لست متخصصاً بالهندسة أو العمارة، للأسف، لكن لديَ شغف بتفحص المباني التاريخية ومتابعة منشورات مواقع العمارة. ما فهمته ببساطة أن العمارة هي "تعبير مادي عن حاجة الإنسان للسكن تتطابق مع الظروف البيئية والإنسانية والاجتماعية التي يعيش".
في السنوات الماضية، امتدت يد رأس المال إلى الأرياف، واستطاع بفعل عوامل مختلفة (ليس هنا مقام الحديث عنها)، شراء مساحات واسعة من الأراضي وبعضها أقيم عليها مشاريع سكنية. ما لاحظته في هذه المشاريع أنها ليست سوى نسخ عن الكوارث الإسمنتية التي تعيشها بعض مدن الضفة (رام الله، نابلس وغيرها)، هل نريد تحويل المتنفس الناجي من وحش الاستيطان إلى "الطيرة وأم الشرايط وبيتونيا" أخرى؟.
مع الأخذ في عين الاعتبار أن كل متر أرض، هو له قيمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حياتنا الاستثنائية والمستباحة بالاستيطان والاحتلال، واستغلال الأراضي بطريقة تحقق أقصى فائدة للناس، هو هدف يجب أن يكون على رأس أولويات أي مخطط.
لا أفهم الحكمة من تحويل ما تبقى من أراضي الأرياف إلى كتل إسمنتية، ولا أفهم التخطيط العمراني في القرى الذي يمكن أن يقتطع مئات الأمتار من قطع الأراضي لبعض الفلاحين، الذي قد يكون لا يملك غيرها، ولا أفهم الإصرار على نمط واحد من العمارة في حين أن لنا تراثنا العمراني، ولا أقول أنه يجب استنساخه بل الاستفادة منه.
إذا كانت الهندسة فقط دراسة معادلات الحديد والإسمنت وطرق توزيعها، فيمكن لأي أحد أن يقوم بهذه الوظيفة، بعض البنائين من طول الخبرة، قادر على بناء عمارة دون مخطط هندسي، وبشكل أفضل مما لو كان يسير على مخطط أعده أفضل المكاتب الهندسية في البلد.
نحن نعيش تحت احتلال، التفكير من هذا الجانب يجب أن يشمل كل نواحي حياتنا، حتى في البناء. قد يكون ما أتحدث عنه مثالياً، لكن في ظل هذا الواقع الذي يطحن كل شيء أمامه، قد يكون الحديث المثالي مدخلاً لتحقيق "تحسينات" على هذا الواقع.
(الصورة من مخطط هندسي قديم أعدته نقيب المهندسين نادية حبش، في التعليقات رابط مقابلة مهمة معها).