شبكة قدس الإخبارية

5 انتخابات في 4 سنوات... كيف تعمقت الأزمة السياسية في دولة الاحتلال؟

560596-1617311215

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: بعد شهور فقط من تشكيله، انهار الائتلاف الحكومي في دولة الاحتلال الذي حمل معه "بذور" التفكك منذ البدايات، التشكيلة الحكومة التي أفرزتها تحالفات بين شخصيات لم تتفق على قضية سوى "الإطاحة بنتنياهو"، لم تنجح في تحقيق "الاستقرار السياسي"، وأصبحت الأحزاب السياسية الإسرائيلية على موعد مع انتخابات جديدة، هي الخامسة خلال أربع سنوات فقط.

الأزمة السياسية المستمرة في دولة الاحتلال تأتي تزامناً مع تصريحات من قادة عسكريين وسياسيين سابقين، تحمل تشاؤما واضحاً لمستقبل الدولة، وهو ما أسماها بعضهم "لعنة الثمانين"، فهل تحمل هذه الأزمة أبعاداً "بنيوية"؟ وما هي أسبابها الاجتماعية والسياسية؟ وكيف ستنعكس على تطورات الصراع بين المجتمع الفلسطيني ودولة الاحتلال؟

صعود تيارات "الدينية الصهيونية"

يرى الصحفي والباحث، محمد بدر، أن الأزمة التي تمر بها دولة الاحتلال هي "انعكاس طبيعي لتوسع قاعدة بعض التيارات الاجتماعية والسياسية داخل الجمهور الإسرائيلي على حساب الأحزاب والتيارات التقليدية"، ويشير إلى أن هذا التطور وضع أحزاب السلطة "التقليدية" في "مأزق ضرورة التحالف مع أحزاب لا يتناسب تأثيرها في الحياة السياسية مع حجمها الحقيقي".

وأوضح: بمعنى أدق هذه الأحزاب والتي هي بالأساس تنتمي للتيار الديني القومي أصبحت قادرة على إسقاط الحكومة بمقاعدها القليلة نسبيا بسبب حاجة الأحزاب الكبيرة لها لتشكيل ائتلاف حكومي يتجاوز 61 مقعدا في الكنيست.

ومن بين العوامل المرتبطة بهذه التغيرات الفكرية، ذكر "توسع دائرة الانتماء للفكر القومي الديني" إلى درجة وصفها بأنها أصبحت "ظاهرة مركزية وغير مركزية في نفس الوقت"، وبيَن أن "هذا الفكر له أحزابه وكتله البرلمانية الفاعلة، ويوجد أعضاء كنيست في أحزاب لا تتبنى هذا الفكر بكليته، ينتمون لهذا التيار أيديولوجيا، وهو ما ساهم في حدوث خلافات وتصدعات وانشقاقات في عدد من الأحزاب الإسرائيلية".

ويذكر المختص في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، أن صعود التيار القومي الديني الصهيوني بدأ منذ أكثر من 10 سنوات وبلغ ذروته مؤخراً، وقال إن الصعود ليس مرتبطاً فقط في الحصول على مزيد من المقاعد في "الكنيست" وإنما "احتلال بؤر التأثير" في مجتمع المستوطنين.

وأضاف: التيار القومي الصهيوني الديني لديه أكبر عدد من الضباط في الجيش، رغم أن نسبته لا تزيد عن 20% من الإسرائيليين، كما أن لديه توسعاً في الإعلام الإسرائيلي وبين المحللين والإعلاميين وهذا يوفر لديهم فرص صياغة الرأي العام الإسرائيلي، دون أن يفصحوا عن توجهاتهم الأيديولوجية.

وأشار أبو عرقوب إلى أن تيارات تخشى من صعود هذا التيار مثل حركة "شاس" التي تخاف من استهداف المصوتين لها من بين المجتمع الحريدي، وتيارات علمانية أيضاً بسبب تبني التيار القومي الصهيوني لقضايا عمالية وغيرها تكسبها أصوات في الانتخابات من جمهور الأحزاب العلمانية.

شخصنة الحياة الإسرائيلية: "الزعيم نتنياهو" 

واعتبر بدر أن أحد أسباب الأزمة هو ما أسماه ب"شخصنة الحياة السياسية لدى الاحتلال"، وأضاف: كان واضحا في السنوات العشر الأخيرة، أن نتنياهو نصَب نفسه زعيما بلا منازع للمعسكر "اليميني" وخلال هذه الفترة اتسمت علاقته مع بعض قادة أحزاب هذا المعسكر بالتوتر، بالإضافة إلى أنه معروف لدى الأحزاب بأنه لا يحترم حلفائه، وهو ما خلق شكا كبيرا في مسألة إمكانية استمرار أي تحالف معه، وانعكاس ذلك يمكن ملاحظته في الحكومة الأخيرة التي جمعت شتات غير منسجم، لكن قاسمه المشترك كان إسقاط نتنياهو، وبالمناسبة جزء منهم عمل معه ويريد الانتقام منه.

 وأشار إلى جانب قانوني في الأزمة يتعلق ب"سهولة حل الكنيست"، فالأمر يحتاج إلى 61 عضو كنيست ليصوتوا لصالح القانون، وقال إن "بعض النخب الإسرائيلية تطالب بتعديل هذا القانون ليصبح حل الكنيست أكثر صعوبة مما عليه الحال الآن، وحتى تخرج الحياة السياسية من مربع الاستقطاب القائم على مبدأ ضمان عدد المقاعد الكافي لتشكيل الحكومة أو حل الكنيست، لكن لا يبدو حتى الآن هناك توجه حقيقي لإجراء مثل هذا التغيير".

أزمة الحركة الصهيونية: من هو اليهودي؟

ويرى أن السبب الاستراتيجي للأزمة الحالية المستمرة منذ سنوات، والتي يعتبر أنها كانت "مؤجلة ليس أكثر"، هو "عدم قدرة الحركة الصهيونية على إنتاج تعريف حقيقي لليهودي الذي يعيش داخل فلسطين المحتلة".

 وقال إن "الفرد داخل المجتمع الاستيطاني يظل يحاول صنع تعريفه الخاص، في ظل اشتباك الهويات الاجتماعية والثقافية، وهذا انعكس على الحياة السياسية".

 وشدد على أن المشروع الصهيوني لم يستطع "بناء تعريف مقنع لكل المستوطنين"، وظلوا يبحثون عن حقيقتهم المفقودة. كل ذلك خلق تيارات منتمية للذات المنفصلة عن المجموع دون النظر لكلية الحالة السياسية وما تتركه الأزمة من تداعيات على الصعيد العام.

أزمة في بنية "النظام السياسي الإسرائيلي"

من جانبه، يعتقد أنس أبو عرقوب أن الأزمة السياسية الحالية لدى الاحتلال تعكس "قصوراً في بنية النظام السياسي"، وقال: يعمق من هذه الحالة التشظي داخل المجتمع الإسرائيلي وغياب الشخصيات المحورية داخل كل المعسكرات، التي تملك "الكاريزما" والبرنامج السياسي.

وأضاف: الانتخابات ليس عنوانها التنازع على البرامج السياسي، بل اجتمعت عدة أطراف على إقصاء بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم وكنسه عن المشهد السياسي، كل المحاولات السابقة فشلت في تحقيق هذا الهدف الذي اجتمعت عليه قوى مختلفة متناقضة إيديولوجيا.

وتابع: في دولة الاحتلال عدة قيادات لا تجتمع على هدف سوى إقصاء نتنياهو من الحياة السياسية، ولا يجتمعون على أي برنامج سياسي أو اقتصادي، وكل الهدف هو إزاحة هذا "الكابوس" الجاثم على صدورهم منذ أكثر من عقد.

وأكد أبو عرقوب أن أحد جوانب الأزمة هو فشل الحكومات المتعاقبة لدى الاحتلال في مواجهة أزمات مختلفة عصفت بالدولة، وأوضح: لدينا أزمة كورونا وما نجم عنها من تداعيات اقتصادية وأزمات دولية أخرى.

هل ينقص دولة الاحتلال قادة كبار؟

يعتقد أبو عرقوب أن الرأي الذي يقول إن "إسرائيل ينقصها القادة الكبار الذين يملكون التجربة"، مبالغ فيه، وقال: في كل المعسكرات يوجد قادة لديهم تجارب عسكرية وإسرائيلية وإدارية جيدة، لكن خيارات المجتمع الإسرائيلي تغلب عليه "الحالة الشعبوية" التي تمارس التحريض في كل المستويات.

وأضاف: انحدار "الذوق العام" لدى المجتمع الإسرائيلي هو ما يؤثر على خياراته السياسية، لكن هذا لا ينفي وجود شخصيات تملك القدرة على تشكيل حكومة قوية، لكن ما يمنع هذا هو غياب الاستقرار وانخفاض "ذائقة" الجمهور الذي أصبح يمنح ثقته لشخصيات مثل بن غبير.

وشدد على أن الأزمة الحالية "بنيوية" في النظام السياسي الإسرائيلي، وقال إن قادة الاحتلال يرون أن الحل يكمن في إعادة صياغة النظام الانتخابي للتخلص من الأحزاب الإسرائيلي والبقاء على الأحزاب الكبيرة، واستدرك قائلاً: تغيير النظام السياسي في "إسرائيل" إلى النمط الأمريكي يتطلب معجزة لأن المجتمع الإسرائيلي متعدد ومتناقض.

كيف تنعكس الأزمة على الجيش؟

يؤكد محللون وقادة سابقون في جيش الاحتلال، أن الأزمة السياسية الحالية لها انعكاسات سلبية على أداء الجيش الذي يعمل طوال سنوات على معالجة القصور في مختلف وحداته العسكرية، وأهمها القوات البرية، من خلال خطط متعددة أقرها رؤساء الأركان الذين تعاقبوا على قيادته، في السنوات الماضية.

تتزامن الأزمة الجديدة مع إعلان وزير الحرب في حكومة الاحتلال، بيني غانتس، عن إطلاق عملية اختيار رئيس جديد لهيئة الأركان بدلاً من أفيف كوخافي، الذي اقتربت فترته على النهاية، بعد سنوات من رفعه شعار إحداث "ثورة" تغييرية في أداء الجيش، هذا الشعار الكبير الذي لم يجد صداه في الواقع، كما يؤكد محللون وقادة سابقون في الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، لأسباب مختلفة تتعلق بشخصية رئيس الأركان وأخرى لها علاقة بالأزمة السياسية.

يؤكد صحفيون إسرائيليون أن تكرار انهيار الحكومة والتوجه لانتخابات، خلال فترات قصيرة، عرقل المصادقة على ميزانية جديدة للدولة ومن ضمنها ميزانيات جيش الاحتلال، بالإضافة لإضاعة فرصة "استثمار" الهدوء النسبي في أكثر من جبهة حساسة لدولة الاحتلال، كما يرى الصحفي الإسرائيلي طال ليف رام.

رام قال في مقال على "معاريف"، إن الحديث عن "التغييرات في الجيش" لا تصل إلى مستويات أعمق سياسياً، بسبب ما وصفها ب"الفوضى السياسية" المستمرة منذ سنوات.

 

#غانتس #الاحتلال #الكنيست #كوخافي #الجيش #نفتالي بينيت #بنيامين نتنياهو