رام الله - خاص قدس الإخبارية: على مدار الأيام الماضية، شاهد العالم بأسره انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد 20 عامًا من احتلالها لـ "القضاء على حركة طالبان"، ورصدت كاميرات القنوات سيطرة حركة طالبان على جميع الأرض الأفغانية بجند تعداده 90 ألفًا، بينما رصد عدسات الهواتف المحمولة مغادرة الحكومة الأفغانية الموالية للولايات المتحدة العاصمة كابل دون أي مقاومة، وتساقط المتعاونين "العملاء" الأفغان من الطائرات الأمريكية بعدما رفضت الأخيرة أجلاءهم.
في الوقت الذي كان فيه تسارع الأحداث في أفغانستان تشغل المحللين السياسيين والعسكريين، كانت لها وقعٌ خاص لدى الفلسطينيين، الذين يعانون منذ 73 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي حليف أمريكا الأول في المنطقة، وقد تصاعدت في العالم الرقمي الروح المعنوية الفلسطينية في مقاومة الاحتلال، بيّد أن التجربة الأفغانية ونجاح طالبان في دحر الاحتلال الأمريكي قد أدلى بستائره على مقتضيات عدة يجدر بالشارع الفلسطيني الاستنارة منها.
في حديثه مع "شبكة قدس"، يرى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن الذي جرى في أفغانستان يؤكد على أن الوسيلة الوحيدة لطرد المحتل هو المقاومة مهما طالت، "وهذا ما تحقق بعد عشرين عامًا من مقاومة حركة طالبان للاحتلال الامريكي على أرضها وخضوعه لمطالب المقاومة بالخروج، وها هو يخرج يجر ذيول الخيبة ويترك عملاءه لمصيرهم."
التفاوض على أرضية قوية
جاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد أشهر من المفاوضات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان، كان عنوانها الرئيسي إجراءات الانسحاب الأمريكي من البلاد، وحول ذلك، يقول الصواف: "بعد أن يصل المحتل إلى قناعة أن وجوده بات مكلفًا ولا يجدي نفعًا أمام الإرادة والمقاومة عندها يكون التفاوض حول خروج المحتل من الأرض التي تقاوم، وما ما جرى في أفغانستان هو درس لمن يرى أن المقاومة عبثية وغير مجدية أن يعيد التفكير في الأمر."
من جانبها، تشير الكاتبة لمى خاطر في حديث لـ "شبكة قدس" إلى أن المفاوضات ليست عارًا في ذاتها، "لكنها تصبح كذلك حين تكون على قاعدتي الضعف والاستعداد للتنازل، وهذا حال المفاوض الفلسطيني"، وتستلهم خاطر من تجربة طالبان حيث أظهرت من قوتها وصلابتها ونفسها العالي للقتال ما أرغم عدوها على طلب التفاوض معها، على قاعدة الندية وليس التطويع، "فكانت الحركة تمتلك أوراق قوة عديدة خلال مسيرة مفاوضاتها، بدليل عدم تنازلها عن أهدافها الأساسية، ثم تُوّجت عملية المفاوضات والصمود بالرحيل الكامل لأمريكا وحكومتها."
وتستطرد خاطر: ليس لحركة تحرر أن تستعجل التفاوض مع عدوها، بل أن تراكم نقاط القوة والصمود والتحدي، وتبدي مناعتها وتماسكها واستحالة هزيمتها، إلى أن يكون عدوها هو الطرف المعني بمفاوضتها للحد من خسائره أو للتوصل إلى حل لإنهاء احتلاله.
الثبات على المبادئ والاستمرارية
على مدار العشرين عامًا الماضية، لم تخبت مقاومة حركة طالبان ضد الاحتلال الأمريكي والحكومة الأفغانية، وبحسب خاطر فإن في تجربة طالبان درسٌ مهمٌ متعلق بالمثابرة وعدم الاستسلام لمعطيات الواقع المتردي، وعدم تكييف ثوابت القضية وفق المتغيرات الطارئة التي تكتنف مسيرة أي تجربة احتلال وتحرر في العالم.
وتشدد الكاتبة خاطر على أنه لا بدّ لأية تجربة تحرر أن تستفيد من تجارب جميع حركات التحرر على مستوى العالم وأن تستلهم منها ما يناسب حالتها.
بدوره يعتقد الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن الصلابة في المواقف الأساسية هي من أهم الدروس المستفادة في تجربة حركة طالبان في أفغانستان، وأن التكتيك لا يؤثر على الهدف النهائي والاستراتيجية الكبرى للحركة، موضحًا: "أي أن الحركة انسحبت من الحكم والسلطة ولكنها استمرت في القتال، فكانت تغير من تكتيكاتها في السيطرة على المدن والمناطق، ولكنها بأي شكل من الأشكال لم تعترف بشرعية الاحتلال الأمريكي."
استدراك أخطاء الماضي
عندما بدأت القوات الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان، خلفت وراءها حكومة موالية لها ومتعاونين أفغان لم ترّ الإدارة الأمريكية أي مانع من الاستغناء الكامل عن خدماتهم، ووفقًا لعرابي فهذه ليست المرة الأولى التي تتخلى فيها الولايات المتحدة عن عملائها، وأدواتها وحلفاؤها.
"علينا عدم التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد تتخلى في أي لحظة من اللحظات عن أي سلطة ترتبط بعلاقات معها، بل لأنها أيضا حليف أساسي للاحتلال الإسرائيلي، فهذه هي العبرة الأساسية التي يجب أن يستفيدها الفلسطينيون في هذه التجربة"، يقول عرابي.
وفلسطينيًا، يؤكد عرابي أن على السلطة الفلسطينية تغيير سياساتها، والعودة إلى مبادئها ومنطلقاتها السياسية، "لأن القيادة السياسية ممثلة بمنظمة التحرير قدمت تنازلات كبرى على مستوى البرنامج النهائي وعلى مستوى الاستراتيجي وهي الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، والتنازل عن تحرير فلسطين والكفاح المسلح، وهذه هي القضايا الأساسية التي لم تتنازل عنها طالبان."
أما على صعيد حركات المقاومة الفلسطينية مثل حركة حماس، يرى الكاتب والمحلل السياسي أن على حماس عدم المبالغة في التكتيكات، وألا تبالغ في المناورة السياسية على حساب المبادئ الاستراتيجية.