رام الله المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: ينشغل الفلسطيني في هذه الأيام بمسألة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والتي تتزامن مع حديث من قيادة السلطة الفلسطينية عن بوادر أزمة مالية قد تنعكس على رواتب الموظفين، وهو ما قد يؤدي إلى انتكاسة اقتصادية كبيرة، يتأثر بها أصحاب الدخل المحدود، والذين سوف يجدون أنفسهم خلال أشهر غير قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية. في مسألة ارتفاع الأسعار أكد وزير الاقتصاد خالد العسيلي عن متابعة وزارته لارتفاع الأسعار ومراقبتها في السوق العالمي، ثم لاحقا أعلنت الحكومة عن تحويل 300 تاجر للنيابة بسبب رفع الأسعار.
قد يكون السؤال المهم في هذه المرحلة بالنسبة للفلسطينيين، من له قدرة التأثير على التحكم في السوق الفلسطيني بما يشمل جزئية رفع الأسعار؟!. من المهم الإشارة إلى أن أحد أصناف السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير؛ السلع الاستهلاكية سريعة الدوران، وهي التي تتصف بكثرة الشراء، وقلة السعر، وفترة الصلاحية القصيرة نسبيا، ومعدل استهلاكها يومي، وسريعة النفاذ، أي ببساطة هي تلك التي يشتريها الفلسطيني من السوبر ماركت يوميا.
في الضفة الغربية، تعتبر شركة ايبك هي الرائدة في مجال بيع السلع الاستهلاكية سريعة الدوران، هكذا تعرّف الشركة نفسها على موقعها الرسمي، أي أنها المورد الأكبر لهذا النوع من السلع من خلال شركة يونيبال التابعة لها. بحسب موقع الشركة، فإن صافي أرباح مجموعة أيبك بعد الضريبة بقيمة 21.22 مليون دولار أمريكي (70 مليون شاقل) في النصف الأول من العام 2021 بنمو نسبته 135.33% على أساس سنوي، مع الإشارة إلى أن حصة مساهمي أيبك من هذه الأرباح بلغت 19.2 مليون دولار أمريكي (63.36 مليون شاقل) بنمو نسبته 160%.
إذن، كما يتضح سابقا فإن عشرات الملايين من الأرباح جنتها إيبك في الربع الأول من العام 2021، بنمو في الربح نسبته 135.33%، وحصتها السوقية الكبيرة تؤهلها للتحكم بالأسعار، فمن يديرها ويتحكم في قراراتها سواء برفع الأسعار أو خفضها؟!.
حسب موقع الشركة، فإن مجلس الشركة يتكون من 12 عضوًا، أبرزهم: طارق عباس ابن الرئيس محمود عباس، وزهير العسيلي ابن وزير الاقتصاد خالد العسيلي، وفراس ناصر الدين.
وبالإضافة للارتفاع على سعر السلع الاستهلاكية سريعة الدوران، شهدت الضفة الغربية ارتفاعا في أسعار الدجاج، ووصل سعر الكيلو في بعض المناطق إلى 18 شاقل. في هذا القطاع، يطرح سؤال آخر عن الجهة التي يمكنها التحكم بأسعار هذا القطاع، تعتبر شركة دواجن فلسطين (عزيزة) هي الرائدة في توزيع الدجاج على كامل مناطق الضفة، وهي الأقدر على التحكم بالأسعار في السوق، ويتمثل عملها في إنشاء وإقامة مصنع أعلاف ومزارع دجاج وإنتاج وبيع البيض والعلف والحبوب الأخرى، وقد تأسست عام 1997.
ووفق هيكل الملكية للشركة، يتضح أن لشركة فلسطين للاستثمار الصناعي حصة فيها بنسبة 76.5% وهي شركة قابضة تأسست في عام 1995 في نابلس لتكون الذراع الاستثماري لباديكو القابضة في القطاعين الصناعي والزراعي، مع الإشارة إلى رئيس مجلس إدارة باديكو هو بشار المصري. كما يتضح أن شركة أخرى تتبع للمصري لها حصة فيها بنسبة 9%، بالإضافة لصندوق الاستثمار الذي يعتبر الذراع الاستثماري لمنظمة التحرير الفلسطينية حصة في شركة فلسطين للدواجن.
وتشير المعلومات السابقة إلى أن السلع الأساسية في السوق الفلسطينية يتحكم بها عدد محدود من الأشخاص، ويديرون عددا محدودا من الشركات المسيطرة على قطاعات معينة، ووفق ما هو معلن بمواقع الشركات الرسمية، فإن الجهات الرسمية حاضرة في مجالس إدارة هذه الشركات، لكن على شكل رجال أعمال وتجار.
تداخل رأس المال والسلطة: احتكار السوق وضعف الرقابة
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يقول وزير التخطيط السابق في السلطة الفلسطينية سمير عبدالله إن هناك مصالح مشتركة بين الحكومة ورأس المال، ولدينا ظواهر وحقائق، وأن التغاضي عن ارتفاع الأسعار وحماية مصالح المواطنين يعني وجود تواطؤ من الجهات المسؤولة عن متابعة الأسعار.
ويؤكد عبدالله وجود التداخل بين السلطة ورأس المال قائم، وإن لم يشترط أن يكون الارتباط بأصول مالية أو مشاريع مشتركة، مشيرًا منح السلطة الفلسطينية بعد شركات القطاع الخاص احتكارًا وامتيازات خاصة.
ويضيف: "الأصل أنه عندما تعطى امتيازات للقطاع الخاص من الحكومة، فالمفترض أن تكون هناك رقابة على الجودة، وتكون هناك لجنة وطنية تتشكل بموجب القانون حتى تشرف على تنفيذ الامتياز بما يسمح بتقديم الخدمات الجيدة، وبتعريفات مقبولة، وحماية مصلحة الجمهور العام".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة، في حديثه لـ"شبكة قدس" أن رجال الأعمال الموجودين قبل وجود السلطة الفلسطينية تعززت إمكاناتهم، وبحكم وجود الثروة بين يدي هؤلاء التجار ورجال الأعمال، استطاعوا أن يكملوا مسيرة الاحتكار في بعض الجوانب التي لها علاقة باحتكار السوق الفلسطيني بمسارات مختلفة، كالخدمات والإنشاءات وبعض التجارة.
حول التداخل بين رأس المال والسلطة، يشير دراغمة إلى أنه "أينما يوجد رأس المال يوجد القرار"، وأن بعض رجال الأعمال والشركات بحكم المال وحكم العلاقات التي بنيت خلال فترة طويلة، كان لها دور في صياغة بعض البنود القانونية التي تخدم توسعها على حساب المصلحة العامة للمواطن.
ويستذكر دراغمة حديث وزير الاقتصاد الفلسطيني بداية جائحة كورونا عام 2020، عن توفر مخزون من السلع يكفي لـ 6 أشهر، ودعوته السكان إلى عدم التهافت على المحال التجارية، متسائلاً: "ما الذي اختلف الآن، وأين ذهب مخزون السلع التي تكفي لـ ٦ أشهر، مع أن الحديث عن ارتفاع الأسعار بدأ منذ فترة؟".
وبحسب دراغمة، فإن دور السلطة لم يكن كافيًا بالرقابة على أداء هذه الشركات، مع أنها تستطيع ولديها القدرة على ذلك، بما لا يضر بمصلحة المواطن وذوي الدخل المحدود، مستدركًا: "لكن لا أعلم ما المقصود بعدم التحرك بهذا الاتجاه، إضافة إلى أن الإطار القانوني الناظم لم يأت على شاكلة جيدة ولا تفي الغرض، وأن العقوبة لا تأتي بحجم الجرم".
بدوره، يرى أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة النجاح د. نائل موسى أن وجود الاحتكار يعني خرق الكفاءة الاقتصادية، بحيث يصبح المحتكر يتحكم بالأسعار والكميات، ويعطل بآلية عمل السوق، موضحا أن السلطة منذ بدايتها منحت وبشكل قوي القطاع الخاص لقيادة عملية التنمية وآلية السوق دون التدخل من الحكومة، وهذا إجراء فعّال لو وُجد في بيئة تنافسية متكاملة.
ويستدرك موسى في حديثه لـ "شبكة قدس": "لكن للأسف تزاوج السلطة ورأس المال والأمن جعل المحتكر قوة سلطوية بالبلد، بحيث أن السلطة لا تتدخل فيه ولا توجد لديها نية للتدخل فيه أو مراقبة تسعيره، وبالتالي عمليا هناك تشوه بالسوق والأسعار والمواطن ضحية هذا التشوه".
وينوّه موسى إلى أن "هناك شراكة، فالموجودون في السلطة موجودون في رأس المال، والمؤسسات الاحتكارية معظمها إما مقربة من السلطة أو تمتلكها السلطة نفسها، وهذا يخلق لدينا نوعا من تداخل الصلاحيات، ويصبح من مصلحة السلطة كقوة حاكمة عدم التدخل في رأس المال".
من جهته، يشدد الخبير الاقتصادي د. طارق الحاج إلى أنه حتى لا نشوه صورة الاقتصاد الفلسطيني علينا أن نعي أن الاقتصاد الفلسطيني هو نظام رأسمالي، وفي النظام الرأسمالي هناك احتكارات، إلا أن المشكلة في الاحتكار الفردي وليس في الاحتكار الثنائي أو المتعدد.
ويتابع الحاج في حديثه لـ"شبكة قدس": "هناك تزاوج ما بين رأس المال وبين السلطة، وهذا الكلام موجود في العديد من دول العالم حتى في عقر الولايات المتحدة الأمريكية، فترامب مثلا وصل إلى السلطة بماله".
ويوضح الحاج: في بعض الأحيان هناك تدخل من أصحاب رأس المال في السلطة التنفيذية، وتصل بعض الأمور أحيانًا إلى تدخلهم في تعيين أشخاص في السلطة التنفيذية في فلسطين، مضيفًا أن الوزارات والمؤسسات الحكومية هي الأذرع التنفيذية للسياسات الاقتصادية لأي حكومة ومن ضمنها الحكومة الفلسطينية، وأداء هذه المؤسسات مكبّل في ظل هيمنة وسيطرة على القائمين على الوزارات من قبل أصحاب رأس المال.
ويختتم الحاج حديثه: "هذا يقوّض عمل الحكومة، ومن هنا نلاحظ أنه من الصعب لدينا في فلسطين تحديد الأسعار أو الحد الأدنى للأجور، لأن أصحاب القرار هم أصحاب رأس المال، بالتالي قدرة الحكومة على التخفيف من عبء التضخم والأسعار على المواطن الفلسطيني محدودة جدا، لأنهم يسيّرون أمورهم السياسية من خلال قوتهم الاقتصادية".