شبكة قدس الإخبارية

منذ عبد الناصر وحتى السيسي... كيف كانت علاقة فلسطين بالنظام المصري؟

فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: منذ بدايات انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، جمعتها علاقات تراوحت بين المساندة والتعاون الكاملين، و"العداء" أو الخصومة"، مع مصر، وقد حكم التغيير في العلاقات بين الطرفين التغييرات التي حدثت على النظام المصري.

بعد النكبة، تسلمت مصر إدارة غزة وارتبط مصير القطاع وشكل حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالتطورات في مصر، وكان للهزيمة التي لحقت بالجيش المصري خلال حرب 1967، رغم القتال الشرس الذي قدمته وحداته بمشاركة المقاومة الشعبية، آثاراً كبيرة على حياة الفلسطينيين في القطاع، الذي أصبح تحت الاحتلال الإسرائيلي.

قبل سقوط القطاع في يد جيش الاحتلال، الذي سبقه عدوان 1956 وتعرض خلاله القطاع لمجازر واحتلال قصير، حكمت ظروف عديدة طبيعة العلاقة بين النظام المصري والفلسطينيين في القطاع، عاش اللاجئون الذين أجبرتهم المجازر الصهيونية على مغادرة قراهم حياة قاسية في مخيمات غزة، وهو ما شكل فرصة لخروج الطلائع الأولى لحركات التحرر الوطني الفلسطيني المعاصرة، واشتعلت غزة في سنوات ما قبل 1967 بحراكات وتظاهرات عديدة تنوعت شعاراتها بين المطالبة بتسليح الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم في وجه غارات جيش الاحتلال التي شنها على مواقع داخل القطاع، ورفضاً لمشاريع التوطين التي أطلقتها قوى دولية عديدة أرادت استغلال حالة الفقر الشديد التي عاشها اللاجئون في سنوات الخمسينات خاصةً.

دفعت الاحتجاجات والتظاهرات في القطاع النظام المصري لتسليح وتدريب المئات من الشبان وضمهم لوحدات كانت تنتشر في غزة، وكان هذا أحد العوامل التي ساعدت المقاومة التي انطلقت في القطاع بعد الاحتلال، وظهرت في غزة خلايا وتنظيمات صغيرة نفذت عمليات تسلل وضرب لأهداف إسرائيلية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، كانت بعضها نواة لحركات ظهرت لاحقاً مثل فتح وغيرها.

لم تكن قوى المعارضة مثل الإخوان المسلمين والشيوعيين في القطاع "بأحسن حال"، خلال فترة الإدارة المصرية للقطاع، فتأثرت بالصراعات بين النظام و"أخواتها" في مصر، وهو ما ينسحب أيضاً على الضفة الغربية التي كانت سطوة النظام الأردني عليها "أكثر قسوة"، كما يؤكد مؤرخون، حيث منعت السلطات ولاحقت مختلف القوى السياسية ولم تستجب للمطالب الشعبية بتدريب وتسليح الناس للرد على الاعتداءات الإسرائيلية.

في بدايات انطلاق فتح، نظر النظام المصري بعين "الشك والريبة" تجاه الحركة الجديدة حينها، حيث رفعت الحركة شعارات مخالفة لأطروحات حركة "القوميين العرب" التي جمعتها علاقات جيدة مع النظام، فقد اعتبرت فتح أن "تحرير فلسطين هو الطريق لوحدة الأمة العربية"، وأن "الشعب الفلسطيني يجب أن يأخذ على عاتقه تنظيم نفسه للكفاح المسلح ولا يتنظر أحداً ليطلع بمهمته"، وأكدت الحركة في بياناتها ونشراتها التي أصدرتها في بداياتها، أن الكفاح المسلح سيقود لقيام جبهة عربية في مواجهة كيان الاحتلال.

في حين اعتبر النظام المصري والمقربين منه أن حركة فتح تعمل على توريط الدول العربية في معركة "غير محسوبة"، قبل أن تنهي استعداداتها لمواجهة دولة الاحتلال.

بعد النكسة: تغيير على العلاقات بين فتح ومصر


شكلت هزيمة 1967 اللحظة التاريخية التي تقدمت خلالها حركات المقاومة الفلسطينية لتتصدر مشهد مواجهة كيان الاحتلال، بعد الضربة والفشل الكبير الذي أصاب أداء الجيوش العربية في المعارك، وتغيرت نظرة النظام المصري إلى حركة فتح تدريجياً، وكانت أولى اللقاءات مع الرئيس جمال عبد الناصر في شهر نوفمبر 1967 بعد أن طلب فاروق القدومي، أحد مؤسسي الحركة، من الصحفي والكاتب محمد حسنين هيكل المقرب من عبد الناصر، أن "تكون العلاقة بين الطرفين سياسية وليس عن طريق المخابرات"، في إشارة إلى الدور الذي كان لضباط المخابرات المصرية في الاتصالات مع الفصائل الفلسطينية.

قدم الرئيس عبد الناصر في اللقاء الأول مع قادة من فتح مبلغاً من المال ووعد بتقديم الدعم بالسلاح، وانقلبت العلاقة إلى "تحالف وتعاون"، وكانت أولى زيارات الرئيس ياسر عرفات إلى موسكو بصحبة عبد الناصر.

ومنذ البدايات، شكلت العاصمة المصرية القاهرة موقعاً محورياً في اللقاءات والاجتماعات والاتفاقيات التي كان لها تبعات بعيدة المدى على الكفاح المسلح الفلسطيني، كاتفاقية القاهرة التي وقعها عرفات مع الرئيس اللبناني شارل حلو، وبحضور وفد ضم قائد الجيش إميل بستاني، وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي، ووزير الخارجية المصري محمود رياض، لتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان.

وبعد أحداث الأردن التي عصفت بالعلاقة بين النظام الأردني والحركة الفلسطينية، كان للنظام المصري دور محوري في التوصل لعدة تفاهمات تنظم العلاقة بين الطرفين، بعد الاشتباكات والمعارك الدامية التي شهدتها مناطق مختلفة من الأردن، لكن الأمور انتهت إلى إخراج الثورة الفلسطينية من الجبهة الأوسع مع فلسطين وإلحاق هزيمة قاسية بها.

العلاقة مع السادات

تكشف وثائق نشرت قبل سنوات من أرشيف الشهيد صلاح خلف "أبو إياد"، أن الرئيس المصري أنور السادات اجتمع مع قيادات من فتح كان خلف من بينهم، وأطلعهم على نيته شن عملية عسكرية على قوات الإسرائيلية، التي كانت تنتشر في سيناء بعد احتلال 1967، ووفقاً لرسالة من أبي إياد إلى عرفات فإن "السادات طلب من الحاضرين في الاجتماع، مشاركة قوات فلسطينية في العملية، وتحضير طرح سياسي مرحلي من جانب منظمة التحرير، تمهيداً لإقامة مؤتمر دولي للسلام بعد الحرب المزمع شنها".

بعد حرب أكتوبر 1973 التي شاركت فيها قوات من الثورة الفلسطينية على جبهات مختلفة، بدأت التحركات الأمريكية في المنطقة بهدف التوصل إلى "اتفاقيات تسوية" بين دولة الاحتلال والأنظمة العربية وخاصة "دول الطوق"، ونجح وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، بفصل المفاوضات مع مصر عن بقية الأطراف العربية، وعمل على منع إشراك منظمة التحرير في المفاوضات، قبل أن تتراجع عن أفكارها "بتدمير إسرائيل" وتعلن وقف الكفاح المسلح.

تُشير وثائق تاريخية إلى أن السادات كشف خلال اجتماع مع فريقه الوزاري حينها، أنه ينوي تجاهل منظمة التحرير ويرد فيها قوله: "جماعة ياسر عرفات مش حاينوبهم حاجة. وأنا بصراحة هروح لأقصى مدى، وهأعترض عليهم حتى لو قبلت بيهم إسرائيل  نفسها".

بعد توقيع السادات اتفاقية السلام مع دولة الاحتلال، التي أخرجت مصر من الصراع العربي مع "إسرائيل"، وقادت لاغتياله أصيبت قيادة الثورة الفلسطينية "بخيبة أمل قاسية"، لخروج دولة بحجم مصر من الصراع، وتشكلت جبهة ضمت منظمة التحرير مع سوريا، وليبيا، والجزائر، والعراق، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، عرفت باسم "جبهة الصمود والتصدي" لمواجهة توجهات السادات للتسوية.

عرفات: "هواي مصري"

كان الرئيس ياسر عرفات ينظر إلى مصر كدولة "يجب الحفاظ على علاقات معها"، نتيجة دورها المحوري في المنطقة وعلاقتها المتداخلة مع فلسطين، وكان يسعى دائماً لترسيخ العلاقات معها، وهو الذي تربى فيها واكتست لهجته طابعاً مصرياً، وفي "صراعه المرير" مع حافظ الأسد رأى في العلاقات مع مصر مخرجاً وفرصة للتخفيف من الضغوط التي فرضها النظام السوري عليه.

"الضربة" التي خلفها اتفاق السادات مع دولة الاحتلال، دفعت العلاقات بين منظمة التحرير ومصر إلى "القطيعة"، لكن عرفات عاد إلى التواصل مع النظام المصري الذي تزعمه حسني مبارك، في خطوة أثارت غضباً من جانب الفصائل المعارضة في المنظمة وقيادات في حركة فتح بينهم الجيل المؤسس مثل صلاح خلف وفاروق القدومي، وبقيت آثار الأزمة على علاقات عرفات مع رفاقه في القيادة لشهور.

بعد اتفاقيات التسوية

بعد دخول منظمة التحرير في قطار التسوية مع دولة الاحتلال، كان لنظام حسني مبارك دور محوري في العلاقات بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وكان للدور المصري طابع "الوسيط" بين الطرفين.

في 28 سبتمبر/أيلول 1995، استضافت مصر محادثات بين منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة الاحتلال وأسفرت عن التوصل إلى "اتفاقية طابا" أو "أوسلو 2"، ووقعها لاحقاً عرفات ورابين في واشنطن.

تقول المصادر التاريخية، إن توتراً حصل على العلاقة بين الرئيس عرفات مع حسني مبارك، تحديداً في 1999، بعد أن وقف الأخير ضد توجهات "أبو عمار" لإعلان الدولة الفلسطينية في أيار/مايو من العام ذاته، وهو ما نصت عليه اتفاقية أوسلو.

الانتفاضة الثانية: دور أكبر للمخابرات؟

عقب تفجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما شهدته من تصعيد كبير في العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والذي قابله تصاعد في عمليات المقاومة الفلسطينية، تحرك النظام المصري في أدوار أشبه "بالوساطة" بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية التي كان يقودها عرفات حينها.

زيارات رئيس المخابرات المصرية حينها، عمر سليمان، لم تكن تتوقف للمنطقة، حركة دائمة بين دولة الاحتلال ورام الله أو غزة، وتعدت المسائل الأمنية إلى قضايا تتعلق بالشأن الداخلي الفلسطيني بينها الصراع بين الرئيس ياسر عرفات ومحمود عباس بعد تولي الأخير لرئاسة الحكومة.

كان للمخابرات المصرية دور كبير في الوساطات التي كانت تتدخل للتوصل لاتفاقات التهدئة، بين المقاومة الفلسطينية مع دولة الاحتلال، وخاصة في قطاع غزة بعد 2007.

حماس والنظام المصري: خصم لا بد من صداقته؟

لم تتسم العلاقات بين حماس والنظام المصري "بالودية" في كثير من مراحلها، لكن العلاقة بين الطرفين بقيت حاضرة، نظراً لعدم قدرة أي منهما عن الاستغناء عنها، خاصة بعد استلام الحركة لإدارة قطاع غزة والمسؤوليات الإنسانية التي ألقيت على عاتقها، بالإضافة لحاجة النظام في مصر للورقة الفلسطينية الهامة في إدارة العلاقات بالمنطقة.

بعد الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزة، توجه الفلسطينيون للتخفيف من الأزمة عن طريق مصر، وشهدت الحدود انتعاشاً في عمليات حفر الأنفاق وتهريب مختلف المواد، وأهمها المعدات العسكرية.

ويرى محللون أن النظام المصري رغم علاقاته القوية مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه حاول "غض الطرف" أحياناً عن عمليات التهريب إلى قطاع غزة، لدوافع مختلفة بينها أن يمنع انفجار الفلسطينيين في القطاع إذا اشتد الحصار وزادت عمليات التجويع.

ويعتقد آخرون أن أجهزة النظام المصري تختلف في طريقة تعاملها مع الملف الفلسطيني، وهو ما ينعكس على العلاقة مع الفصائل.

فترة حكم مرسي

يعتبر محللون وخبراء أن فترة حكم الرئيس الراحل، محمد مرسي، كانت "ذهبية" للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث تمكنت من إدخال أنواع متطورة من العتاد العسكري إلى القطاع، بعد أن خفت القبضة العسكرية على الحدود.

لكن هذه الفترة الجيدة من العلاقات لم تستمر، بعد استلام عبد الفتاح السيسي قيادة مصر، حيث شن الجيش المصري عمليات موسعة لتدمير الأنفاق على الحدود وتشديد الحصار على قطاع غزة، وهو ما ترك آثاراً سيئة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين.

وعقب استلام يحيى السنوار لقيادة الحركة في قطاع غزة، اتجهت سياسته لتحسين العلاقات مع مصر وهو ما اعتبره مقربون منه، محاولة للتخفيف عن الفلسطينيين في القطاع، الذين زاد من معاناتهم سلسلة "العقوبات" التي فرضتها السلطة عليهم.

بقيت العلاقات بين الفصائل الفلسطينية والنظام المصري محكومة بالمرور عبر جهاز المخابرات، الذي يجري زيارات دورية للمنطقة للوساطة والبحث في مختلف القضايا بينها "التهدئة أو التصعيد" مع دولة الاحتلال.

ويبقى الثابت الوحيد رغم تقلب الأنظمة في مصر ودخولها منذ فترة السادات في علاقات مع الاحتلال، الرفض الشعبي المصري الواسع للتطبيع وهو ما يقر به خبراء وقادة إسرائيليون، بأن سنوات "السلام" لم تنجح بإقناع الشعب المصري بالتسوية، وبقيت قضية فلسطين مركزية في وجدان المصريين.

اتفاقيات متعددة والانقسام مستمر

أشرفت مصر على التوصل لعدة تفاهمات بين الفصائل الفلسطينية، خلال السنوات الماضية، بينها: إعلان القاهرة 2005، والورقة المصرية 2009، ووثيقة سبتمبر 2010، واتفاقية القاهرة 2011، واتفاقية القاهرة 2012، واتفاق 2014، والاتفاقية بين فتح وحماس في 2017.

عراقيل وظروف مختلفة منعت تنفيذ الاتفاقيات الفلسطينية الداخلية، فهل ينجح الحوار الحالي الجاري في القاهرة بإنهاء الأزمة المستمرة منذ 2007؟

9998407892


unnamed
السادات
10024Image1-1180x677_d
image
100103192248HgIG
xXC6u
fec293621608014470f14367fc5e5af6
ade490f557cfeecc036f91e7b53a2b07
peCcj
 

 

 

 

#غزة #فلسطين #حماس #مرسي #مصر #فتح #الضفة #عرفات #عبد الناصر #السادات #مبارك #الثورة المصرية