ما زال الإسرائيليون منشغلين باضطرار رئيس الحكومة نفتالي بينيت إلى تعديل بيانه بشأن حرية "العبادة" لليهود في المسجد الأقصى، وتوضيحه لاحقًا أنه يقصد حرية "الزيارة"، والمعنى الأصح "الاقتحام"، وهو تراجع يعود ضمن أسباب أخرى إلى اعتماد الأردن والولايات المتحدة على الوضع الراهن الطويل الأمد في المسجد الأقصى، خاصة التفاهمات التي توصل إليها جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مع بنيامين نتنياهو والملك عبد الله في 2015 عقب انتفاضة السكاكين.
مع العلم أن السنوات الأخيرة شهدت سماح الشرطة الإسرائيلية لليهود، أفرادًا وجماعات، بالصلاة في الجزء الشرقي من المسجد الأقصى، ولكن دون زي ديني يشمل لفائف التوراة، وما شابه، التزامًا بالوضع الراهن الذي صاغه موشيه ديان منذ احتلال القدس، وحظر صلاة اليهود في المسجد الأقصى.
كما أنه فور نشر بينيت إعلانه احتج الأردن بشدة، وتوجه للولايات المتحدة، ونتيجة لذلك نشر تعديل يفيد بوجود خطأ وسوء فهم، وأنه لا تغيير في الوضع الراهن في المسجد الأقصى فيما يتعلق باليهود، وأن النية كانت من أجل حرية "الزيارة" أي "الاقتحام"، لا حرية "الصلاة"، حتى إن الحركة الإسلامية الجنوبية الشريكة في الائتلاف الحكومي أكدت أنه لا يمكنها الاستمرار في الائتلاف، إذا التزم بينيت ببيانه الأول.
عودةً إلى تفاهمات 2015، قد تعهدت (إسرائيل) بأن يصلي المسلمون في المسجد الأقصى، و"يزوره" غيرهم من اليهود، ووافق الأردن على ذلك، واستمرت سنوات لم تسمح فيها الشرطة لأكثر من 9 يهود بالبقاء في المسجد معًا، وسنوات أخرى غضت الطرف عن الصلاة اليهودية هناك، لكن انسحاب بينيت من بيانه السريع هو نتيجة 54 عامًا من الوضع الراهن الذي أقرته الحكومات الإسرائيلية لأجيال، من اليسار واليمين.
وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة في عدد "اقتحامات" اليهود للمسجد الأقصى، وارتفع من خمسة آلاف سنويًّا إلى 35 ألف سنويًّا، وهي زيادة هائلة بنسبة 800٪، بجانب ظهور مشاهد غير مسبوقة لصلاة اليهود أول مرة في الجزء الشرقي من المسجد الأقصى، خاصة الصلوات الفردية، وفي بعض الأحيان أعطي هذا الاحتمال لمجموعات من اليهود أيضًا، وفي العامين الماضيين نظمت صلاة صغيرة في المكان، ولكن دون ترتيبات، ودون لفيفة توراة، وأقيمت هذه الصلوات بعلم الشرطة الإسرائيلية، ولم تمنعها، بل أمنتها.
لا يختلف الإسرائيليون في أن مسألة صلاة اليهود في المسجد الأقصى خلقت سلسلة من الاشتباكات بين قوات الأمن الإسرائيلية ومتظاهرين مسلمين، بلغت ذروتها في موجة السكاكين، منطلقين من فرضية وجود مؤامرة "الأقصى في خطر".