شبكة قدس الإخبارية

إلى جهاز الشرطة: ألا تأبهون أنكم لم تعودوا طموحاً لدى طفل فلسطيني صغير؟

e3f75ace-3754-4b6a-9a4c-05f007649d19
هند شريدة

 

في البدء، ظننت أنني وحيدة مع أولادي، وكان عليّ أن "أتصرّف" لأحمي زوجي، أُبَيّ العابودي، من الاعتقال السياسي، خاصة بعد اغتيال الأجهزة الأمنية للناشط والمعارض السياسي نزار بنات. فنحن -كما تعلمون وتشعرون- نعيش في دولة، صدرها ضيّق، ولا تحتمل التعددية، يُقصى فيها الأنقياء، ولا تحمي إلا "عظام الرقبة". فأنا لم أشهد في حياتي رغم سوس الفساد المتراكم، والذي نخر العصب، محاسبة لأحد. سبحان الله كيف يفلت جميع المتنفذون والأشباح المؤتمنون على حياتنا من العقاب، عندما يرتكبون جرماً جمعياً في المواطنين.

تقديري –بأني وحيدة- كان خاطئاً، وأنا أعتذر علانية، خاصة بعد انضمام الشرفاء الأحرار للوقفة أمام مركز مديرية شرطة رام الله والبيرة في منطقة البالوع بتاريخ 6 تموز، والذين توافدوا من أهالي المعتقلين المناضلَيْن الأستاذ عمر عساف، وتيسير الزبري، لتتسع الدائرة بعدها وتشمل العديد من الأصدقاء والحقوقيين، والإعلاميين، الذين هتفوا بصوت واحد: لا للاعتقال السياسي.

دعوني أطلق على الفيديو المقتضب أدناه (جزء من مراحل تطوّر القمعة)، مع التشديد أنها لم تطلني وحدي، وإنما طالت جميع الأحرار والشرفاء، وكنا جميعا خير سند لبعضنا البعض. فيديو (مراحل تطور القمعة) عبارة عن ثوان معدودة لاقتطاعات زمنية، لكن المحتوى ثابت، وهو مقتصر على هتاف واحد. الشطر الأول منه عبارة عن شعار يدّعيه المسؤولون، ويصيبوننا بالتخمة على قدر ما يكررونه، مختزل بـ: "يا دولة الحريات"... فيما يعتبر الشطر الثاني صرخة في وجه المنظومة القمعية: لا للاعتقال السياسي. 

لا بد أن الصوت العالي أزعجهم، والشعار قتل مدّعِيَه. فتمّ الاعتداء.

آسفة للإطالة، فموجة الغضب لم تنحسر بداخلي بعد، لكنها اختلطت بمشاعر الحزن الشديد، خاصة بعد الأسئلة التي تنهال علينا –أبي وأنا- من أطفالنا الثلاثة. لن أخفيكم، أطفالنا ليسوا بخير إطلاقاً، وهم بحالة نفسية سيئة، وبحاجة إلى إعادة تأهيل، بعد أن شاهدوا أمهم تُسَب، وتهان، وتسحل، وتضرب، وتشد من شعرها بعد أن رشّت بغاز الفلفل لتساق إلى مركز التوقيف. ليس أمهم فحسب، بل أسرتهم النووية، من عم، وجد، وخالة، وخطيبها طبعا بعد اقتياد أبيهم قبلنا جميعا. أطفالي خائفون جداً، وغسان (5 سنوات) لم يعد يريد أن يصبح شرطياً بعد الآن، وقال لي: (بطّل بدي تجيبيلي بدلة الشرطي على عيد ميلادي.. الشرطي طلع بخوّف).

إلى جهاز الشرطة: ألا تأبهون أنكم لم تعودوا طموحاً لدى طفل فلسطيني صغير؟

 لن أكرر ما حصل معي هنا، ولن أعيد شهادتي، فقد رددتها كثيرا وسأظل أرددها عبر الإعلام، ويمكنكم سماعها الليلة كاملة في تمام 8.00 مساء على شبكة قدس الإخبارية. لكنني أكتب لأقول شكرا عميقة من القلب، لجميعكم، لكل من توافد/ت، ووقف/ت، وهتف/ت، وضُرِب/ت بالهراوات، ورشّ/ت بغاز الفلفل، ومن شَدّ شعرهنّ، وصودرت هواتفهم/ن وكاميراتهم/ن، ووثّق/ت، ونشر/ت، وكتب/ت، وعلّق/ت، واتصل/ت، وبعث رسائل نصية وصوتية، ولكل من أغلقت بوجهه الخط لانشغالي بالموقف، ولمن حمى أطفالي، وطبّب والد زوجي (حماي) عندما رُش بغاز الفلفل، وأعطاني (جاكيته)، ولمن تعرفت عليه/ا للمرة الأولى داخل مركز التوقيف، وهم بالمناسبة كثر، ولجميع الإعلاميين/ات، ولمن كان باستقبالي لدى خروجي من مركز التوقيف، ومن غمرني وغمرتني بنظرة أو عبطة. شكرا لكل من قُهر/ت. شكرا لكم/ن على مشاعركم الجمْعية العميقة، والتي تدل على همّ مشترك تختلج به صدورنا.

أخاف أن أنسى أحداً، ولكن أتقدم بخالص شكري ومحبتي لكل شخص باسمه، أولهم عائلتي قاطبة، وعائلة زوجي قاطبة، ولرُلى أبو دحو من حمت أولادي، واشتبكت لتخلّص أختي من اعتداء "الشرطيات" عليها، وخطيب أختي أكرم، والعاملين والعاملات في مجلس إدارة مركز بيسان للبحوث والإنماء، والعاملين ومجلس إدارة ائتلاف أمان، ومنظمة علماء من أجل فلسطين. شكرا لوقفة د. ممدوح العكر، والأستاذ المحامي شعوان جبارين، والمحامي داوود الدرعاوي، وأبونا عطا الله حنا. 

وافر الصحة والعافية لعقيل عواودة، وهيثم سياج، وشادي عميرة. 

ستستغربون، لكن، أودّ شكر الشرفاء في الأجهزة الأمنية، أصحاب الضمائر الحية، الذين صرّحوا لي في الخفاء- وهم يعرفون أنفسهم جيدا- أنهم (مش مع المهزلة اللي عم بتصير) فهم يعانون أكثر منا جميعا من فساد وسوء المنظومة التي ينتمون إليها.

أكبر تحية خالصة من القلب، للشريف والأصيل، والمناضل، الذي يخوض معركة الكرامة، بسلاح أمعائه الخاوية، أخي الغضنفر أبو عطوان، ولأخته بنازير. هذا العسكري الصلب في جهاز الضابطة الجمركية، أنت تمثلني أيها الأصيل. أشكرك على اتصالك، وأنت في عزّ حاجتك إلينا.

رسالتي لمن يُصدر أوامر الاعتقال على خلفية سياسية ويصدر أوامر الاغتيال، والقمعات ضد أبناء شعبه: "طباخ السم بيدوقه".. الشعب الفلسطيني لا يحمل ذاكرة سمكة، الشعب الفلسطيني يحمل ذاكرة فيل. نحن لا ننسى، ولن ننسى. الشعب سيحاسبكم عبر صناديق الاقتراع.

 

#الأجهزة_الأمنية #اعتقال_سياسي