فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في حلقته الثانية ناقش برنامج "المسار" قضية جرائم القتل التي هزت المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، والحراكات الأخيرة التي خرجت في بلدات عديدة تنديداً بتواطؤ شرطة الاحتلال مع عصابات الإجرام، والخلفيات السياسية والاجتماعية ومسؤولية دولة الاحتلال عن الظروف التي أدت لتفشي الجرائم.
البرنامج الذي تقدمه الزميلة لينا أبو حلاوة عبر "شبكة قدس"، استضاف قياديين بأحزاب الداخل المحتل، وباحثاً للحديث حول مختلف الجوانب المتعلقة بقضية تفشي الجرائم.
عودة للبدايات
يرى القيادي في حركة أبناء البلد، محمد كناعنة، أن تحليل أسباب الجرائم في الداخل الفلسطيني المحتل يجب أن يعود إلى زاوية أن الفلسطينيين في الداخل هم جزء من الشعب الفلسطيني الذي تعرض للتهجير والاقتلاع من أرضه.
ويعود كناعنة إلى انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 2000، وشارك فيها آلاف الفلسطينيين بالداخل المحتل، ويقول: المؤسسات الصهيونية بما فيها الاستخبارات درست الحالة وقررت اتخاذ إجراءات استراتيجية تمثلت بقرارات "لجنة أور"، التي تباكت بعدها بعض الأحزاب العربية، رغم أنها وافقت على الذهاب لها.
وأكد أن المؤسسة الصهيونية عملت على "تفكيك المجتمع الفلسطيني بالداخل"، من خلال محاولة منع الشباب من التوجه للمشروع والنضال الوطني، والتركيز على افتتاح مراكز الشرطة، وتجنيد الشبان في الأجهزة المختلفة، في إطار ما يسمى "الخدمة المدنية"، ليتحولوا إلى جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية والصهيونية.
وأكد أن المؤسسة الصهيونية أغرقت المجتمع الفلسطيني "بالعنف"، من خلال تجاهل القضايا الحارقة للمجتمع مثل الأرض والمسكن وغيرها من القضايا المعيشية، وهي من العوامل التي تدفع إلى "الجريمة".
وتابع: عندما يفقد الإنسان أمنه الشخصي إما أن يلجأ إلى الدولة والشرطة وهذا في الوضع الطبيعي، وإما أن يلجأ إلى الجهة التي تهدد المجتمع وهي عصابات الإجرام المنظمة.
وأشار إلى رؤى مختلفة في المجتمع الفلسطيني بالداخل المحتل للتعامل مع شرطة الاحتلال، وأوضح: هناك من يرى في الشرطة والدولة الجهة التي تحارب الجريمة، وهذا في اعتقادنا خطأ لأن هذه الجرائم موجهة من الشاباك والمؤسسة الصهيونية، وهناك "شبه اتفاق" بين عصابات الإجرام والأجهزة الاستخباراتية، للتغاضي عنها شرط أن لا يمس النشاط الإجرامي المجتمع الصهيوني.
ما هي علاقة الحراك بالأحزاب؟
وقال رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، كمال الخطيب، إن الحراك الحالي ضد جرائم القتل "ليس له أي لون حزبي"، وتابع: الحراك شعبي بكل ما للكلمة من معنى، وتجاوز حدود الأحزاب والشعارات، وأجمع الشبان في أم الفحم والمواقع الأخرى أن يكون حراكاً شعبياً وحدوياً.
وتابع: لأن أم الفحم من أكثر القرى التي مسها "فيروس العنف" وقتل كثير من أبناء المدينة، وبعد تظاهرة في المدينة قبل أسابيع، أحد الشبان الذي شارك فيه قتل بعد عودته منها، لذلك فإن الغضب في المدينة كان متقدما.
وأكد أن الحراك تجاوز القيادات والفصائل وبإمكانه أن يجرها إلى ساحة المواجهة مع الشرطة، لكن هناك وعيا في الحراكات لن يصوب سهامه إلا تجاه المؤسسة الإسرائيلية وشرطة الاحتلال.
واعتبر الخطيب أن الشباب "كفروا" بأطروحات التيارات التي لا تزال تعول على شرطة الاحتلال، وتنتظر وعودات نتنياهو أنه سيخصص مبالغ "لمحاربة الجريمة"، وهناك مع الأسف من يروج لسياساته في الداخل الفلسطيني.
من جانبه، أشار كناعنة إلى أن القوائم والأحزاب العربية التي تخوض انتخابات الكنيست، عندما "هللت" لما يسمى "الخطة الحكومية لدعم المجتمع" المعروفة باسم "خطة 992"، على أساس أن الميزانيات بهدف إنقاذ المجتمع من الجريمة، "هو كلام غير دقيق"، لأنه "في إطار هذه الميزانيات رصدت المؤسسة الصهيونية، مبالغ لبناء مراكز شرطة الاحتلال وتجنيد شبان من المسلمين لصالح الشرطة، التي تقسم المجتمع الفلسطيني إلى فئات بهدف التفتيت".
إفقار الفلسطينيين في الداخل وسياسات "الكسب" من الجريمة
واعتبر الكاتب والباحث محمد قعدان، أن "الوعودات" التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مؤخراً حول محاربة الجريمة بين الفلسطينيين في الداخل المحتل، ليست فقط "وعوداً كاذبة" بل هي جزء من "الإجرام المنظم".
وأوضح أن نتنياهو يقترح زيادة أعداد مراكز الشرطة في القرى الفلسطينية بالداخل، وهو ما يندرج ضمن ما أسماه "نمط الكسب والعيش من السلاح والجريمة والمنظومات الأمنية".
ويعود قعدان إلى بداية الحكم العسكري الذي خضع له الفلسطينيون في الداخل بعد النكبة، ويقول: اعتمد الفلسطينيون في تلك المرحلة على الزراعة، وهو ما اعتبرته المؤسسة الإسرائيلية، استقلالية في مصادر الدخل، لذلك وضعت خططاً متعددة للسيطرة على كل أنماط العيش ومصادر الدخل للمجتمع الفلسطيني في الداخل.
ويشير إلى خطط مختلفة وضعتها المؤسسة الإسرائيلية لحرمان الفلسطينيين من الزراعة، بينها الخطة التي أقرها دايان وتقوم على قطع مصادر المياه عن القرى والبلدات الفلسطينية بالداخل، لإجبار المجتمع على الهجرة عن الزراعة، وسبق ذلك مصادرة مساحات واسعة من الأراضي.
وأضاف: بعد السيطرة على الأرض وإجبار الفلاحيين على هجرة الزراعة، تحول الفلسطينيون إلى عمال في السوق الإسرائيلي وهو ما يسهل السيطرة عليهم.
ويعتبر أن وصول المجتمع الفلسطيني إلى الوضع الحالي من تفشي الجريمة لم يتم عن طريق خطة واضحة من جانب مؤسسات الاحتلال، ويقول: الذي حدث أن سياسات الإفقار وسلب الفلسطينيين أرضهم دفع المجتمع للتوجه إلى التكسب من التجارة بالسلاح والجريمة المنظمة، والسياسة "النيوليبرالية" التي اعتمدتها الدولة لاحقاً شجعت على هذا المسار، من خلال سياسات الأمن وكاميرات المراقبة وغيرها.
هل فشلت الأحزاب ولجنة المتابعة العليا في الداخل؟
يرى الشيخ كمال الخطيب أن الأحزاب ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، "فشلت" في صياغة برنامج سياسي وطني يلتف حوله الفلسطينيون في الداخل.
وتابع: حينما يكون توجه القائمة الموحدة لتعليق الآمال على خطة حكومية سيقرها نتنياهو، وعندما تطرح القائمة المشتركة قناعات تتناقض مع أخلاقيات شعبنا وتساهم في حالة الاحتقان بالداخل، من أهم أسباب الواقع الذي نعيشه اليوم بسبب خطط إسرائيلية، أولها التهجير في 1948، وأسرلة المجتمع عن طريق مسخ الهوية، وتفتيت المجتمع من خلال العنف ونشر السلاح وتفشي الجريمة والعصبيات العائلية وخلق الفتن الطائفية.
وأكد أن "المؤسسة الإسرائيلية هي المستفيد الوحيد مما يجري، لأنها فتحت مخازن السلاح ليتم إخراج 400 ألف قطعة سلاح، وهو ما تحدث عنه وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان سابقاً، وتم ضخها في المجتمع العربي".
ورداً على سؤال ما هو المطلوب لبناء لجنة المتابعة العليا، قال: مصدر قوة اللجنة أن تنتخب بشكل مباشر من الجماهير الفلسطينية في الداخل، اليوم تمثل جسماً توافقياً، أن يكون الأعضاء منتخبين يمثل نقلة نوعية على صعيد التمثيل السياسي لفلسطيني الداخل، وحتى نحقق الظرف الذي يسمح بإجراء الانتخابات لا بد لأبناء شعبنا أن آمالهم التي يعلقونها على المؤسسة الإسرائيلية، مثل "وعد إبليس بالجنة"، وهل يمكن أن نجد الماء في النار؟ هل نجد حلاً لمشاكلنا عبر المؤسسة الإسرائيلية التي تقف خلف هذا الواقع؟
ويؤكد كناعنة أن الأحزاب ولجنة المتابعة "لا تملك برنامجاً سياسياً واحداً"، وأشار إلى أن هناك من يشكك في لجنة المتابعة ويعمل على تقويضها "لصالح مصالح حزبية"، حسب وصفه.
وتابع: الحراكات الشبابية الناشطة خلال المرحلة الحالية إذا لم يكن لها سقف سياسي وطني، لن تحقق ولا أقول ستفشل ونحن نضالنا طويل، لذلك يجب أن تتبنى رؤية وبرنامجاً سياسياً واضحاً.
ما البديل؟
وأكد كناعنة أن قضية الجريمة "لا يمكن تناولها بمعزل عن قراءة المسار والصيرورة التاريخية للفلسطينيين في الداخل منذ النكبة"، وأشار إلى أن "سلطات محلية في الداخل تخضع لعصابات الإجرام التي تتحكم بالميزانيات والوظائف، وقد أدركت عصابات الإجرام أن الميزانيات مصدر للغنى والثراء".
واعتبر أن البديل عن الوضع الحالي، هو "بالعودة للبرنامج الوطني وأن نتوحد في سياسة الاحتلال"، وقال: "الخطاب البديل موجود ولكن الأداة غير موجودة، والحركة الوطنية في الداخل المحتل تعاني من أزمة بنيوية تعود لعوامل ذاتية وموضوعية، بينها ملاحقة السلطات الصهيونية للنشطاء والقيادات، نحتاج لبرنامج وطني مناسب للحالة التي نحياها، نحن نؤمن أن التحرير والعودة هي الحل النهائي، وحتى نصل لهذه المرحلة يجب أن نناضل في كل القضايا التي تهم شعبنا، ومواجهة الجريمة جزء منها".
مواجهة الأسرلة
ويقول الباحث قعدان إن مفهوم "الأسرلة" جرت عليه تحولات خلال السنوات الأخيرة، ويوضح: دعونا نفكر بمفهوم الأسرلة، هل تريد المؤسسة أن نكون جزءاً من الجماعة الإسرائيلية؟ بالطبع لا تريد ذلك، لكن الهدف هو اختراق المجتمع عن طريق "العنف" كمشروع سياسي للهيمنة.
ويضيف: المشروع السياسي الموجه لفلسطيني الداخل منذ أواخر التسعينات، هو تشويه الهوية ونشر العنف والجريمة المنظمة في البلدات الفلسطينية، ومحو الوجود الفلسطيني بالداخل.
ويرى كناعنة أن الأسرلة "ليست بنشر الجريمة أو خنق القرى"، بل "بدأت منذ إقامة الكيان الصهيوني، ومستمرة حتى اليوم في محاولة أن نتبنى الفكرة الصهيونية، وأن نقبل أن "إسرائيل" دولة شرعية".
ويتابع: "أن نكون جزءا من المؤسسة العسكرية والأمنية؛ خيانة، أن نصبح جزءاً من الأحزاب الإسرائيلية خيانة".
متواصلون
ويؤكد كناعنة أن هناك "قطيعة" من قبل المؤسسة الرسمية الفلسطينية مع الشعب بشكل عام، ويضيف: "برنامج منظمة التحرير تخلى عمليا وسياسياً عن 78% من فلسطين، وليس عن الشعب فقط، والجماهير الفلسطينية تتصرف على أساس أنها واحد، وفي ظل شبكات التواصل نرى كم التفاعل بين أبناء الشعب الواحد والتأكيد على الهوية الجامعة.
وأكد أنه "رغم تخلي المؤسسة الفلسطينية عن فلسطيني الداخل سيبقى الشعب واحداً موحداً ولن تفرقه البرامج السياسية".
وقال: "يجب أن نعود إلى القضايا الوطنية لمواجهة المصادرة والهدم، وأن نكون مجتمعاً عصامياً وموحداً ونلتف حول بعضنا، وأن نناقش خلافاتنا بطريقة راقية وهادئة، من هنا نضع أقدامنا على طريق مواجهة الجريمة".
واعتبر قعدان أن هاشتاغ "متواصلون" الذي أطلقه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، للتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ورفض الخضوع لسياسات الاحتلال لمنع الفلسطينيين من التواصل مع بعضهم، "مبادرة جيدة لتأسيس علاقات بين الفلسطينيين في الداخل والضفة وغزة".
وأضاف: لكن هذه حملة إعلامية ويجب أن لا نكتفي بها، ونطمح إلى تعاون حقيقي بين المؤسسات والحراكات المختلفة في الضفة وغزة والداخل والشتات، وخلال سنوات دراستي في الجامعة كانت هناك مبادرات حقيقية للتعاون مع الأطر والفعاليات في جامعات الضفة خاصة.