يجب أن نحذر المعلقين العرب على هذا الموضوع من أن كل الثغرات القانونية التي يمكن أن توجه إلى هذا الاتفاق تم تفاديها ولذلك فإن التعليق على هذا الاتفاق يجب أن يكون عقلانيا وليس عاما.
المحصلة النهائية فإن حماس رفضت هذا الاتفاق وأدانته وقد شاركت في هذه الإدانة في ندوة نظمتها جريدة الرسالة في قطاع غزة منذ اوائل سبتمبر ولكن اللافت للنظر أن هذا الاتفاق تم توقيعه في 14 يوليو 2021 فلماذا أدانت حماس الاتفاق في بداية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر أي بعد مرور شهر ونصف على توقيعه؟ ربما كان السبب هو أن الإعلان عنه من المصدر جاء متأخرا.
أما عوامل التحوط في الصياغة والأبرام فقد رصدتها من نص الاتفاق نفسه الذي يقع في سبع صفحات من موقع وزارة الخارجية الأمريكية وكذلك موقع وكالة الاونروا.
أولاً: وقع الاتفاق عن وكالة الاونروا مديرها العام وهذا طبيعي ولكن وقع عن وزارة الخارجية الأمريكية مدير مكتب السكان والمهاجرين واللاجئين والمساعدة الإنسانية وليس وزير الخارجية. ولذلك أخذ الاتفاق شكل المذكرات المتبادلة.
ثانياً: أشار هذا الاتفاق إلى أنه برنامج وإطار للتعاون بين الجانبين لعامي 2021-2022.
ثالثا: وقعت الولايات المتحدة اتفاقات مشابهة مع بعض وكالات الأمم المتحدة حتى لا يقال إن الولايات المتحدة انفردت بالوكالة بسوء نية.
رابعاً: يضم هذا الإطار مجموعة من الالتزامات على الولايات المتحدة “لدعم قدرة الوكالة على تقديم العون الفعال والكافي للاجئين الفلسطينيين من خلال تعزيز المحاسبة والشفافية والانسجام مع مبادئ الأمم المتحدة“. أما الوكالة فملتزمة بأخلاقيات عملها وبمبادئ الأمم المتحدة وفقا للقانون الدولي والداخلي.
خامساً: نص الاتفاق على أنه يهدف إلى تحقيق الأهداف المشتركة والاولويات خاصة وأن القانون الأمريكي يؤكد على المصلحة الأمريكية في مساندة الأونروا وهي أهداف مشتركة يتقاسمها الطرفان.
سادساً: نص الاتفاق على أنه ليس معاهدة دولية ولا ينشئ التزامات قانونية في القانون الدولي أو الداخلي بالنسبة للطرفين.
سابعاً: قرر الاتفاق التزام الأونروا بإدخال قرارات حقوق الإنسان وحل المنازعات وقيم التسامح في مدارسها ووقف العنف ضد المرأة ويتفق الطرفان على الأعراب عن القلق من الإرهاب. هذا الجزء من الاتفاق أكثر وضوحا في مراميه لأنه يلزم الأونروا بعدم منح اللاجئ معونة إذا تلقى تدريبا عسكريا بصفته عضوا في أي منظمة إرهابية (يقصد المقاومة) أو مارس نشاطا إرهابيا وشدد الاتفاق على أن موظفي الوكالة يلتزمون بعدم الانحياز لأي طرف في الحرب أو الجدل ذي الطبيعة السياسية أو الدينية أو الايديولوجية. والمخالفة مزدوجة فهي مخالفة لمقتضيات الوظيفة كما أنها مخالفة للشروط الأمريكية لتقديم الدعم المالي للوكالة.
ثامناً: يؤكد الاتفاق على سياسة وزارة الخارجية مع كل وكالات الأمم المتحدة في أن المساعدات الطوعية مشروطة بعدم تقديمها بطريق مباشر أو غير مباشر إلى أفراد أو كيانات تمارس الإرهاب وفق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة وتوافق الاونروا على قبول هذه المساعدة كما تتعهد باتخاذ كل الاجراءات للتأكد من أن المعونة الأمريكية لن يستفيد منها من يمارسون أعمالا إرهابية وتقدم الاونروا تقريرا نصف سنوي حول مدى التزامها بذلك وبما يؤكد انسجامها مع مبادئ الأمم المتحدة وحيادها ومراجعة المقررات والتعليم عن بعد كما يقدم مكتب الأخلاق في وزارة الخارجية الأمريكية لائحة الأخلاق التي تلتزم بها الأونروا.
تلك هي النقاط التي تحوطت بها الولايات المتحدة حتى تفلت من نقد الاتفاق ولكن المحصلة النهائية أـن معظم الشعب الفلسطيني لن يستفيد من خدمات الوكالة لأن معظم الشعب الفلسطيني يؤيد المقاومة ومعنى ذلك أن تصبح مساعدات الوكالة تحت السيطرة الامريكية عليها وبالتالي الإسرائيلية كاملة خاصة وأن الولايات المتحدة تقدم نصيب الأسد في تمويل الوكالة ولا تقدم الدول العربية الكثير.
ولكن الاتفاق في اتجاهات أساسية وليس بنصه يشكل مرحلة جديدة من مراحل محاربة الولايات المتحدة للشعب الفلسطيني ويجب أن يقرأ الاتفاق في ضوء السياسة الأمريكية التي تبنت صفقة مع إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية واتخذت خطوات محددة لعرقلة عمل الوكالة كما أنها منحازة انحيازا مطلقا لإسرائيل ونكرر تصريح السفير مارتن اندك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل الذى تحدث عن مفهوم الولايات المتحدة لاتفاق أوسلو بأنه يضفى الشرعية على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين كما أن واشنطن بررت عدوان إسرائيل الأخير والمتكرر على غزة بأنه دفاع شرعي عن النفس.
ورغم هذا التحوط فإن هذا الاتفاق مبرم بين الولايات المتحدة والوكالة ويؤدى إلى إنكار حق الشعب الفلسطيني في تلقى مساعدات الوكالة يضاف إلى ذلك أن هذا الاتفاق بصرف النظر عن مستوى الممثل الأمريكي فيه وأن بدا تأكيدا لسياسات الأمم المتحدة إلا أنه في نهاية المطاف دعم لإسرائيل كما أن إنشاء الوكالة نفسها عام 1949 كان الهدف منه ظاهريا مساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون عودتهم إلى وطنهم وديارهم ومعنى ذلك أن واشنطن التي أنكرت حق العودة تنكر أيضا مساعدة اللاجئين وتتخذ مجموعة من السياسات لتصفية اللاجئين وصرفهم عن حق العودة مثل تسهيل دمجهم في البلاد التي يقيمون فيها وكذلك تسهيل حصولهم على جنسيات أخرى ويترتب على هذا التحليل أن الولايات المتحدة مصممة على المضي في صفقتها مع إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية.
وإن كان الاتفاق في نصه لا يتناقض مع اختصاصات الوكالة في قرار انشائها إلى أنه يهدف في الأساس إلى محاربة حق الشعب الفلسطيني اللاجئ في مقاومة الاحتلال والعدوان وقد آن الآوان بأن نجاهر بهذا الحق وإن كان الوسط العربي ينكره وكذلك السلطة الفلسطينية ولكن حملة سيف القدس الأخيرة أظهرت تعلق الشعب الفلسطيني بالمقاومة وكنا نأمل أن تعتبرها السلطة رصيدا لها في الانطلاق نحو مستقبل التسوية في فلسطين ولكن هذه النقطة الجوهرية التي يجب أن نلح عليها في حق المقاومة تجد سندها القانوني في واقعة الاحتلال والعدوان وهو رد فعل لفعل غير مشروع وآن الآوان أيضا بأن نجاهر بأن موافقة الشعب الفلسطيني على تقسيم فلسطين هو تنازل من جانبه وإفساح المجال للتضحية من أجل تسوية ولكن المشكلة الأساسية هي أن إسرائيل وواشنطن تصران على أن فلسطين كلها لليهود وتتحايل حتى تحقق هذه الجريمة التي يجب أن يتنبه لها الفلسطينيون والعرب.
وخلاصة القول إن إدانة المقاومة لهذا الاتفاق له ما يبرره من حيث أهدافه النهائية وأن كان نصه وطرق التحايل لإخراجه لا تخفى على الباحث المدقق الحصيف.