لم يكن يخطر ببال الشاب (ح.س)- فضل عدم نشر اسمه- سيناريو اقتحام أفراد من شرطة حكومة غزة المقهى الشبابي، الذي يرتاده بشكل شبه يومي حتى يرّوح عن نفسه قليلاً ويتبادل الحديث بالرياضة والفن، وربما السياسة مع أصدقائه الشباب الذين يحاولون أن يفروا من البطالة والأزمات اللامنقطعة في قطاع غزة إلى مقهىً يخفف عنهم عناء التفكير بشظف العيش قليلاً.
(ح.س) كان يجلس، قبل ثلاثة أيام، في مقهى "إسطنبول" الواقع بحي الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة، محاولاً إنجاز بحث تخرجه في تخصص الإعلام عبر حاسوبه الشخصي الذي رافقه برحلته إلى المقهى، حينما باغتته مجموعة شرطيّة تابعة لمكافحة المخدرات، يتراوح عدد أفرادها ما بين 20- 30 شرطياً.
وبحسب (ح.س) فإن هذه المجموعة الشرطية اقتحمت المقهى، بحثاً عن متعاطي الترادماول، ضمن حملة "الاترمال...عار ودمار" التي أطلقتها حكومة غزة منذ نحو أسبوع، وستستمر في أنشطتها على مدار أسبوعين آخرين من الآن.
ويقصّ (ح.س) حكاية اقتحام الشرطة للمقهى واعتدائها عليه، قائلاً: "باغتتنا أفراد الشرطة باقتحامها المكان، حيث شرعوا بتفتيش كل طاولة يلتف حولها مجموعة من الشباب، حتى طلب مني أحدهم إخراج كل ما أملكه من جيبي، فرضخت حينها لأوامره ووضعت كل ما في جيبي على الطاولة".
ويتابع: "لم يكتفِ بهذا الطلب، بل أمرني برفع يدي كي يقوم بالتفتيش دون أن أعلم مبرره، وحينما سألته عن الدافع وراء ذلك، قام بضربي على وجهي، ما أثار غضبي وصدمتي مما حدث".
ويوضح أن أفراد الشرطة الذين كانوا متواجدين في المكان تجمّعوا حوله، وسألوا رفيقهم الشرطي حول سبب المشكلة القائمة بينهما، حتى أجاب "هذا الشاب بتنطط بوجهي"، فما كان منهم إلا أن انهالوا جميعهم بالضرب عليه.
ويقول (ح.س): "التموا علي 8 أشخاص من الشرطة، وضربوني "بوكسات" و"شلاليت" وعلى راسي ورقبتي ورجلي"، مؤكداً أن مدير حملة "مكافحة الترامادول في المنطقة (لم يرغب ح.س في ذكر اسمه) قد شارك في ضربه.
ويذكر أن الشرطة لم تنجح في العثور على أي متعاطٍ للترامادول بالمقهى، مما دعاها للانسحاب من المنطقة، مبيناً أنه تم اقتحام مقاهٍ أخرى كمقهى "السوافيري" و"طل القمر" واتباع نفس أساليب التعامل من تفتيش وضرب، حسبما قاله شهود عيان له.
وحينما غادر (ح.س) المقهى وشعر بالتعب الشديد نتيجة الضربات القاسية التي تلقاها، توّجه للمستشفى وأجرى بعض الفحوصات الطبية، حتى تبيّن أن ألمه كان نتيجة تمزق في الأربطة وشد عضلي جراء تلك الضربات.
ويصر الشاب على ضرورة معاقبة المسؤولين عن إهانته وضربه، وعدم الاكتفاء باعتذار الجهات الرسمية له، حيث سلك الدرب القانوني لمحاسبة المعتدين عليه بتقديمه شكاوى لـ "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" ونائب المفتش العام لوزارة الداخلية الذي طالب بفتح تحقيق فوري بالموضوع.
ومن ناحيته، نفى مدير مكافحة المخدرات، المقدم أحمد القدرة، لـ "شبكة قدس" دخول الشرطة إلى المقهى بحجة تفتيش المتواجدين فيه، مؤكداً أن زيارة أفراد الشرطة كانت في إطار نشاط توعوي تثقيفي داخل المقهى، لتعريف الشباب حول مخاطر تناول عقار "الترامادول" ومساعدة المتعاطين في الخروج من وحل التعاطي وعلاجهم بالطرق المناسبة.
وقال إن من تعرض للتفتيش أثار الشبهات تجاهه، ما دعا أفراد الشرطة للاقتراب منه ومخاطبته بطريقة لائقة للتفتيش، موضحاً أن في الوقت الذي تتحدث "شبكة قدس" معه، تقوم شرطة المكافحة بتوعية الشباب المتواجدين في إحدى المقاهي من خلال عرض فيلم توعوي لهم.
وطرحت "شبكة قدس" على القدرة الرواية المغايرة لروايته بتفاصيلها، كي تترك الحرية الكاملة له بطرح روايته، لكنه لم يتفهم ذلك قائلاً: "إذا ماخدة هديك الرواية ليش جاية تحكي معي.. السلام عليكم"، وأقفل الخط بعد ذلك فوراً، ولم يستجب بعدها لمحاولاتنا المتكررة للحديث معه.
وقال القدرة، في وقت سابق، إن شرطة "مكافحة المخدرات" تعمل وفق القانون، مشدداً على عدم تفتيش أي مكان إلا بعد ورود تقرير تحريات يفيد بوجود مواد مخدرة فيه، وبعد إذن من النيابة العامة، وبمرافقة مفتش التحقيق وعدد من أفراد الشرطة.
وأبدى القدرة استعداد "مكافحة المخدرات" التام لمد يد العون لكل من وقع في شرك التعاطي، من خلال تقديم العلاج المناسب لهم، وتوعيتهم بالأخطار الصحية التي تسببها العقاقير المخدرة، تحت إطار الحملة " الاترامال.. عار ودمار".
وانتقد عدد من الصحفيين والحقوقيين طريقة تعاطي شرطة "مكافحة المخدرات" مع رواد المقاهي، مطالبين إياها بعدم الاهتمام بقشور القضية وترك جذور المشكلة، حيث قال الناشط الحقوقي في "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" مصطفى إبراهيم على صفحته الشخصية على "الفيسبوك": "إن الأسرة الفلسطينية تشارك الجهات المختصة في مكافحة هذا الخطر، فلا تخسروا ثقة الناس بكم وبجدوى الحملة".
ودعا إبراهيم حكومة غزة إلى وضع الخطط والبرامج العلاجية والتأهيلية والوقائية للحد من عدد متعاطي المخدرات، مؤكداً أن "أن الحاجة ماسة إلى التثقيف والتوعية وبذل جهود كبيرة لرقابة حقيقية وجادة للأنفاق، وكبح جماح الفساد والمتواطئين بالتهريب والتساهل مع من يخربون المجتمع".
وأدان معالجة ظاهرة المخدرات خاصة "الترامادول" بمداهمة المقاهي، وتفتيش الناس صغاراً وكباراً، والاعتداء على خصوصياتهم بتفتيشهم من دون أي سند قانوني.
ويرى آخرون أن وزارة الداخلية من خلال أجهزتها المختلفة، تقوم بواجبها في حماية أمن الوطن والناس، فهيبة الشرطة مكفولة كما كرامة الانسان مصانة، فيقول الناشط الشبابي أدهم أبو سلمية: "الذين ينتقدون أداء الشرطة في أي عمل تقوم به، هؤلاء لا يريدون للبلاد إلا أن تعيش في حالة من الفوضى والتسيب".
ويضيف: "ولا يريدون للقانون ولا لسلطة القانون أن تمارس دورها، هم باختصار (أبطال الكيبوردات) في الهجوم على أداء الشرطة أياً كان نوعه وطبيعته.. لا يفقهون في القانون شيئاً، لكنهم يجيدون مهاجمة القانون والحكومة والشرطة، ثم يتساءلون بعد كل هذا (أين حرية التعبير عن الرأي) وكأن الحرية باتت بنشر الأكاذيب والإشاعات".
يُذكر أن وزارة "الداخلية والأمن الوطني" أطلقت، السبت الماضي، حملة وطنية لمكافحة ظاهرة تعاطي حبوب "الترامادول" داخل حدود قطاع غزة، مشددةً على أنها ستضرب "بيد من حديد" كل من تسول له نفسه التجارة أو الترويج لحبوب "الأترمال" والمواد المخدرة بعد انقضاء الحملة.