غزة - خاص قدس الإخبارية: بعد كل عدوان واسع على قطاع غزة، يُثار النقاش من جديد حول إعادة إعمار ما تم تدميره نتيجة الفعل العسكري الإسرائيلي، الذي يستهدف في كل مرة البنية التحتية والمنازل والمباني المدنية والمصانع والمنشآت الاقتصادية، وتعتبر آلية إعادة الإعمار من أكثر القضايا الإشكالية في هذا الجانب.
بعد عدوان 2014، تم جمع الأموال والموارد اللازمة للإعمار، لكن الأهم بالنسبة لـ"إسرائيل" تمثل في تقديم خطة مفصلة تتشارك هي والسلطة الفلسطينية ومصر والدول المانحة في الإشراف عليها ومراجعتها، بما يتيح لها السيطرة الكاملة على ما يدخل القطاع والتحكم في كمياته وكيفية التصرف به.
واتضح في حينها أن الكميات المُوافق والمُتفق عليها بين السلطة و"إسرائيل" وباقي الأطراف، ليست فقط غير كافية ولا تلبي الغرض المطلوب؛ وإنما تخضع أيضا لعملية تفتيش معقدة ومركبة تعيق بشدة عملية إعادة الإعمار بسبب تأخر المواد في الدخول، وهو ما أثر على العملية برمتها، خاصة في ضوء البيروقراطية الحادة التي ترافق استلام تصاريح البناء وإدخالها بما يتوافق والشروط الإسرائيلية.
ولعب مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) دورا مشبوها في عملية إعادة الإعمار السابقة، توضح مصادر لـ"شبكة قدس". مشيرة إلى أن ممثلين عن المكتب كانوا يزورون المنزل أو المبنى أو المنشأة المتضررة ويقومون بتقييم الضرر، ومن ثم يمررون قائمة بالاحتياجات إلى حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، بحيث تتفقان نهائيا على الموافقة من عدمها على القائمة.
وفي المرحلة التالية، كان مكتب (UNOPS) يحصل على التصاريح اللازمة لشراء مواد البناء، ويتم تسليمها للمتقدم بطلب التعويض من مستودعات التخزين للتجار في غزة بعد التوقيع على تعهد خطي بأن المواد سوف تستخدم فقط لبناء منزله أو منشأته.
وتجاوز دور السلطة في عمليات الإعمار السابقة التنسيق مع الاحتلال بخصوص الموافقة على قوائم المواد اللازمة، والتي كما أشير سابقا أنها لم تكن كافية، بل وصل الحد إلى أن تمنح "إسرائيل" عينا داخل مخازن ومنشآت قطاع غزة بالتعاون مع (UNOPS).
وكانت شركة الخدمات التجارية الفلسطينية المملوكة لصندوق الاستثمار التابع للسلطة الفلسطينية تقوم بتخزين المواد لدى تجار في غزة يمتلكون مستودعات كبيرة، ومن ثم يتم إخضاع هذه المستودعات للإشراف المستمر من مفتشين يعملون في (UNOPS) وكاميرات فيديو مثبتة ومرتبطة بأجهزة إلكترونية لدى مخابرات وجيش الاحتلال، كما تشير مصادر "شبكة قدس".
وتوضح المصادر أن السلطة بالتنسيق مع "إسرائيل" كانت تفرض شروطا على التجار الذين يرغبون في الحصول على كميات كبيرة من مواد البناء من مستودعات التوزيع - المشار إليها سابقا، من بينها تركيب كاميرات داخل مخازنهم ومستودعاتهم لمراقبة ما يجري على مدار الساعة وتقديم تفاصيل دقيقة عن مشتري المواد.
وهذه الشروط جزء بسيط من بروتوكول الإشراف والرقابة الذي لم يعلن عنه في حينها، تكشف المصادر، إذ أن السلطة - بالتنسيق مكتب (UNOPS) و"إسرائيل"، طلبت من أصحاب الجرافات والحفارات التي تشارك في عمليات إعادة الإعمار تثبيت أجهزة GPS بحيث يمكن تتبع تحركاتها والتحقق من تفاصيل عملها من خلال مراقبتها بوسائل تكنولوجية.
وأُجبر أصحاب مصانع الطوب على تثبيت كاميرات تسمح بمراقبة المصنع من كل الاتجاهات، تقول المصادر، ويتم توصيل هذه الكاميرات عبر خط إنترنت وكانت مجهزة بأجهزة إلكترونية متطورة، بحيث يمكن تشغيلها حتى أثناء انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة للاشتراط عليهم بأن يكون المصنع مزودا بأجهزة كمبيوتر خاصة لحساب المواد وحجم الإنتاج، وهذه المعطيات والصور والفيديوهات كانت تحت عين مخابرات الاحتلال على مدار الساعة.
وتخضع المعدات التكنولوجية التي تثبت في المنشآت والمستودعات والمصانع للرقابة والإشراف من قبل ممثلي مكتب الأمم المتحدة للمشاريع (UNOPS) للتأكد من جاهزيتها وتوافر الشروط اللازمة فيها من ناحية أمنية، ويتم إرسال تقرير مفصل من قبل ممثلي (UNOPS) إلى "إسرائيل" للموافقة على عمل المصانع أو المستودعات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، ومن لا يحصل على موافقة إسرائيلية يتم سحب التراخيص منه، تضيف المصادر.
وتوضح المصادر أنه لم يكن يُسمح لصاحب المصنع ببيع الطوب الذي يصنعه أو مواد البناء التي بحوزته دون موافقة ممثلي مكتب الأمم المتحدة للمشاريع، وأي شخص يخترق هذه الشروط يتم إلغاء ترخيصه الخاص باستلام مواد البناء ولن يتمكن بعد ذلك من إنتاج الطوب.
وأتاحت الشروط السابقة التي كان مكتب الأمم المتحدة للمشاريع (UNOPS) يشرف على تحقيقها، لإسرائيل، الإمكانيات على تحديد كميات مواد البناء أو الموافقة عليها أو رفضها وهو ما جعلها مسؤولة بشكل مباشر عن وتيرة ترميم البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، وحقق لها كذلك أهدافا استخباراتية وعسكرية.
وتشير مصادر مطلعة على ملف إعادة الإعمار إلى أن حركة حماس وضعت محددات في هذا السياق بعد العدوان الأخير، وذلك لتجاوز الثغرات التي اعترت العملية السابقة، ومن أهمها أن لا تكون للاحتلال سيطرة على الملف بما يمكنه من استخدامه كورقة ابتزاز بحق المقاومة في قطاع غزة في ما يتعلق بقضية تبادل الأسرى أو غيرها من الملفات.
وتضيف المصادر أن التقدير بأن تدخل السلطة بالشكل الذي كان عليه سابقا هو إعادة إنتاج للدور الإسرائيلي المتنفذ في عملية إعادة الإعمار بكافة تبعاته الأمنية والعملياتية، وهو ما من شأنه أن يعمل على تأخير العملية ككل وعدم إنجازها بالشكل المطلوب.
ولذلك، قدمت حماس اقتراحا من مجموعة محاور، أهمها أن يتم الإشراف على الملف من خلال لجنة محلية مستقلة ترأسها شخصية مقبولة دوليا، على أن يكون لمصر الدور العملي الأبرز في إعادة الإعمار يتمثل في مشاركة شركات مصرية، وفق ما أوضحت مصادر "شبكة قدس".
وفي السياق قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي إن حركته مرنة جدا في ملف الإعمار، وهي ترى أن الأهم -بعيدا عن التفاصيل، هو إعادة بناء ما تم تدميره من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال معركة سيف القدس.
وأضاف أن الآلية التي عُمل على أساسها في 2014 عقيمة ولا تلبي حاجات الشعب الفلسطيني، وهناك بيوت ومؤسسات لا تزال تنتظر عملية البناء منذ سنوات، وهي آلية مرفوضة من قبل حركة حماس والكل الفلسطيني ولا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال.
وشدد في مقابلة مع شبكة قدس أن الأصل هو الإسراع في إعادة الإعمار بآليات جديدة فيها نوع من الجدية والسرعة، والمقترحات في موضوع الإشراف كثيرة، من بينها هيئة وطنية أو لجنة مستقلة من قطاع غزة لكن الأهم هو الإنجاز وإعادة بناء ما تم تهديمه.
وتوضح مصادر في السلطة الفلسطينية لـ"قدس" أن السلطة تصرّ على أن يكون لها الدور الأهم في عملية إعادة الإعمار وقد أبلغت المصريين وأطراف عربية ووزير الخارجية البريطاني دومينيك راب والمبعوث الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانز بذلك، وهو مطلب تتفق معه "إسرائيل" وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد ما.
وتخشى السلطة في السياق السياسي من أن تتحول العملية إلى فرصة لبناء علاقات بين حركة حماس ودول عربية أو أوروبية، وهو ما يعني التعامل مع الحركة كلاعب أساسي في الساحة الفلسطينية، وهو السبب الذي يفسر الزيارات التي أجراها رئيس الحكومة محمد اشتية على دول عربية تعهدت بالمساهمة في إعادة الإعمار، وفق المصادر.