شبكة قدس الإخبارية

زيارة الوفد الأوروبي للأقصى: دعماً للأوقاف أم بحثاً عن "التهدئة"؟

1246321078
زياد ابحيص

صباح اليوم الأربعاء 18-1-2023 زار وفدٌ يتكون من 35 دبلوماسياً أوروبياً المسجدَ الأقصى المبارك واجتمعوا فيه مع مجلس الأوقاف في القدس ومع مديرها العام، وقد وضعت تصريحات المدير العام وعضو مجلس الأوقاف د. مصطفى أبو صوي هذه الزيارة في سياق التضامن مع الموقف الأردني في الأقصى في اليوم التالي لاعتراض شرطة الاحتلال طريق السفير الأردني في الكيان الغاصب ومنعه من زيارة المسجد الأقصى؛ رغم أن حجم الوفد والترتيبات اللوجستية لدعوته والاجتماع به ترجح أن هذا الاجتماع كان مُجدولاً من قبل وجاء بالتزامن مع ما حصل مع السفير الأردني.

ولا بد هنا من التوقف مع هذه الزيارة في عدة جوانب:

أولاً: يواصل الأردن الرسمي سياسة تمتين موقفه في الأقصى بالقوى الغربية، من خلال تعزيز مشروعية دوره في أحد أقدس مقدسات المسلمين بالاتكاء إلى موقف الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهي سياسة تحمل في طياتها مخاطر جسيمة لأن هذه القوى ليست معنية بالضرورة بالحفاظ على هوية المسجد الأقصى ولا على حصريته الإسلامية، فالولايات المتحدة مثلاً باتت تعتمد تعبير "جبل الهيكل/حرم الشريف" للإشارة للأقصى في كل وثائقها الرسمية التي تشير للأقصى، أي أنها تقدم في ذلك التعريف التهويدي الصهيوني وتتعمد طمس التعريف الإسلامي بإهمال تسمية "المسجد الأقصى".

ثانياً: لقد كانت لهذه السياسة بالتجربة آثار وخيمة في ضرب الموقف الأردني في عقر داره، كما فعل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 24-10-2015 عقب اندلاع انتفاضة السكـاكين ولجوء الصهاينة والأردن الرسمي للولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر، فجاء كيري ليقول من عمان: "إسرائيل" ستستمر في تطبيق "سياستها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية"، في المسجد الأقصى بما فيها الحقيقة الأساسية بأن "المسلمين هم من يصلون" وبأن "غير المسلمين هم من يزورون".، وذلك بحضور وزير الخارجية الأردني حينها ناصر جودة الذي لم يعلق على ذلك. هذا التصريح كان محاولة أمريكية لإلزام الأردن بتسهيل الاقتحامات الصهيونية، ويستشهد به الصهاينة اليوم باعتباره نقطة مرجعية في المطالبة بـ "حقوقهم" في الأقصى معتبرين صمت وزير الخارجية الأردني "موافقة ضمنية" بزعمهم.

ثالثاً: يمثل الوفد دولاً عديدة ذات خلفية يتنامى فيها التأثير الإنجيلي إلى جانب الصهيوني، من بينها النرويج والسويد وألمانيا وفنلندا ورومانيا حيث تتنامى نسبة الإنجيليين لتصل إلى 15% من سكان بعض تلك الدول، أي أن نسبة مؤثرة من سكانها وسياسييها تنظر للهيكل المزعوم باعتباره جزءاً مركزياً في عقيدتها، فهل يمكن حقاً الاتكاء إلى قوىً كهذه في تمتين الدور الأردني في المسجد الأقصى؟ وماذا عن دروس التاريخ الأبعد؛ ألم تكن الحملات الصليبية هي الخطر السابق على فلسطين وكل المشرق العربي في الموجة الغربية السابقة من العدوان؟ ثم ماذا عن دروس التاريخ الأقرب؛ ألم يكن المرابطون والمقاومون هم من حموا الأقصى بالفعل بدمائهم ورباطهم؟ أليس الأجدى تمتين الموقف الأردني بعمقه من القوى الشعبية الداعمة للرباط ومن قوى المقاومة التي خاضت حرب سيـف القدس دفاعاً عن الأقصى؟

رابعاً: من هنا لم يكن مستغرباً حرص رئيس هذا الوفد الذي هو ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين المحتلة الألماني سفين بيرجسدورف على عدم التعليق في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع مدير عام الأوقاف عزام الخطيب، بل إنه حاول التنحي جانباً حتى لا يعطي انطباعاً بأن هذا تصريح صحفي "مشترك"؛ فكل ما قيل على لسان الأوروبيين من دعم ومن موقف مؤيد نقله الحضور من الجانب الأردني؛ فإذا كان السفراء الأوروبيون يحملون هذا "الدعم" حقاً فلماذا لم يفصحوا عنه بألسنتهم؟!

خامساً: الأهم الذي لا بد من الالتفات إليه هو أن شهر رمضان على الأبواب، والذي يتوقع أن يتقاطع فيه الفصح العبري مع الأسبوع الثالث من رمضان ما بين 6 و14-4-2023، والاحتلال يتخوف من هذا التاريخ ويعد عدته لتمرير عدوانه دون انفجار فلسطيني تماماً كما فعل في العام الماضي، وقد كان تنسيق الموقف العربي والدولي أحد أهم أدوات "التهدئة في القدس" التي كانت عنوان السياسة العربية وقتها. في العام الماضي كانت "قمة النقب" عنوان إضفاء المشروعية العربية على العدوان على الأقصى، واليوم تجري تحضيرات متسارعة لعقد القمة ذاتها التي تشير إليها أوساط الاحتلال بتسمية "ميكانيزم النقب". زيارة السفراء الأوروبيين تتزامن مع لقاء عربي موسع ربما لا يكون بعيداً "ميكانيزم النقب" هذا، فهل جاءت الزيارة الأوروبية لتمتين الموقف الأردني حقاً أم لضمان الهدوء في الأقصى رغم العدوان؟