شبكة قدس الإخبارية

مقاومة كلمة من ست حروف

240675453_184601603770675_7596825314918617457_n
سعد عمر

ثقيلة تلك اللحظات التي مرت على ست أرواح أكاد أجزم أنها داق بأجساد المحررين الست في آخر اللحظات داخل ذلك الحيز الضيق من المكان داخل النفق الواسع القدر في ميزان الجرأة والإرادة.

فليس السجن بمكان لحبس الجسد فحسب، وإنما هو مكان لترويض الروح وكسر النفس وما تلك القيود والأسوار والأبراج إلا دمى يرمي حين يحركها السجان على جسد الأسير أن تلقي بظلالها داخل روحه، المكان الوحيد الذي لا يملك الاحتلال بكل ما امتلك من قوة وبطش وعون أذنابه اختراقه، وفي هذا المقام ليس روح الفرد القابع في المعتقل وحدها ما يرمي الاحتلال لاختراقه.

وإنما روح الجماعة، كعائلة الأسير وأصدقائه ورفاق حزبه أو حركته لتمتد لكل الشعب، وأن السجن وإن نال من الجسد بقوة وبعمق ما ضربت أساسات سجنهم هذا في أرضنا منذ النكبة، لكنه لا يقوى على خدش الروح الكامنة داخل ضلوع هذا الجسد.

هذا الجسد الذي امتد خارج حيزه الصغير المحاصر ليصير ذاتا جماعية لشعب يحفر في نفق سنين الاحتلال باللحم الحي والذكريات وأحلام أجيال تلوح صخر، هذي السنين العجاف التي لابد لها من نهاية، تماما كما تلك النهاية التي لاحت للمحررين الست حين شقت نسائم الهواء الأولى عين النفق التي أبصرت بأرواحهم سماءً بلا

قضبان ومدى حين ارتقى بهم وبنا هوى بالسجان ودولة الكيان عميقا لأرض النفق ليعتليها الست محررين بأقدامهم ولا أدري كيف احتملت قلوبهم هذه اللحظة التي بدأت من فكرة، من الإيمان بأننا رغم هذا السجن في أرضنا وهم غرباء، ما حصل في سجن جلبوع يتعدى أن يكون مجرد إبداعاً في تخطي إجراءات الحراسة وبناء السجن الهندسي وحرب العقول، ما حدث كان تجليا لأقدس فكرة ما أن أمنا بها شقت لنا الأرض وحنت لنا الأسوار.

فكرة المقاومة النابعة من امتلاكنا لهذه الأرض وامتلاكها لنا أرواحا وأجسادا، من قناعتنا بأحقيتنا بهذا التراب الذي سقيناه بدماء أجملنا وأعزنا وأشرفنا، مقاومة كلمة من ست حروف كما المحررين الستة، تسري في وعي الناس في بيتا في الخليل في أم الفحم واللد وعكا ويافا وغزة.

هذه الروح التي بثت جندها في عروق جسد هذا الشعب الذي تجمع في جنين نافضا عنه علق المتساقطين والمنسقين وأصحاب المشاريع مع الاحتلال والمستثمرين في نكبتنا وغربتنا عن أرضنا، ما حصل في سجن جلبوع يسقط قناعا آخر عن وجه هذه السلطة التي أربكها هذا النصر ومستها هزيمة مشغلها ليخرجوا علينا ليؤكدوا تعاونهم مع المحتل في البحث عن المحررين الستة، فما يغيظ من اختار العبودية والخنوع أكثر ممن انتزع بالقوة حريته وما ظهر من تصريحات المدعو أشرف العجرمي عضو لجنة التخابر مع المجتمع الصهيوني وغيره من المرجفين والمهزومين من تأكيد بأن السلطة ستعتقل وستسلم المحررين إذا عرفت لهم مكانا او عرفت لهم طريقا أسوة بكل مناضل وحر سلمته هذه السلطة التي حددت مكانها ودورها لجانب المحتل ضدنا.

فكلنا يعرف من هم مناديب وعيون هذه السلطة في مناطقنا وكلنا يعرف أن عينا للسلطة هي عين للاحتلال ومخابراته وأضعف الإيمان أن نحجب هذه العين عن اي شيء قد يفضي لمعرفة أي معلومة عن المحررين الستة.

ما حصل في سجن جلبوع أن ستة أسقطوا قلعة وفي هذا المقام لم يكن السجن هو القلعة إنما الفكرة أسقطوا قلعة ليس باقتحامها بل بالخروج من ظلها في أرواحهم وزحفوا تحت أنياب الهزيمة في ذاك الحيز الضيق وخلعوا عن جلدهم السجن، وخرجوا من عين النفق وكان لم يمسسهم منه شيء، اليوم يقف الاحتلال عاجزا أمام الفكرة، فكرة الامساك بمفاصل الأرض كما في بيتا وغزة وبيت دجن وكل موقع خرج فيه الفلسطيني خارج الحيز العمراني في المدينة أو المخيم هذه المدن التي حبسنا فيها الاحتلال وحاربتنا في أرزاقنا في أراضينا السلطة التي وكلها علينا كي نبقى بعيدين عن الأرض وتضاريسها وجغرافيتها التي تمدد فيها المستوطنون وبتنا غرباء عنها لحد ما أرضنا واسعة كتومة حانية على أولادها إن عرفوها فها هي دولة الكيان لا تزال تلهث في كل اتجاه بكل ما ملكت من قوة وتقدم خلف ستة رجال شقوا بطن الجب وتماهوا في أرضهم وما عرف إليهم بعدها المحتل سبيلا.

إن الحركة الشعبية العفوية التي تسابقت في كل مدن ومخيمات وقرى فلسطين لحماية وعون المحررين الستة هي أكبر ما يعيق المحتل ويربك خياراته وإن تهديد أناب وعيون الاحتلال زاد من عجزه، عجزه الذي دفعه لاختطاف أهالي المحررين الستة والانتقام من الأسرى وبالأخص حركة الجهاد الاسلامي في السجون ومحاولته شطب تمثيلها الاعتقالي ووجودها كحركة في السجون.

وهنا المحتل يبتدع سابقة في تاريخه بمحاولته شطب التمثيل الاعتقالي لإحدى الفصائل الفلسطينية داخل السجون، ولم تفهم حكومة "شباب التلال" هذه أن التمثيل الاعتقالي وبالأخص تمثيل حركة الجهاد الإسلامي حفر في السجون بالدم عبر تاريخ طويل من النضال الداخلي على الصعيد الداخلي داخل السجن وبوجه إدارات السجون المتعاقبة منذ نشأته كفصيل فلسطيني مقاوم وإن حل وإلغاء تمثيل حركة الجهاد الاسلامي أو غيرها دونه خوض اللجج وبذل المهج، ومحاولة ركوب بعض المتسلقين الموجة وبث الفرقة بتميز واحد من المحررين وتسليط الضوء عليه أكثر من البقية أو التشكيك بالامر كله لهو إحدى محاولات الاحتلال عبر أدواته لشق الصف وإرباك الجبهة التي تشكلت من أبناء شعب فلسطين على امتداد الأرض المحتلة، وهاهو زكريا يفتدي رفاقه بنفسه إذا طغى اسمه وصورته على باقي الصور والأسماء مما جعله أكثر عرضة للخطر وزاد الخوف عليه.

هذا الخوف يتملكنا كل يوم في الصباح منذ اليوم الذي انتزعوا فيه حريتهم وحريتنا من الوهم لنبحث عن أخبارهم، ونحن ننام ونصحو ملهوفين لنطمئن بأنهم مازالوا أحراراً وبأننا مازال أملنا حيا بالحرية، فقد خرجوا من عين النفق وهم على يقين أن نهاية هذا الفعل لن تكون زنزانة مرة أخرى.

وحين خرج كل واحد منهم من عين النفق كان مدركا أنه اليوم شعلة تضوي لنا ليل الملحمة، الملحمة التي يسطرها شعب يفيق في الارض الحرة، فالاحتلال في تراجع والاحتلال حتما إلى زوال ولا سبيل أمامنا إلا المقاومة.

#السجون #نفق_الحرية