الضفة الغربية المحتلة - خاص شبكة قُدس: في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، أغلق الاحتلال المدخل الرئيس (شارع 55) لبلدة عزون التابعة لمحافظة قلقيلية، ثم أتبعه بإغلاق المدخل الشمالي الشرقي بالسواتر الترابية، إضافة لإغلاق طرق ترابية يستخدمها المزارعون للوصول لأراضيهم.
وينفذ الاحتلال بالتزامن مع محاصرة بلدة عزون حملة اعتقالات واسعة بحق أهلها، إلى جانب نصب العديد من الحواجز العسكرية، على مداخل ومخارج البلدة، وإطلاق النار على الأهالي في أثناء محاولتهم التنقل، إذ بدأ الحصار للبلدة قبل 45 يومًا.
وبالتزامن مع حصار البلدة، أصدرت قوات الاحتلال 15 أمر هدم لبيوت الأهالي في البلدة، تمهيدًا لتهجير أصحابها منها قسرا وهدمها إلى جانب تكبد 27 ألف دونم خسائر على مستوى الأراضي الزراعية نظرًا لصعوبة التنقل والحركة.
وتكرر في الشهور الأربعة الأخيرة اتباع الاحتلال الإسرائيلية لسياسة الحصار على المدن والبلدات الفلسطينية المختلفة بناءً على التطورات الأمنية والميدانية أو في حال تنفيذ مقاوم أو مجموعات مقاومة لعمليات إطلاق نار تجاه الجنود والمستوطنين.
وشهدت مناطق متعددة مثل نابلس وجنين والخليل وشعفاط وعزون وقصرة لجوء الاحتلال لسياسة العزل والحصار وإغلاق مداخلها ومنع الحركة سواء لملاحقة المقاومين أو لفرض عقاب جماعي على أهالي هذه المناطق.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقدس المحتلتين وقطاع غزة عام 1967 لجأ الاحتلال لأسلوب العقاب الجماعي مثل حظر التجوال والحصار للمدن وإغلاقها، بالرغم من أنه لم يكن يمنع المقاومة من تنفيذ عملياتها.
في هذا السياق، يقول الكاتب والباحث وسام رفيدي إن ما يقوم به الاحتلال سواء عبر حصار عزون أو غيرها من المناطق يندرج في إطار "الردع الموضعي" الذي يقوم به الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المناطق بشكل مركز.
ويضيف رفيدي لـ "شبكة قدس" أن الاحتلال يسعى عبر هذه السياسة إلى ضرب العلاقة بين المقاومة والجماهير كون الحصار يؤثر على الحياة الاقتصادية واليومية للأهالي، إضافة إلى أن تركيز الحصار على منطقة دون الأخرى يستهدف إحداث شرخ بين الأهالي وبعضهم البعض في بقية المناطق.
ووفق حديث الكاتب والباحث رفيدي فإن الاحتلال يريد إحداث نوع من التمييز الجغرافي في سياسة الحصار المركز على بعض البلدات والمدن دون أخرى وإيصال رسائل غير معلنة لبقية المناطق في الضفة الغربية المحتلة.
ويلفت إلى أن أسلوب الحصار الذي اتبعه الاحتلال في نابلس كمثال لأكثر من أسبوعين سعى عبره لضرب العلاقة بين المقاومة والقاعدة الشعبية لها، في الوقت ذاته لم يقم باتخاذ أية إجراءات أمنية في مناطق مثل رام الله وبيت لحم.
ويؤكد رفيدي على فشل هذه السياسة الإسرائيلية في عزون وقصرة ونابلس وجنين وشعفاط، عدا عن فشله السابق سواء في فترة ما بعد النكسة عام 1967 أو حتى عندما تم اتخاذها كأسلوب في الانتفاضتين الأولى والثانية.
ويرى أن لجوء الاحتلال لسياسة الحصار في الفترة الأخيرة سواء لأسباب متعلقة بالمقاومة أو لعقاب أهالي البلدات بناءً على مواقفهم الشعبية، يندرج ضمن إطار "العقيدة الأمنية" للاحتلال في التعامل مع الأحداث والمتمثلة في الرد الموضعي.
ويعتقد رفيدي أن هذه الأساليب والأدوات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي موجهة نحو جبهته الداخلية كما هي موجهة نحو الجبهة الفلسطينية الداخلية، إذ تسعى المنظومة الأمنية الإسرائيلية لإرضاء المستوطنين وجبهتهم الداخلية بهذا العقاب الجماعي.
ويواصل بالقول: "على المستوى الشعبي لم تحقق سياسة الحصار الإسرائيلي أية نجاحات فهذه السياسة بدأت في جنين ثم انتقلت إلى نابلس وشعفاط وعناتا وأخيراً قصرة وعزون دون أن يكون لها أي أثر حقيقي في تغيير المعادلة بالنسبة للفلسطينيين جماهيريًا وشعبيًا".
في حين يقول المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجواد عمر إن الصراع الرئيسي في أي مواجهة بين المقاومة والاحتلال يستهدف الحاضنة الشعبية وموقفها ومزاجها العام وقدرتها على مواجهة السياسات الاحتلالية المطبقة في مناطق تواجدها.
ويضيف عمر لـ "شبكة قدس" أن الحصار يستهدف بالأساس بعد عملياتي تكتيكي للحد من حرية المقاومين إضافة للبعد الآخر المتمثل في العدوان الجماعي لضرب الحاضنة الشعبية ومحاولة لتوصيل رسائل بكلفة العمل المقاوم.
ويشير المحاضر في جامعة بيرزيت إلى أن تركيز الاحتلال في الحصار على مناطق وعزل أخرى يستهدف عدم جر بقية مناطق الضفة إلى مربع الصراع وجعله متركزا في منطقة معينة، حيث من الممكن أن تكون الحياة طبيعية في رام الله في الوقت الذي تكون فيه الأوضاع غير مستقرة في عزون.
ويرى عمر أن السياسة الإسرائيلية تستهدف عبر ذلك فصل المجتمع زمنياً ومكانياً عن بعضهم البعض، إضافة إلى البعد العملياتي الذي يسعى الاحتلال عبره لاصطياد المقاومين الفلسطينيين، حيث أن سياسة الحصار الواسع لا تجدي نفعاً.
ويعتقد الأكاديمي في جامعة بيرزيت أن الأهالي في الضفة المحتلة أصبحوا أكثر قدرة على التكيف والتعود على السياسات الإسرائيلية خصوصاً الحصار مع انتقاله من منطقة لأخرى، مع اختلاف ردة الفعل الشعبية بخصوصه من مكان لآخر.
بدوره، يؤكد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس حسن أيوب، أن سياسة الحصار الإسرائيلي ليست بالجديدة، لكن بات بالإمكان بالنسبة للاحتلال بحكم التغييرات التي حدثت في العقدين الأخيرين على محاور الطرق والتوسع الاستيطاني الكبير والحواجز، محاصرة مناطق بعينها وممارسة سياسة العزل والحصار كما يحصل مع عزون حاليًا.
ويقول أيوب لـ "شبكة قدس" إن ما يحصل حاليًا في عدة مناطق بالضفة حدث خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت شرارتها عام 2000 وكان الأمر يحدث على نطاق واسع، لكن حاليًا وفي الأشهر الأخيرة بات الحصار يحدث بشكل أكثر كثافة.
ويرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح أن الاحتلال يستهدف محاولة خنق ظواهر المقاومة التي تتطور في الضفة المحتلة، مثل عرين الأسود و"كتيبة جنين" وغيرها من المجموعات المحسوبة على المقاومة الفلسطينية.
ويواصل بالقول: "ما يحصل يندرج في إطار محاربة هذه الظاهرة ومحاولة إحداث انقسامات في الشارع الفلسطيني في مختلف مناطق تواجد المقاومين وحرمان هذه الظاهرة الجديدة من عمقها الشعبي والتفاف الجماهير حولها".
ويعتقد أيوب أن ما يحصل مع عزون حالياً يندرج ضمن السعي الإسرائيلي لإظهار قدرته على إيقاع الأذى وإرسال رسائل لبقية المناطق بوقف توسع الفعل المقاوم سواء عسكرياً أو شعبيًا ومحاولة إلحاق الأذى بالحاضنة الشعبية.
ويستكمل قائلاً: "الجماهير الفلسطينية باتت تتعامل بأساليب مختلفة مع الحصار وهي تختلف من منطقة لأخرى، في الوقت الذي يحتاج فيه الجمهور الفلسطيني لوجود حضور سياسي فلسطيني رسمي يساهم في مواجهة هذه الإجراءات".
ووفق أيوب فإن حصار نابلس الذي جرى قبل أسابيع فشل فشلاً ذريعًا في تحقيق أهدافه حيث التف الجمهور الفلسطيني حول المقاومة الفلسطينية وتحديدًا مجموعة "عرين الأسود" رغم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالتجار خلال فترة الحصار.
ويؤكد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح على أن أسلوب الحصار الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية المختلفة يقابل بحالة من التحدي والصمود الفلسطيني وهو ما ظهر ويظهر في الفترة الأخيرة بصورة واضحة من خلال ردة الفعل الفلسطينية.
في هذا الإطار، يعتقد أستاذ علم الاجتماع المحاضر في جامعة بيرزيت بدر الأعرج أن سياسة الحصار الإسرائيلي وإن تعددت أسبابها سواء كانت كأسلوب عقابي مرتبط بفعل مقاوم أو بهدف الضغط على أهالي البلدات لسلب الأراضي أو هدم المنازل فإنه مرتبط بأسلوب "العقاب الجماعي".
ويقول الأعرج لـ "شبكة قدس" إن ما يحصل في عزون حاليًا هو خير دليل على سياسة العقاب الجماعي المتبعة لمحاولة ضرب الحراك الفلسطيني جماهيرياً وشعبيًا، حتى مع ارتباط الحصار في الفترة الأخيرة بالعمليات والفعل المقاوم.
ويواصل قائلاً: "جزء أساسي من العقاب الذي يقوم به الاحتلال مرتبط بالمشهد السياسي في الفترة الأخيرة داخل الاحتلال خصوصًا مع إجراء الانتخابات الإسرائيلية الخامسة للكنيست خلال 4 سنوات، إذ أن سياسة التصعيد الأمني هي أمر معتاد عليه فلسطينياً منذ عقود في الضفة وقطاع غزة".
ويؤكد على أن الهدف الأساسي من الحصار تأليب الشارع الفلسطيني على المقاومة رغم أنها فاشلة بشكل دائم، لكن الاحتلال يحاول باستمرار استخدام هذه السياسة لتطبيق نظرية "العقاب الجماعي" والضغط شعبياً ومعيشياً على الأهالي.
ويلفت الأعرج إلى أن المختلف في مشهد حصار عزون عن نابلس أو المناطق الأخرى هو المقاومة الشعبية والمواجهة مع الأهالي، غير أنه وبالسياق العام فالاحتلال يضغط اجتماعيًا واقتصاديًا على الأهالي من أجل إنجاح أهداف حصاره لها.