه أن قرارات المحكمة غير دستورية كون القسم الدستوري جاء خلافًا لقانون المحكمة الذي يتطلب حضور رؤساء السلطات الثلاثة مراسم القسم.
ويؤكد على أن عدم دستورية القسم استخدمت ضد المحكمة الدستورية نفسها وضد رئيسها وكان يتم التلويح بها بين فترة وأخرى لتمرير قرارات ذات طابع سياسي، قبل أن تنتهي صلاحية المحكمة في عام 2022 ويتم إجراء تعديل جديد على قانون المحكمة الدستورية بحيث يتم تلافي مشكلة القسم أمام رئيس المجلس التشريعي بحيث أصبح قضاة المحكمة الدستورية يؤدون اليمين رئيس مجلس القضاء الأعلى أو رئيس المجلس التشريعي.
وينبه إلى أن جميع لجان الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين والتقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية الدولية وجهت نقدًا لاذعًا للمحكمة الدستورية وقراراتها وعملها والقوانين الخاصة بها، حيث كان هناك ملاحظات خطية واضحة متعلقة بعدم استقلالية هذه المحكمة.
ويتوقع عابدين أن تكون المحكمة الدستورية بتشكيلتها الحالية جزء من المرحلة المقبلة فيما يتعلق بعملية التوريث السياسي وإجراء تعديلات قانونية خاصة بالدستور الفلسطيني تمكن من اختيار خلفاء الرئيس عباس في حال غيابه عن المشهد السياسي.
ويشدد على "أن هذه المحكمة بدلاً من حماية الدستور والقانون فهي تقوم بسحق الدستور وباتت الذراع الضاربة للسلطة التنفيذية وأعوانها وهي ستلعب دور بالغ الخطورة في المرحلة الانتقالية القادمة، لا سيما وأن جميع قراراتها السابقة كانت ذات وجه قبيح ارتهن لشكل سياسي.