رام الله - خاص قُدس الإخبارية: أعاد الإعلان الذي صدر عن الحوار الفصائلي في القاهرة، الليلة الماضية، طرح أسئلة عديدة حول السيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة، بخصوص الانتخابات، والقضايا التي خلقها الانقسام طوال السنوات الماضية.
"قُدس الإخبارية" حاورت الباحث والكاتب ساري عرابي حول قضايا متعلقة بالبيان الفصائلي والانتخابات وغيرها:
بداية ما هو تقييمك للنقاط التي تضمنها الإعلان الذي صدر عن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة؟
الإعلان يأتي في نفس المسار السابق وهو "إجراء الانتخابات في ظل الانقسام"، وجرى ترحيل القضايا الخلافية الكبيرة مثل توحيد المؤسسات وغيرها إلى ما بعد الانتخابات، بمعنى أن الفائز في الانتخابات وهو من سيشكل الحكومة، سيفرض رؤيته في هذه القضايا.
بعض القضايا الأخرى التي حصلت في سياق الانقسام مثل رواتب النواب المقطوعة، وحجب المواقع الإلكترونية، وقطع رواتب عدد من الأسرى كان يجب أن تُحل في الحوار.
من الواضح أن فتح "أخذت ولم تعطي" في قضايا مثل المحكمة الدستورية التي قد تؤثر على الانتخابات، والفصائل وافقت على أن يكون المسار تحت إشراف الرئيس عباس، وقد أوصت في بعض القضايا برفعها له وهو من يقرر فيها.
ما هي العوامل التي أوصلت إلى الإعلان الذي صدر عن اجتماع الفصائل الليلة؟
من الواضح أن الإعلان الذي صدر عن اجتماع الفصائل، كان متفقاً عليه مسبقاً بين فتح وحماس، أو بالتحديد بين نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، وعضو اللجنة المركزية لفتح، جبريل الرجوب، وعملياً لم تجري حوارات في اليوم الأول للاجتماع، فلو أن كل فصيل من الحاضرين ألقى خطاباً لدقائق بالإضافة لكلمات المسؤولين المصريين الراعين للحوار، فينقضي اليوم الأول هكذا دون نقاشات معمقة.
لذلك فإن النقاط التي أعلنت عنها الفصائل اتفق عليها فعلياً مسبقاً، في اجتماعات اسطنبول التي جرت بين وفدين من حماس وفتح.
ما هي الأسباب التي تقف خلف الذهاب في هذا المسار؟ هل هناك استعجال من حماس وفتح في التوجه للانتخابات؟
حماس تقول إنها ستذهب للانتخابات دون تنازلات مسبقة، بمعنى أنه لا يوجد "اشتراطات" مسبقة عليها، كما صرح قادتها، وترى أن هناك ضمانات من بعض الدول للدخول في منظمة التحرير، حيث جرت تفاهمات أن أعضاء المجلس التشريعي هم تلقائياً أعضاء في المجلس الوطني.
وترى حماس أن الكل فشل في المرحلة الماضية، بالخروج من المأزق واستنهاض الفلسطينيين، ويجب التخلص من المسار السياسي السابق، وتحاجج الحركة أنها في حال لم تشارك في الانتخابات فإن الرئيس عباس سيجريها بشكل منفرد في الضفة المحتلة، وتنظر حماس للانتخابات كفرصة للتخفف من أعباء السلطة، مع الاحتفاظ بسلاح المقاومة في غزة، وهذه الحجج كلها عليها ملاحظات من جانب المراقبين.
برأيك هل يوافق الرئيس عباس على استلام السلطة في غزة مع استمرار احتفاظ المقاومة بسلاحها؟
يجب النظر إلى بنية السلطة وفتح عند تناول هذه القضية، برأيي فإن الرئيس عباس لن يوافق على استلام غزة مع استمرار وجود سلاح المقاومة.
عند النظر إلى بنية السلطة، هل حصل عليها تغييرات جوهرية خلال المرحلة الماضية؟ خلال السنوات الماضية اتخذت إدارة ترامب خطوات أضرت بالمشروع السياسي للسلطة، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، ونقل السفارة لها، ومشروع صفقة القرن، والمضي بمخططات ضم الضفة، وهذه كلها كان من المفترض أن تفتح على "تغيير جوهري" في تفكير وسلوك فتح والسلطة، لكن السلطة لم تذهب باتجاه تغيير سلوكها.
والآن مع وصول بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ما الذي يجعلنا نتوقع تغييراً على سلوك السلطة؟ خلال السنوات الماضية رغم كل الإجراءات التي أقدمت عليها دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية، لم تذهب السلطة وفتح باتجاه انتفاضة ومقاومة شعبية، رغم التفاهمات التي جرت على ذلك بين العاروري والرجوب.
وهذا يدفعنا للنظر إلى الدوافع خلف قرار الرئيس إجراء الانتخابات، الفكر السياسي للرئيس عباس يرى أن الجميع يجب أن يكون تحت السلطة، حماس وفتح وغيرها، ويرى أن السلاح يجب أن يكون موحداً تحت مفهوم "الشرعية" ووحدانية السلطة، لذلك فإنه لا يقبل بوجود سلاح آخر غير الموجود مع السلطة.
إذا هل لنا أن نصف التفاهمات الحالية بأنها "مفخخة" وقد تقود إلى خلاف في المرحلة المقبلة؟
لا شك الا بالقدر الذي تقبل به حركة حماس من مشاركة أو تنازلات، ما هي حظوظ حماس بالفوز في الانتخابات المقبلة؟ إذا نظرنا إلى انتخابات 2006 فإن الحركة حققت فوزاً كاسحاً في الدوائر بينما لم تتقدم إلا بمقعد واحد على فتح في القوائم النسبية.
ولدينا عوامل وظروف ولدت في المرحلة الماضية، المخاوف التي تسكن الذاكرة الفلسطينية من الحصار الذي فرض على الحكومة التي شكلتها حماس بعد الانتخابات في 2006، وعدم نجاحها في إدارة قطاع غزة بالشعار الذي رفعته "يدٌ تبني ويدٌ تقاوم"، كلها عوامل تؤثر في حظوظ الحركة بالفوز.
من ناحية أخرى، إذا فازت حركة حماس بالانتخابات فهل تسلم فتح بالنتائج؟ التجربة التاريخية مع الحركة أنها من المستبعد أن تقبل بذلك، وفي حال فازت فتح هل لدى حماس استعداد لتسليم قطاع غزة في ظل وجود سلاح المقاومة؟.
في حال اتفقت فتح وحماس على قائمة مشتركة لخوض الانتخابات، فإنها ستكون شكلاً غريباً حيث ستجمع بين "الانقسام والوحدة"، وهذا شيء هجين لم نعرفه مسبقاً.
برأيك ما هو البديل الذي يجب أن يطرح على الأقل نظرياً؟
كل فصائل الحركة الوطنية يجب عليها أن تطرح البديل، ليس فقط عن طريق "الشعارات" بل ببرنامج عملي. الفصائل التي قررت مقاطعة الانتخابات أو التي لم تتخذ قرارها حتى الآن بالمشاركة، مطلوب منها أن تتقدم ببرنامج سياسي بديل عن الأوضاع الحالية، وأن لا نكون فقط أمام خيارين: إما المشاركة في المسار الحالي، أو المقاطعة دون تقديم بدائل والعمل عليها.
الفصائل التي قاطعت الانتخابات لأنها محكومة "بسقف أوسلو"، يجب أن لا تكتفي بالمقاطعة بل تقدم برنامجاً بديلاً تطرحه على بقية شركاء الحركة الوطنية، وأن تبني مؤسسات سياسية ليس شرطاً أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير، بل تشكل ضغطاً على فتح والسلطة للقبول ببرنامج وسياسات أخرى.
حماس مطلوب منها أن تقدم "جردة حساب" لماذا لم تتمكن من طرح بديل خلال المرحلة الماضية، وأن تقنع الجماهير به.
خلال السنوات الماضية كان هناك حراكات شبابية وهبات في الضفة والقدس ضد الاحتلال، لكن الفصائل لم تنجح للأسف بالتقاط هذه الفرصة لخلق مسار بديل عن توجهات السلطة.
هل ستجري انتخابات المجلس الوطني في ظل الظروف الحالية أم ستتجه الفصائل للاتفاق على توزيع المقاعد؟
هذه القضية مرهونة بالنتائج التي ستفرزها انتخابات المجلس التشريعي، بمعنى أن المقاعد التي سيخرج بها كل فصيل ستحدد شكل مشاركته في المجلس الوطني، لأن الاتفاق على أن أعضاء التشريعي هم تلقائياً أعضاء في المجلس الوطني.
بالنظر إلى ظروف الشتات الفلسطيني، فلا اتوقع إجراء انتخابات للمجلس الوطني، ففي الأردن مثلاً هناك إشكالية تتعلق "بازدواجية المواطنة" نظراً لأن غالبية الفلسطينيين هناك يحملون الجنسية الأردنية، ولم تجري خلال الفترة الماضية جهود للاتفاق مع الأردن على صيغة لمشاركة الفلسطينيين فيه بانتخابات المجلس الوطني، وكذلك فإن الأوضاع صعبة في سوريا ولبنان.
في المرسوم الذي أعلنه الرئيس بخصوص الانتخابات لم يحدد في نصه أن اختيار أعضاء المجلس الوطني سيكون بالانتخابات، كما أن البيان الختامي بعد حوار الفصائل تحدث عن انتخاب الأعضاء حيث أمكن ذلك واختيارهم في الظروف التي تسمح بذلك.
تاريخياً، لم تجري انتخابات للمجلس الوطني بل كانت الفصائل تتوافق فيما بينها على اختيار الأعضاء وفقاً لنسب معينة.