رام الله - خاص قدس الإخبارية: ذكرت مصادر مطلعة لـ "شبكة قدس" أن اقتطاع الحكومة الفلسطينية لرواتب الموظفين، ناتج عن بدء الحكومة بتسديد بعض مستحقات القطاع الخاص منذ حوالي خمسة أشهر، وليس كما يؤكد مسؤولو الحكومة بأنه نتيجة مباشرة لأزمة مالية ناجمة عن قلة الدعم الخارجي واقتطاع أموال المقاصة.
وأشارت المصادر إلى أن قرار اقتطاع 20% من رواتب الموظفين جاء بعد تفاهمات غير معلنة بين ممثلي القطاع الخاص ووزير المالية شكري بشارة، الذي وعد بتحويل الأموال المقتطعة من رواتب الموظفين إلى القطاع الخاص، بعد تفاقم ديون الأخير على الحكومة.
وتجاوزت ديون القطاع الخاص على الحكومة، المليار ونصف شيقل مع نهاية عام 2021، وهو العام الذي شهد ارتفاعاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.7% مقارنة مع عام 2020، وكان من المفترض أن يخفف هذا الارتفاع من الأزمة المالية للسلطة.
وبحسب تقرير أعده ائتلاف أمان، فإن الفرد الفلسطيني يساهم بشـكل كبيـر في تغطيـة الإنفاق العـام حيـث تشكل الإيرادات الضريبية والجمركية المرتفعة حوالي 25-30% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإنه لا يستطيع تحمل أعباء ضريبية أو اقتطاع رواتب من أجل معالجة بعض مظاهر الأزمة المالية للسلطة ومن بينها ديون القطاع الخاص.
وخلال عام 2021 ارتفعت إيرادات الحكومة الفلسطينية بنحو 12٪ وفق البيانات المنشورة من طرف وزارة المالية الفلسطينية، كما وجرى استئناف بعض أشكال الدعم الخارجي على عكس الأعوام السابقة.
في سياق متصل، يؤكد الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة أن قرار الحكومة بتسديد جزء من مستحقات القطاع الخاص جاء نتيجة لتراكم الديون وهشاشة القطاع الخاص، في الوقت الذي يعارض فيه الموظفون الاقتطاع.
وقال دراغمة لـ "شبكة قدس" إن ما يجري يعكس حالة الفشل الحكومية الممتدة على مدار الحكومات السابقة بما فيه الحكومة الحالية برئاسة اشتية، مردفاً: "لماذا لم تقم الحكومات بإيجاد بدائل عن خطوات الاقتطاع من الموظفين".
وأشار إلى أن الموظفين يعانون أيضا من الارتفاع الحاصل في السلع والمواد الأساسية دون تعويض عن الغلاء أو دعم للسلع وهو ما يعكس غياب الخطوات الحكومية الفعلية، لافتاً إلى وجود ضعف السيولة النقدية الموجودة في فلسطين خلال الآونة الأخيرة.
وأضاف قائلاً: "ما يجري في عملية الاقتطاع من رواتب الموظفين هو عملية تمرير للمال في نفس الدائرة المغلقة دون زيادة حقيقة وبالتالي فإن المشكلة التي تمر بها الحكومة لن تنتهي"، مشدداً على ضرورة إيجاد بدائل وسياسات مالية جديدة.
وترى الباحثة في الشأن القانوني ليما بسطامي أن التشريعات الناظمة للعلاقة ما بين الحكومة وموظفيها، وفي مقدمتها قوانين الخدمة المدنية والخدمة في قوى الأمن الفلسطينية والسلطة القضائية والتقاعد، لا تتضمن نصوصا تشير إلى أن صرف الرواتب المقررة بحسب الجداول يكون مرتهنا بأي ظرف، بل اعتبرته حقا من حقوق الموظفين الأساسية، التي يقابلها التزامهم بأداء الواجبات الوظيفية.
وتشير إلى إشكالية انعدام الشفافية في إعداد وإقرار الموازنة العامة في ظل غياب المجلس التشريعي، وبالتالي غياب الرقابة والمساءلة وتمثيل الشعب، والتعمد لاعتمادها بسرية ودون مشاركة المجتمع المدني وإقصاء المواطنين دافعي الضرائب، وعدم نشر بنودها التفصيلية، الأمر الذي يبقي آلية اتخاذ قرار الاقتطاع هذا، والجهة المسؤولة عنه، ومدى ضرورته الفعلية الموضوعية والزمانية، وأسس احتساب النسبة المصروفة غير معلومة وغير متاحة حتى للموظفين دافعي ثمن الأزمة المالية. وغياب قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، يفاقم الأمر تعقيدا ويجعله مشوبا بشبهات الفساد وسوء الإدارة.
وتتابع بسطامي خلال حديثها لـ قدس قائلة إنه "رغم أن الحديث عن حقوق الإنسان في السياق الفلسطيني الداخلي أصبح فارغا وغير ذي صلة ولم يعد صالحا حتى للاستهلاك الخارجي، إلا أنه يجب الإشارة إلى إن الحق في الراتب العادل يعتبر أحد حقوق الإنسان الأساسية، والذي يكفل لكل فرد ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة الإنسانية، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن، وكون هذا الحق أيضا يرتبط ارتباطا وثيقا بتأمين حقوق الإنسان الأخرى، وعلى رأسها الحق في الصحة والحق في التعليم، والحق في الحماية الاجتماعية. وكون فلسطين تعتبر طرفا منضما للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الراتب العادل(العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية/ المادة١١)، وكون هذا الحق أصبح أصلا جزءا من الأعراف الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان/ المادة٢٣ و٢٥)، فإن حكومة فلسطين مسؤولة عن كفالة هذا الحق وإعماله".
"وعليه، فإن خيار الاقتطاع من رواتب الموظفين العموميين في ظل تدني هذه الرواتب أصلا مقارنة بتكاليف المعيشة، لا يعد فقط مخالفا للتشريعات المحلية وإخلالا بالتزامات فلسطين الدولية، بل له آثارا اقتصادية واجتماعية وخيمة على صعيد مستوى معيشة الأفراد، وكذلك على صعيد الاقتصاد الفلسطيني كون المواطن يعتبر مصدراً مهماً للموارد المالية المتاحة للخزينة العامة" توضح الباحثة في الشأن القانوني.
وفي السياق يؤكد الباحث في الشأن القانوني إبراهيم البرغوثي لـ "شبكة قدس" أن هناك مطالبات دائمة من قبل مؤسسات المجتمع المدني بنشر قانون الموازنة، ولكن ما يجري من عدم نشره يعد خطيئة كبرى، ويمكن لأي موظف أن يتوجه لمحكمة العدل العليا ويرفع دعوى بخصوص اقتطاع الرواتب، وقد يتم إبطاله.