شبكة قدس الإخبارية

الشهيد خليل الوزير وسؤال "من أين نبدأ؟"

1555425856-6310-3
أحمد العاروري

من سؤال "من أين نبدأ" في الرد على تحدي النكبة التي دمرت الشعب الفلسطيني، انطلق خليل الوزير "أبو جهاد" في حركته لبناء تنظيم نضالي يحقق استعادة الفلسطيني للمبادرة في مواجهة الاحتلال.

وكما يقول في الوثيقة التي كتبها لاحقاً وتعرف باسم البدايات: كان السؤال الرئيسي الذي يعجن الشارع الفلسطيني هو: كيف نبدأ؟ وكان يعززه دائماً تلك المتابعة النهمة التي كانت تختزن الشارع الفلسطيني للتجارب الثورية في العالم.

خليل الوزير اللاجئ الذي بقيَت ذكريات التهجير من مدينة الرملة، في عام النكبة، راسخة في أعماقه بدأ منذ بدايات عمره البحث عن سؤال كيف نمحو آثار النكبة ونستعيد المبادرة الفلسطينية؟.

ومن غزة التي سكنها مع عائلته، بدأ الطفل الذي عمل على "بسطة" لإعالة عائلته التي شردها الاحتلال، وشاهد بعينه نكبة اللاجئين في مخيمات القطاع الذين فتك بهم الجوع والمرض، انطلقت رحلته في العمل العسكري.

انضم أبو جهاد في البدايات إلى جماعة الإخوان المسلمين وشارك في عمليات عسكرية وتدريبات، وتعرف من خلال الجماعة على شخصيات رافقته لاحقاً في قيادة حركة فتح مثل الشهيد كمال عدوان، قبل أن يقرر الوزير ترك الجماعة.

اللقاء الأول بين أبو جهاد ورفيق دربه لاحقاً ياسر عرفات كان بعد أن زار الأخير القطاع مع وفد من رابطة الطلاب الفلسطينيين، في مصر، وخلال فترة دراسة الوزير في مصر اعتقل وأبعد بعد اكتشاف تكليفه لشاب بزراعة لغم أرضي على الحدود مع فلسطين المحتلة.

كان الوزير من بين المطالبين بتسليح الفلسطينيين في قطاع غزة لصد العدوان الإسرائيلي، وكان العدوان الثلاثي عام 1956 الذي احتل فيه جيش الاحتلال قطاع غزة مفجَراً لسؤال "ما العمل" فلسطينياً، وعن أحداث عام 1954 يقول الشهيد في وثيقة "البدايات": جاء هذا العدوان ليحمل الدرس والعبرة لشعبنا في كل مكان، وكانت القوات الإسرائيلية قد تقدمت إلى القطاع بعد انسحاب الجيش المصري منه، بحيث وجد شعبنا نفسه هناك وحيداً أعزل ودون تنظيم ذاتي، مما فسح المجال واسعاً أمام العدو لينكل بشعبنا أيمَا تنكيل، فعمَت المجازر كل القطاع والشرائح الاجتماعية.

بقيَ سؤال "من أي نبدأ" في وجدان وعقل أبو جهاد، وفي مرحلة سفره إلى الخليج للعمل لم ينقطع عن الاتصالات مع رفاقه وأصدقائه لبناء تنظيم ثوري فلسطيني يعيد وضع الفلسطيني في قلب معادلة الكفاح المسلح، بعد تجاربه الخاصة في وسط التجارب العامة الفلسطينية التي انطلقت بعد النكبة.

وبعد تعرفه على ياسر عرفات واللقاءات المتنوعة لبحث وضع إجابة عملية على الهم المشترك، بدأت التحركات لإقامة التنظيم الذي انطلق لاحقاً باسم حركة فتح بعد انضمام مختلف المجموعات، ومن بيروت عبَرت هذه المجموعة وبينها الشهيد أبو جهاد عن أفكارها عبر مجلة "فلسطيننا"، ويقول عن الفكرة الأساسية التي أرادت المجلة قولها: هو أن يفتح كل فلسطيني عينية ويرى الحقيقة والواقع بكل مراراته، وأن ينتشل نفسه من حالة العدم التي يعيشها والانخراط في الفعل الثوري والالتحام بحركة التحرير الوطني الفلسطيني.

تأثر أبو جهاد مع مجاميع الشعب الفلسطيني ونخبه الفكرية والنضالية بتجربة الثورة الجزائرية، وأقام علاقات مع القادة الجزائريين على أرضية "كيف نبدأ؟" و"ما العمل؟" في مسار استلهام تجربة الثورة التي انتصرت على الاستعمار الفرنسي. وبعد زيارة أجراها أبو عمار للجزائر تقرر فتح مكتب لفلسطين هناك تديره حركة فتح وتولى أبو جهاد هذه المسؤولية، بعد أن استقال من وظيفة في وزارة التربية والتعليم في الكويت.

ومن الجزائر انطلق إلى العالم، كما يقول في "البدايات"، وزار مختلف دول العالم التي كان المسار الثوري هو ما يحكمها وأقام علاقات معها استفادت منها الثورة الفلسطينية لاحقاً، مثل الصين وكوريا الشمالية وفيتنام ويوغسلافيا وألمانيا الديمقراطية، وفي أوج بناء الحركة لقواعدها القتالية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات خرجت إلى الواقع فكرة إقامة "منظمة التحرير الفلسطينية"، التي تنوعت الآراء بين التيارات الحركية والثورية الفلسطينية حول التعامل معها، ويذكر الشهيد أبو جهاد في مذكراته أن الحركة طلبت من أحمد الشقيري أول قادة المنظمة التعاون بين ما هو سري أي الحركات الفدائية الفلسطينية، التي كان لها علاقاتها الواسعة، وبين ما هو كيان علني أي المنظمة.

ويؤكد أبو جهاد في "البدايات" أن الحركة كانت تعتقد أن إقامة منظمة التحرير من قبل الأنظمة العربية كان يهدف لقطع الطريق على "الإرهاصات الثورية" التي تشكلت في الشارع الفلسطيني، في تلك السنوات.

هزيمة 1967 شكلت دفعة هائلة للحركة الثورية الفلسطينية وبينها حركة فتح، بعد أن فقدت الأنظمة العربية مبرراتها أمام الجماهير، وبدأت مع حركات فلسطينية أخرى في إقامة القواعد في عمق الأرض المحتلة وبناء الجسم التنظيمي، ومع السنوات كبرت قواعدها في الأردن خاصة على طول المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة، مع الاستمرار في تطوير العلاقات الدولية، والدفعة الأقوى الخاصة بحركة فتح كانت معركة الكرامة.

ومع سنوات الثورة التي برز كأبرز قياديها، حافظ أبو جهاد على مسار واضح في العمل العسكري والسعي الحثيث لإقامة قواعد لها في الأرض المحتلة وبناء مؤسسات فلسطينية تكون دعائم للحراك النضالي في فلسطين، ومن لبنان ومختلف مناطق الوجود الثوري الفلسطيني أشرف على الدوريات العسكرية نحو الأرض المحتلة، وحافظ من خلال جهاز "القطاع الغربي" على علاقات مع الخلايا في الأرض المحتلة.

وفي التحديات التي واجهت الثورة الفلسطينية في مختلف مواقعها كان لأبي جهاد دوره في الحفاظ على الجسم العسكري والتنظيمي للثورة، مع بناء علاقات متينة مع القوى الثورية الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ومختلف القوى الثورية في العالم.

انتفاضة الحجارة كانت انتعاشة جديدة في مسار أبو جهاد ومختلف القوى الثورية الفلسطينية في الإجابة على سؤال "من أين نبدأ" و"ما العمل"، وكان من أبرز الشخصيات النضالية الفلسطينية التي أقامت اتصالات مع كوادر الانتفاضة، واستغل مختلف الساحات بينها الأردن لتقديم الدعم المادي واللوجستي والتواصل مع التنظيم في الأرض المحتلة، وكانت عملية "ديمونا" التي أشرف عليها أحد العوامل التي أنضجت قرار مخابرات الاحتلال اغتياله الذي تحقق في تونس، في مثل هذا اليوم من عام 1988، بعد عقود من النضال.

كانت إجابة الشهيد أبو جهاد على كل تحدِ يبرز أمام الثورة الفلسطينية، في الساحات المختلفة، هو تصعيد الكفاح المسلح ضد الاحتلال.

#فتح #خليل الوزير #الثورة الفلسطينية