فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تطفو على السطح بعد كل حادثة قتل في المجتمع الفلسطيني مصطلحات ومفاهيم عشائرية تدلل في غالبها إلى وجود قانون مواز وأكثر تأثيرا من القانون المدني الذي تتولى جهات إنفاذ القانون تطبيقه، بل والأخطر من ذلك أن للعشائر سلاحا ورجالا يطبقون قانونها كفورة الدم والقصاص وغيرها.
اليوم أصدرت الهيئة المستقلة بيانا يحمل نوعا من الاتهام لجهات إنفاذ القانون بأنها تتسامح مع بعض المفاهيم العشائرية كفورة الدم والتي قد تنتج عنها عمليات حرق وتدمير للممتلكات والبيوت على غرار ما حدث في الخليل خلال الأيام الماضية.
وفي السياق يقول الباحث القانوني عمار جاموس، إن هناك قواعد ثابتة في هذا الشأن أساسها أن ضعف الدولة دائما ما يؤدي إلى سيطرة سلطات اجتماعية أخرى، كالعشائر التي برزت نتيجة ضعف الدولة في فلسطين.
ويرى الباحث جاموس، أن السلطة استثمرت في كثير من الأحيان بالعشائر لغايات ومصالح حزبية، وهو ما أدى إلى ظهور مزيد من القوة والسطوة لدى العشائر، مقابل سلطات ضعيفة.
وأشار الباحث القانوني في حديث لـ"قُدس الإخبارية"، إلى أن العشائر في فلسطين تحظى بدعم السلطات، ففي الوقت الذي تضعف فيه الدولة يجب أن يكون هناك من يعبء هذا الفراغ، خاصة وأن السلطة غير قادرة على فرض سيطرتها على جميع المناطق، وفي هذه الحالة تلجأ السلطات إلى العشائر لفرض السيطرة ومساعدتها في تطويق النزاعات.
وقال: دعم السلطات الرسمية الكبير للعشائر يناقض مبادئ دولة القانون والدولة المدنية والمساواة بين الناس أمام القانون.
وأكد جاموس، أن عدم ثقة الناس بأجهزة إنفاذ القانون وانعدام الثقة بالجهاز القضائي النظامي وضعف تنفيذ الأحكام؛ أحد أسباب اللجوء إلى القضاء العشائري، فالناس يميلون إلى تفضيل حل النزاعات بفنجان قهوة ووقت أقل من خلال العشائر، مقابل إجراءات طويلة الأمد وضرورة توكيل محامي وغيرها في القضاء النظامي.
وأكد، أن قيام لجان الإصلاح العشائري بعملها خاصة في القضايا الجزائية ينطوي على اعتداء على حق الدولة في العقاب، ولكن الأخطر في ذلك هو لجوء السلطات نفسها إلى الحلول العشائرية في قضايا يتهم بها أفراد الأجهزة الأمنية، وكله يأتي في ظل حاجة الفلسطينيين إلى تجسيد السيادة ومضامينها على أرض الواقع.
ويرى مراقبون ومختصون بالشأن القانوني أن استحداث السلطة لهيئات داخل مؤسستي الحكومة والرئاسة تختص بشؤون العشائر هو عمليا اعتراف بهذه الظاهرة ومفاهيمها وشرعنة لما يخرج عنها من قرارات ومسلكيات قد لا تتفق مع القانون النظامي بل وتطغى عليه.
بدوره يرى الباحث علاء الجعبري من مدينة الخليل أن الحالة المتشكلة في مدينة الخليل ليست وليدة اللحظة، وليست إشارة إلى أن عائلة سيئة مقابل أخرى أكثر سوءا، ولكنها نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من حكم السلطة، حيث شكل الحكم واستراتيجياته وطريقة عمله هي التي أوصلتنا الى ما وصلنا إليه.
وتساءل الجعبري: "كيف نريد من أي شخص أن يتصرف وهو يرى من قام بإيذائه أو سرقته أو النصب عليه يخرج من السجن بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين!، وكيف سيتصرف من يلجأ لمؤسسات الدولة لحماية ولا يجد ن يغيثه ثم يجد ضالته العشيرة".
وقال الباحث الجعبري: "لا تُفكروا كثيرًا من الأسوأ فينا، كُلنا سيئون عندما تغيب الدولة ويغيب العدل والقانون، ولكن الأكثر سوءا فينا هو من وجد غطاءً أكبر من الدولة يفتح المجال أمامه لاقتناء كمية أكبر من السلاح وارتكاب الجرائم".
وبينت دراسة صادرة عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أن الإصلاح العشائري والقضاء غير النظامي يختلف جوهريا عن النظام الرسمي للدولة، ويجب ألا يشكل إحدى أدواتها تباعا، فالإصلاح العشائري ينظر إلى النزاعات والجرائم بطريقة أوسع من النظام الرسمي، باعتبار أن تأثيرها جمعي ومستمر على المنظومة الاجتماعية.
وأظهرت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "الإصلاح العشائري من منظور حقوقي وقيمي دستوري"، وجود تناقضات في خطاب السلطة تجاه منظومة الحلول العشائرية، فهي من جهة تتبنى قوانين وسياسة قائمة على مفاهيم "دولة القانون"، وتدعم بوسائل عدة الحلول العشائرية من جهة أخرى.