فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: طرح هجوم المستوطنين الأخير الذي تعرضت له بلدة حوارة الواقعة جنوبي مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، تساؤلاً بشأن دور شركات التأمين الفلسطينية في تعويض المتضررين من هذا الهجوم ومدى إمكانية مشاركتها في ذلك.
وتصاعدت المطالبات الشعبية والفلسطينية غير الرسمية المنادية بأهمية تعويض أهالي حوارة ومشاركة شركات التأمين في ذلك، إلى جانب حضور المؤسسة الرسمية متمثلة في السلطة الفلسطينية وشركات القطاع الخاص في ظل الأرباح الكبيرة التي حققتها هذه الشركات العام الماضي.
وبحسب تقدير بلدية حوارة فإن إجمالي الخسائر المالية الناجمة عن اعتداء المستوطنين قبل أيام تجاوزت مبلغ 18 مليون شاقل، بما يشمل حرق ودمار المركبات بالإضافة إلى محال تجارية ومنازل استهدفت خلال الاعتداء.
وبحسب إحصائيات شبه رسمية فإن إجمالي أرباح شركات التأمين خلال عام 2022 بلغت 22 مليون دولار أمريكي، وهو ما رأى البعض فيه دافاعًا إضافيًا على ضرورة المساهمة المجتمعية من قبل هذه الشركات في تعويض متضرري حوارة وغيرهم.
الشركات غير قادرة.. هل تتهرب شركات التأمين؟
وعن تحمل شركات التأمين للأضرار في حوارة، قال عضو مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين أنور الشنطي إن شركات التأمين العاملة في فلسطين لا تستطيع تحمل أو تعويض المتضرر من اعتداءات المستوطنين في حوارة بنابلس شمال الضفة قبل يومين.
وأضاف الشنطي في تصريحات خاصة لـ "شبكة قدس" أن وثيقة التأمين هي عبارة عن عقود دولية تربط بين الطرف الأول المتمثل في شركة التأمين والطرف الثاني المتمثل في في المؤمن له ضمن بنود ونصوص واضحة.
وبحسب عضو مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين فإن وثيقة التأمين المعتمدة تغطي أضرارا معينة "كالسرقة والحريق والفيضانات والعواصف الاعتيادية والشجار وخطأ الغير، وهي واردة في كل عقود شركات التأمين على مستوى العالم".
ووفقًا لحديث الشنطي لـ "شبكة قدس" فإن هذه العقود تستثني الحروب والعدوان سواء معلنة أو غير معلنة والفتنة والشغب والعصيان والتخريب بالإضافة للعواصف غير الاعتيادية مثل تسونامي أو ما شابه وهو أمر معمول به على مستوى العالم.
وأتبع قائلاً: "هذه أضرار كبيرة وهائلة المفترض أن يكون لها صناديق معينة من الدولة أو المجتمع إلى جانب ضرورة أن يكون هناك تحرك إعلامي لتحميل الطرف المعتدي نتائج الاعتداء، أما شركات التأمين فهي لا تستطيع تحمل حجم هذه الأضرار".
ولفت الشنطي إلى أن "بوليصة" التأمين المتعلقة بأخطار الحروب تكلفتها مرتفعة جدًا وهي تقتصر على شركات كبرى فقط ولا تعمل على تغطية أضرار الأفراد، متابعاً: "قبل سنتين خلال الحرب على غزة، شركة الاتصالات الفلسطينية قامت بشراء بوليصة بـ 200 ألف دولار وشركات التأمين غطتها بـ 300 أو 400 ألف دولار لكن على مستوى سمركبات أو بيت فهذا أمر غير واردة".
وشدد على أن شركات التأمين تغطيتها محدودة والأصل أن الدولة تتحمل المسؤولية في أوقات الأحداث الاستثنائية، مشيراً إلى أن الشركات المحلية تتعاطف بعض الأحيان في حالات مثل تعرض أحد الأهالي لاستهداف من قبل المستوطنين في إطار تهشيم زجاج السيارة أو تعرضها لجروح.
وعن تخصيص صندوق للتعويض أو مقترح تقدم به وكلاء التأمين، علق عضو مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين بالقول: "على وكلاء التأمين أن يقوموا بخفض عمولتهم من 15% إلى 12% قبل الحديث عن إنشاء صندوق للتعويض، مع دعم الاتحاد لفكرة إنشاء صندوق وطني للتعويض تشرف عليه الدولة".
ووفق الشنطي فإن مبلغ 5 شواقل التي تقتطع من المؤمن لهم لا تدخل في بند أرباح اتحاد مجلس شركات التأمين، بل تعتبر كنفقات تشغيلية للاتحاد مثل دفع رواتب الموظفين والتأجير والتشغيل، وأن الشركات تدفع من البوليصة 18%، منها 3% لهيئة صندوق رأس المال، و15% لصندوق تعويض مصابي الطرق.
وبشأن الأرباح التي حققتها شركات التأمين، أوضح أن إجمالي أرباح الشركات 22 مليون دولار، منها 18 مليون فرق عملة وعقارات وإعادة بيع أراض، في حين أن الأرباح التشغيلية لم تتجاوز 3 مليون من 100 مليون رأس المال وهو ما يشكل 3% فقط.
عقود واتفاقيات.. هل السلطة مقصرة؟
المدير السابق لصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق وضاح الخطيب يؤكد لـ "شبكة قدس" أن تعويض المتضررين من أحداث حوارة غير متعلق بقدرة الشركات من عدمه بقدر ما هو مرتبط بطبيعة عقود التأمين بين الشركات والأفراد ككل.
ويقول الخطيب إن البوليصة لا تغطي الحروب وأعمال العنف "والإرهاب" وهو أمر يندرج على أغلب عمل شركات التأمين على مستوى العالم، وبالتالي فإن المفترض أن يكون هناك دور للدولة مع مساهمة الشركات بشكل نسبي في إطار ما يعرف "المساهمة المجتمعية".
ووفق المدير السابق لصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق وضاح الخطيب فإن المطلوب أن يكون هناك تدخل من قبل الرئاسة والحكومة وشركات التأمين لإيجاد صيغة مشتركة وآلية للتخفيف عن الأضرار التي نجمت لكل مواطن.
ويؤكد على عدم وجود "بوليصة" تأمين محلية أو عالمية فجميع البوليصات واحدة، مع الإشارة إلى أن البوليصة المقرة محليًا تتوافق مع قانون التأمين الفلسطيني وتتوافق مع مبادئ التأمين العامة إلى جانب أن جميع شركات التأمين المحلية تقوم بعمل "إعادة تأمين" و"إعادة التأمين" هو إجراء تقوم به الشركات خارج البلاد وهذه الشركات بالعادة لا تعترف بأي حقوق لشركة التأمين إذا قامت بدفع تعويضات لأفراد بناءً على أعمال "إرهاب" أو "شغب"، وفقاً للخطيب.
لكن المدير العام السابق لصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق، يشدد على أن ما حصل هو أمر استثنائي ويحتاج لتدخل استثنائي من قبل المنظومة ككل، لا سيما مع التزام الفلسطينيين بدفع الضرائب والأقساط لجميع العاملين في إطار هذه المنظومة بداية من الشركات مروراً بصندوق رأس المال وصندوق تعويض مصابي حوادث المرور.
ويرى الخطيب أن مبلغ التعويض لن يؤدي إلى خسارة الشركات ويمكن اعتباره في إطار المساهمة المجتمعية من قبلهم بحيث لا يكون التعويض استحقاقا قانونيا بل وقفة وإسناد للأهالي الذين تعرضوا لهذه الكارثة جراء اعتداء المستوطنين.
وبشأن الحكومة، يلفت إلى أن صندوق حوادث الطرق ممول بنسبة 100% من جيوب الأهالي حيث لا تدفع الحكومة أي فلس أو مساهمة في هذا الصندوق بالإضافة لقيامها بسحب مبلغ 150 مليون شاقل منه عند علمها بوجود فائض.
ويقترح الخطيب إنشاء صندوق لتعويض المتضررين من اعتداءات المستوطنين على ألا تكون على كاهل الأهالي، وعلى الحكومة أن تشارك الشعب في همه لا سيما في ظل تحمل المؤمنين لتكاليف كبيرة عند ترخيصهم للسيارات وتأمينهم عليها.
الحالة الاقتصادية الفلسطينية.. قانون غير ملزم
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة إن الحالة الفلسطينية برمتها لا تستطيع التعويض نظرًا للظروف التي تعيشها الحكومات الفلسطينية المتتابعة نتيجة للأزمة المالية سواء كانت أزمة حقيقية أو مفتعلة.
ووفق حديث دراغمة لـ "شبكة قدس" فإن "الإطار التشريعي العامل لنظام التأمين في الأراضي الفلسطينية لا يجبر الجهة المؤمنة ممثلة بالشركات بالتعويض، لكن عند الذهاب لحالة استثنائية ربما يكون هناك بشكل جزئي، أما التعويض بشكل كامل فهذا يتعذر على أي شركة كانت".
ويستدرك قائلاً: " موضوع الأبنية والتأمين ضد الحرائق يحمل صيغة مختلفة، فإذا كانت بعض الأبنية أو المؤسسات والمحال التجارية لديها تأمين ضد الحرائق يصبح حالة إجبارية على التأمين تعويضها لأنه يتم وفقا لاتفاقية".
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن القطاع الخاص له دور كبير وليس فقط شركات التأمين لتعويض الخسائر في حوارة، إضافة للحكومة التي يجب أن تكون لها رؤية واضحة بعد تفقدها لما حصل في البلدة من خلال الزيارة الأخيرة لـ اشتية وبعض الوزراء.
ويرى أن شركات التأمين شركات ربحية، لا تتعلق بالحالة الوطنية وحالها حال القطاع الخاص الذي يجب أن يكون له دور مهم، خصوصًا وأن بعض الناشطين اليساريين لدى الاحتلال تمكنوا من جمع مبلغ مليون ونصف شاقل لتعويض المتضررين في حين لم نلمس أي دور على أرض الواقع لتعويض المتضررين في حواره.
ويتساءل دراغمة: "لماذا لا تساهم شركات التأمين من خلال أرباحها في تعويض المتضررين، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون للحكومة تدخل فيما يخص عمل شركات التأمين في مثل هذه الأضرار التي قد تأتي نتاج اعتداءات مستوطنين واحتلال وبرأيي للحكومة دور مهم في إدراج مثل هذا البند".