فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: وصف مدير مؤسسة "الحق"، شعوان جبارين، واقع الحريات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه "لا يسر صديقا، بل يسر العدو"، لأن الإنسان الفلسطيني يواجه القمع والتدخل في حياته.
واعتبر جبارين، في لقاء عبر برنامج "حوار قدس" الذي يقدمه الزميل يوسف أبو وطفة عبر "شبكة قدس"، أن القمع يضعف النسيج المجتمعي الفلسطيني، وفيه رسالة من الناحية الثقافية: "أنت عبد لهذه السلطة أو تلك".
وأضاف: يجب النظر لموضوع الحريات بعيداً عن منطق العبد والسيد، بل بمنطق المواطن والمساواة، أن نعزز الإنسان ومنحه مساحة للتعبير والحديث سواءً حول قضايا الفساد أو عدم الرضا عن الأداء في ملفات معينة، يجب أن يتعود الناس أن لدينا مداخل ومسالك يمكن أن نحل مشاكلنا من خلالها، لا أن نلتزم الصمت ونحاول التغيير لاحقاً بطريقة عنيفة، يجب على المسؤول فهم المجتمع والمواطنة والحريات، ليس مطلوباً منا أن نكون نسخاً متشابهة عن بعضنا".
وتابع: أن يتم في الدوائر الرسمية ملاحقة أشخاص وتشكيل لجان تحقيق بعد أن عبروا عن آرائهم، مثلاً في قضية نزار بنات تم ملاحقة ناس لأنهم كتبوا تعزيات أو عبروا عن رفضهم، وهذا برأيي قمة الغباء أن يتم مراجعة موظف بسبب تعبيره عن رأيه، وهذا يعكس ضيق الأفق وفهم مغلوط للسلطة والحقوق والحريات.
وأضاف: في غزة عندما يخرج المركز الفلسطيني يعبر عن موضوع الجميع يتفق بشأنه حتى فصائل المقاومة، قالت إنها ستتحمل المسؤولية عن ما جرى، بمعنى أن شيئاً حصل فيه مسؤولية، المركز وضع الأمور في واقع قانوني، ولم ينشر أسرار عسكرية، أن يحصل تشهير في المركز هذا يعكس فهماً مغلوطاً.
وأردف: سابقاً كنت تستطيع منع نشر مقال، اليوم كل أحد لديه هاتف ومشارك في وسائل التواصل الاجتماعي، ويعبر عن رأيه ويشارك الآخرين فيها، حتى الفهم تجاه ممارسة الحقوق والحريات لم يعد من الناحية الواقعية لأحد القدرة على التحكم فيها، لذلك يجب إطلاق العنان لتفاعل حقيقي ومسؤول واترك الحق للناس في الحكم على الغث والسمين.
واعتبر أن لدى الأمن "عدسة صغيرة لا تناسب العصر"، وأضاف: عندما ألغت السلطة مادة من مدونة السلوك للموظفين العموميين، ورغم أنها غير ملزمة، لكن القرار يعكس التوجهات والتبرير أغبى من الخطوة، ما هو اللبس الذي تريدون إزالته؟ هل تريدون القول للناس إن لدي توجهاً يمنعهم من التعبير عن رأيهم؟ لأنني عندما قلت للناس أنتم تستطيعون التعبير عن رأيكم وهذا حق مكفول بالقانون والاتفاقيات، هل هذا يعني أنني سأندم على هذه التصريحات؟ هل يمكن أن يخرج مسؤول ويخبرنا ما هو التناقض بين القانون الأساسي وبين هذه المدونة؟ ما هو التناقض بين الاتفاقيات التي وقعت عليها فلسطين وهذا البند؟
وقال: إزالة المادة أظهر النوايا الحقيقية عندما يراجع الأمن موظفين على خلفية نشر آرائهم، عندها يريدون القول ممنوع على موظفي القطاع العام التعبير عن الرأي.
واعتبر أن المسؤول عن تردي الحالة الحقوقية هو "عدم وجود مؤسسة جامعة"، وأوضح: منظمة التحرير موجودة اسماً فقط، ودورها الذي يجب أن تفعله أكبر من الواقع بكثير، ولا يوجد مجلس تشريعي، المشرع هو الرئيس ومن غير المعقول أن يكون هو القاضي والمشرع والرئيس.
وتابع: هل هناك قضاء فاعل؟ أم قضاء موجود تحت جناح السلطة التنفيذية؟ خصوصا بعد تعديل قانون السلطة القضائية، ولم يعد مجلس القضاء الأعلى سيد نفسه.
وقال: هل يتم محاسبة أي شخص يرتكب مخالفة؟ غياب المؤسسة مسألة مهمة، وغياب المحاسبة والمساءلة على الخطأ والتقصير، البلد ينقصها كل هذا بالإضافة للمشاركة عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية.
واعتبر أن الوضع الفلسطيني يسير نحو "الهاوية"، في حال عدم إشراك الشعب في الشأن العام عن طريق الانتخابات، وبناء المؤسسات وفقاً لمعايير الإدارة والمحاسبة والشخص المناسب في المكان المناسب، ومحاسبة المقصرين.
وقال: الجيل الجديد أثبت أنه ناضج وواعي ويملك الثقافة ويقف في المربع الصحيح، ويملك أدوات العصر التي يخاطب فيها العالم باللغة التي يفهمها، وعندما نقول أطلقوا الحريات نريد إطلاق طاقات شعبنا للدفاع عن قضيتنا الوطنية.
وعن دور المؤسسات في مواجهة الانتهاكات، قال: دورنا ليس فقط توثيق الانتهاكات أو "نعد العصي"، دورنا أن نساهم في تطور الوضع الحقوقي وإذا لزم الأمر أن نشارك في التطوير على أساس وقواعد واضحة، ومستعدون للدفاع قانونياً عن المعتقلين على خلفية حرية الرأي والتعبير.
وأضاف: غياب الرقابة المتمثلة بالمجلس التشريعي والتشريع الصحيح والسليم المتسق مع القانون الأساسي، أصبح لدى النأس أمل بالمؤسسات الحقوقية، لكن بصراحة المؤسسات لديها طاقة محدودة، لسنا قضاة أو مشرعين وليس لدينا آليات محاسبة، نحن نوضح للناس ونتوجه بالطرق القانونية والأخلاقية، لا يجب أن نحمل المؤسسات فوق ما تحمل، غياب المجلس التشريعي والأحزاب أصبحت الناس تبالغ في دور المؤسسات الحقوقية، وتحملها أدواراً ليست لها.
وفي سياق آخر، تطرق الحوار إلى اللجان التي شكلتها الحكومة للتحقيق في قضايا مختلفة، مؤخراً، وقال جبارين: في الوضع الطبيعي عندما يجري انتهاك تقوم النيابة بدورها بالتحقيق وتجهز ملفاً واتهامات ثم يحكم القضاء بالأمر، الناس عندما لا تثق تقول أريد تشكيل لجان، حان الوقت لحل القضايا جذرياً بإعادة بناء المنظومة جميعها، كل المنظومة بحاجة لترتيب وكل ما يحصل هو ترقيع، والفجوة تتعمق بين السلطة والجمهور وبين الناس أنفسهم، عندما لا تكون هناك حماية وعدالة يشعر فيها المجتمع يحاول الدفاع عن حقه بيده.
وأكد أن المجتمع يمر "بأزمة كبيرة" وأسبابها في معظمها داخلية، وأوضح: نحن مجتمع تحت الاحتلال لكن في الهامش المتاح لنا يمكن أن نجعل حياتنا أفضل، ويمكن أن نخلق مساحات نتقدم فيها من خلال بناء المؤسسات بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، في الضفة وغزة يتم وضع الشخص بناء على "اللون والريحة"، وهذا حال محزن ويدفع الشباب للهجرة.
وأردف قائلاً: في عدة أحداث لم تقم الشرطة بتحقيقات كما يجب والنيابة لم تحقق مع الأشخاص المسؤولين، والقضاء لم يحاسب، وبالتالي ندفع الآن ثمناً هائلاً للتقاعس والفشل من قبل الأجهزة الرسمية، وأصبحت الناس تأخذ الثأر بيدها، المطلوب ليس تحميل الناس المسؤولية، لا يجب أن أقول مجتمع سيء بل قيادة سيئة، علينا أن نضع الأمور في نصابها.
وفي سياق متصل، اعتبر جبارين أن المسؤول عن جريمة اغتيال نزار بنات يجب أن يحاسب وأن يتم إنصاف الضحية وعائلته.
وقال: إنصاف الضحية إنصاف للمجتمع أيضاً، لأنها قضية مجتمعية كبيرة ومهمة جداً، ولا علم لي أين وصل للتحقيق، كل المعلومات لدي أن النيابة العسكرية تتولى التحقيق مع المتهمين وترتيب الملف.
وأضاف: الأمور لا تحتاج للسرعة بل مهنية وجدية في التحقيق، لا نريد حرق المراحل، لذلك القضية تأخذ بعض الوقت،
وكشف أن التحقيق الذي تجريه مؤسسات حقوق الإنسان وقف عند "نقطة مفصلية صغيرة مهمة ذات دلالات في إطار ما نحقق به، لسنا جهة القوة والإلزام للحصول على أنواع معينة من المعلومات".
وأردف: كان من المفترض أن يكون تقريرنا منشور وجاهز للاطلاع عليه، لكن الدقة تتطلب أن تكون مسؤول من الناحية المهنية، وما زلنا بذل الجهود والطواقم تنزل إلى الميدان في محاولة للوصول إلى مسائل تفضي إلى نتائج معينة.
وحول نية عائلة الشهيد نزار بنات التوجه للقضاء الدولي، قال: من حق العائلة أن تطرق كل الأبواب للوصول للإنصاف في قضيته، لكن إذا كان هناك جهد داخلي وطني في كل البلدان للتحقيق في القضايا، ويخرج باستنتاجات ويوجه اتهامات لأشخاص محددين ويتم محاسبتهم بموجب إجراءات عادلة وآلية تقاضي ناجز، هذا يقطع الطريق على أي تدخل خارجي سواء قضاء دولي أو وطني.
وتابع: إذا ثبت لاحقاً أن المسألة ليست أكثر من ذر الرماد في العيون ولم تتوفر العدالة والمحاسبة، يمكن البحث في مخارج أخرى على المستوى الدولي، مثلاً عندما لا يحقق جدياً يمكن هذا أن يفتح المجال للمقرر الخاص بحقوق الإنسان أن يتدخل ويضع تقريراً ويطالب بأمور محددة ومعينة.