شبكة قدس الإخبارية

توحيد الجبهات.. عنوان قلق في مؤسسة الاحتلال الأمنية

8lBKq
يوسف أبو وطفة

رام الله - خاص قدس الإخبارية: "إقدام الاحتلال على ذبح القرابين في الأقصى يعني سيف القدس 2".. كان هذا النص جزءاً مقتبساً من خطابات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال الأسبوعين الماضيين في ذروة الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى والقدس المحتلة.

وإلى جانب هذا الخطاب حضر تلويح المقاومة بنسف التهدئة كلياً حال أقدم الاحتلال على اجتياح مخيم جنين أو مس بوالد الأسير رعد خازم منفذ عملية تل أبيب الأخيرة قبل أسابيع، لتعلن معه المقاومة تدشين استراتيجية جديدة في العمل المقاوم.

وتقوم هذه الاستراتيجية على توحيد الساحات وعدم السماح للاحتلال الإسرائيلي بفصل أي جبهة عن الجبهة الأخرى بالرغم من المحاولات الإسرائيلية المضنية للقيام بذلك عبر الهندسة الاجتماعية والاقتصادية أو الفصل السياسي والعسكري.

وترتكز هذه السياسة في الكثير من الأوقات على التسهيلات الاقتصادية والاجتماعية المزعومة وتزداد في أوقات التصعيد أو اشتعال أي من الجبهات الفلسطينية، في حين يبدو السلوك الإسرائيلي دائماً مرتبط بالخوف من اشتعال أكثر من بؤرة صراع في وقتٍ واحد ما سيربك المنظومة الإسرائيلية الأمنية.

وبالتتابع مع ذلك، لا يمكن إغفال تلك التصريحات التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت والتي أعقبت عمليتي تل أبيب والخضيرة والتي قال فيها "يجب الفصل بين غزة والضفة وبين هذه العمليات" في إشارة لفصل الساحات الفلسطينية وعدم السماح باشتعال جميع المناطق في وقتٍ واحد.

ولا تبتعد تصريحات بينيت عن موقف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال هبة القدس ومعركة سيف القدس التي أبدت قلقاً كبيراً حينها من مسار الأحداث بعدما اشتعلت الجبهات في وقتٍ واحد الأراضي المحتلة عام 1948 مع الضفة والقدس المحتلتين إلى جانب قطاع غزة.

تطور المقاومة.. السلاح يصنع الاستراتيجيات

لا يمكن إغفال التطور العسكري الكبير الذي وصلت إليه المقاومة في غزة عن المشهد الفلسطيني في الفترة الأخيرة، فبعد أن كانت المقاومة تعتمد على العمليات الاستشهادية والاشتباكات، أصبحت تمتلك منظومة صواريخ بالآلاف إلى جانب منظومة دفاع جوي وأخرى مضادة للدروع والدبابات.

وبموازاة القدرة العسكرية فإن القدرات البشرية للمقاومة أصبحت أكثر تطوراً وحضوراً بالذات أوقات المواجهة والحروب سواء عبر مجموعات النخبة أو الضفادع البشرية أو غيرها من الوحدات القتالية المتخصصة التي لم تكن بهذا التنظيم سابقاً.

وإلى جانب ذلك، فإن خطاب المقاومة الإعلامي الذي يرتكز على خصائص السلاح والقدرات العسكرية التي تم مراكمتها على مدار السنوات الأخيرة، يجعل قدرتها على المناورة السياسية في أوقات الأحداث الوطنية الكبيرة أكبر وأكثر تأثيراً.

وظهر هذا الأمر في الجولة الأخيرة من الأحداث في القدس حينما أشعلت المقاومة بخطابها السياسي والإعلامي معركة دون أن تطلق رصاصة واحدة وجعلت الاحتلال يضبط سلوك مستوطنيه وميدانه إلى الحد الذي لا يؤدي للدخول في مواجهة جديدة.

ومع هذا السلوك فإن المقاومة لم تعد تخفي رغبتها في إشعال جبهتي الضفة والقدس المحتلتين والأراضي المحتلة عام 1948 دون الخوف من ردة الفعل الإسرائيلية تجاه غزة، وهو أمر مرتبط بعوامل وأهداف عدة تسعى لتحقيقها خلال الفترة المقبلة.

وتتمثل هذه الأهداف في مشاغلة الاحتلال على أكثر من جبهة في وقتٍ واحد ورفع كلفة الاحتلال والرد الفوري على الجرائم والأحداث، بموازاة تخفيف الضغط عن غزة وعدم جعل المقاومة محصورة فقط في القطاع ما يفقدها قدرتها على الجهوزية.

ودائماً ما تسعى فصائل المقاومة لاستغلال حالة الهدوء لتطوير قدراتها العسكرية بالذات الصاروخية إلى جانب الطائرات المسيرة والقدرات البحرية للوصول إلى أعلى قدر ممكن من القوة يمكنها من تحقيق نجاحات ميدانية ومكاسب سياسية.

السياسة الإسرائيلية المضادة

ومع تبني المقاومة لسياسة توحيد الساحات الفلسطينية، لا يمكن إغفال سياسة الاحتلال بفصل الساحات والجبهات، ويمكن القول إن هذه السياسة بدأت مع قدوم السلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير عام 1994.

ودشنت أولى مراحل الفصل بسلخ الفلسطينيين في أراضي 48 عن الأراضي المحتلة عام 67، على الأقل على المستوى الرسمي، وتعزز الأمر أكثر في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، والتي فصل فيها الاحتلال الجغرافيا الفلسطينية عن بعضها البعض.

ولم يعد بمقدور الفلسطينيين في غزة لقاء أهلهم في أراضي 48 أو الضفة الغربية أو القدس المحتلة والعكس، وباتت هذه اللقاءات أو العلاقات الاجتماعية محصورة في نطاق ضيق للغاية ما أثر على تشابك الساحات وجعل فكرة الترابط محصورة بالفعاليات الشعبية الرمزية.

وإلى جانب ذلك، فقد تبنى الاحتلال سياسات اقتصادية مختلفة تجاه كل نطاق جغرافي، ففي الوقت الذي سعى فيه الاحتلال لدمج فلسطينيي 48 بالبيئة الإسرائيلية، جعل واقع اقتصاد الضفة والقدس مختلف تماماً عن واقع غزة.

وعزز هذا الأمر حضور المقاومة في غزة، إذ فرض الاحتلال إجراءات وسياسات اقتصادية صعبة وقاسية من أجل ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة والتأثير على عملها ومحاولة إضعافها أو إحداث اختراق بها يقود لتوجيه ضربات قوية.

معادلات ترسخت.. "غزة - القدس"

يمكن القول إن المقاومة نجحت مرحلياً في ترسيخ معادلة "غزة - القدس" بعد تدخلها لعامين متتالين في المشهد العام في القدس بالذات في الأحداث الكبرى ومنعت الاحتلال ومستوطنيه من تنفيذ المخططات التوراتية التي يريدون تنفيذها.

في الوقت ذاته فإن حالة النجاح هذه ستضع على المقاومة تحديات أبرز خلال الفترة المقبلة تتمثل في حضورها في المشهد بصورةٍ أكبر وإيجاد أدوات وبدائل تجعلها قادرة على ردع الاحتلال والرد على أي حضور في القدس والأقصى من مختلف الساحات.

ومع معادلة "غزة - القدس" تحضر معادلات أخرى كـ "غزة - جنين" و "غزة - أهالي الشهداء"، وهو ما يعني أن المقاومة ستكون حاضرة في كل مشهد خلال الفترة المقبلة وتدعمه بسلاحها في ذروة الأحداث من أجل الضغط على الاحتلال.

#المقاومة #سيف_القدس2