رام الله، غزة – خاص قدس الإخبارية: يشكل دخول الخرطوم عاصمة السودان ومنبع "اللاءات" الثلاثة على خط التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي علامة فارقة بالنسبة للقضية الفلسطينية والفلسطينيين عموماً، مقارنة بتطبيع البحرين والإمارات.
المختلف عموماً بين الخرطوم والمنامة وأبو ظبي، أن السودان شكل على مدار سنوات حاضنة للمقاومة الفلسطينية والقضية عموماً، عدا عن اتهامات إسرائيلية له بأنه محطة برية وبحرية لانتقال السلاح من طهران إلى قطاع غزة.
هذه الاتهامات لا تبدو مجرد مزاعم فقط، بل تؤيدها تصريحات علنية لقيادات فلسطينية محسوبة على المقاومة الفلسطينية تحدثت عن ذلك مؤخراً بشكلٍ صريح، عدا عن كون السودان صاحب "اللاءات الثلاثة" لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع "إسرائيل".
وفي محاذاة كل ذلك، شكل السودان دوناً عن غيره من العواصم العربية، حاضنة شعبية خصبة للفلسطينيين والطلبة على مدار العقود الماضية، في أوقات أغلقت فيه عواصم عربية الأبواب في وجه الفلسطينيين وفرضت تأشيرات مسبقة على دخولهم.
وما يعزز الصدمة من التطبيع السوداني هو ارتباط الشعب بالقضية على مدار سنوات وما قدموه من شهداء في حروب خاضوها إما دفاعاً عن الشعب الفلسطيني، أو إلى جانب الجيش المصري كقوة إسناد مقارنة بالبحرين والإمارات.
وتبدو السلطة الفلسطينية مطالبة بالتحرك هذه الأيام دبلوماسياً وشعبياً لحشد مواقف الشعوب بعد خسارة الموقف الرسمي، ومحاولة عدم السماح بتمرير المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وتسهيل استمرار الاحتلال.
في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد فارس عودة إن التطبيع السوداني يختلف كلياً عن تطبيع البحرين والإمارات، فالخرطوم شكلت على مدار سنوات حاضنة حقيقة للقضية الفلسطينية عدا عن الالتفاف الشعبي والجماهيري حول القضية.
وأضاف عودة لـ "شبكة قدس" أن دخول السودان للتطبيع شكل صدمة للتاريخ وللتاريخ النضالي فالسودان كان ولا يزال شعبياً في خندق القضية الفلسطينية، متابعاً: "الصدمة هي بتحول اللاءات الثلاثة لـ (نعم) ثلاثة عبر بوابة التطبيع".
وبين أن موجة التطبيع بشكل عام لم تكن مفاجئة على اعتبار أن هذه الدول كانت تقيم علاقات سرية من تحت الطاولة مع الاحتلال الإسرائيلي، مستكملاً: "منذ 25 عاماً وتحديداً توقيع اتفاقية أوسلو؛ تراجعت قضيتنا سنوات إلى الوراء ولم تقدم لنا هذه الاتفاقية أي شيء".
وأوضح أن الأراضي الفلسطينية تضيع يومياً، وهو ما يتطلب أن تكون هناك رؤية واضحة تستنهض الشعب الفلسطيني، والمطلوب حالياً ليس رؤية مكوكية أو دبلوماسية. مستكملاً: "المطلوب خطة تنهض بالشعب وتناضل بإنهاء الوضع المأساوي".
وأشار عودة إلى أن القضية الفلسطينية في مرحلة هي الأخطر وهو ما يستوجب أسئلة داخلية عن "ماذا فعلنا لقضيتنا وأنفسنا"، مضيفاً: "علينا ألا نستجدي الآخرين، فعلى سبيل المثال هناك 5 آلاف وحدة استيطانية، ونحن نناشد الآخرين فقط وعلينا الآن تحضير خطة وطنية مرجعيتها الشعب الفلسطيني".
وبشأن وجود حراك دبلوماسي، علق قائلاً: "الدبلوماسية الفلسطينية ماذا حققت على الأرض للشعب الفلسطيني، والحراك الدبلوماسي لا يغير ما يحصل على الأرض مع الاحتلال الإسرائيلي، ونحن ذهبنا لمجلس الأمن والأمم المتحدة مرات عديدة لكن ماذا فعلنا لوقف الممارسات الإسرائيلية".
ورجح الأكاديمي عودة أن يمر الشعب الفلسطيني وقضيته بحصار خانق، ستكون مرجعيته الدول المطبعة إلى جانب الولايات المتحدة والاحتلال، وهو يهدف لسلب موقف فلسطيني مؤيد للمخططات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة القيادة الحالية لطاولة المفاوضات.
المقاومة والسلاح
من جانبه، قال المختص في الشأن العسكري والباحث رامي أبو زبيدة، إنه من الواضح أن الجهد الذي يقوم به الاحتلال من ثمراته حصار غزة، حيث تشكل هذه البقعة خطراً على الاحتلال الإسرائيلي، والتطبيع مع السودان مختلف كلياً عن التطبيع مع البحرين والإمارات.
وذكر أبو زبيدة لـ "شبكة قدس" أن هناك حسابا سابقا بين السودان وجيشه والاحتلال من خلال مشاركته في حروب سابقة ضده، إلى جانب دعم المقاومة واعتبار أراضيها ممراً لسلاح المقاومة، مضيفاً: "نتنياهو يتحدث أن التطبيع الحاصل هو من منطق قوة وليس من منطق سلام مقابل سلام".
وأكد على أن التطبيع مع السودان يهدف لسد فجوة تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية من خلال الأراضي السودانية، منوهاً إلى أن أمريكا والاحتلال يعتبران هذه الاتفاقية تخنق المقاومة على اعتبار أن الخرطوم نقطة فارقة في وصول السلاح الإيراني لغزة.
واستطرد قائلاً: "ما يجري حالياً هو استكمال لجهد سابق بذل لخنق المقاومة تمثل في بناء قاعدة برنيس العسكرية في البحر الأحمر تستهدف تجفيف منابع السلاح الواصل للمقاومة"، منوهاً إلى أن استمرار تدفق السلاح يحول دون تمرير المخططات الأمريكية والإسرائيلية.
واعتبر أن ما جرى هو ضمن جزء من حلقات الحصار الرامي لخنق المقاومة وسد كل المنافذ التي توصل السلاح وتجفيف كل المنابع المالية والعسكرية، فغزة اليوم تشكل عقدة لصانع القرار الإسرائيلي وحتى الإقليمي والأمريكي.
ونوه إلى أن العمق الجيو سياسي مختلف تماماً عن الإمارات والبحرين، فعلى سبيل المثال تشكل الأراضي السودانية مفتاحاً للتوازن بين الاحتلال ومصر، وفي السابق تحالف الاحتلال مع القوات الجنوبية للعبث في الساحة السودانية بهدف تقليص قدرة السودان على الاستقرار ومنعه من لعب دور في دعم المقاومة الفلسطينية.
تطبيع مختلف
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي محمود مرداوي إنه بلا شك أن عاصمة السودان التي انطلقت منها اللاءات الثلاثة التي خرج منها رفض التطبيع والاعتراف والصلح كانت تشكل حصناً للموقف السياسي المساند والرافض لكل عمليات التطبيع والتواصل مع العدو.
وشدد مرداوي لـ "شبكة قدس" على أن هذا القرار لا يعبر عن موقف الشعب السوداني الرافض للتطبيع ويعكس مواقف فردية لأشخاص يردون حماية مناصبهم وكراسيهم عبر بوابة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي".
واستدرك قائلاً: "كل دولة عربية تشكل سورا عاليا يحمي الموقف الفلسطيني ويسانده في كل المجالات اقتصادياً وسياسياً وكل دول تخرج عن رفض الاحتلال والإقرار به تسقط لبنة"، مؤكداً على أن الموقف الفلسطيني حاضر ويتصدى لكل هذه المحاولات وطالما أن الموقف الفلسطيني صامد في مواجهة الانهيار سيكلف أثمانا باهظة لكنه سيكون سبباً في عودة الروح الوطنية لدى الشعوب للوقوف في وجه الأنظمة التي تحاول حماية كراسيها من بوابة التطبيع.
وعن تضرر المقاومة الفلسطينية من التطبيع السوداني، رأى مرداوي أن المقاومة الفلسطينية كانت وما زالت تسعى إلى تقوية وتحصين موقفها المقاوم، حيث لا تدخر جهداً وستحاول بذل كل جهدها لتطوير سلاحها وعدتها دون أن تأبه بهذه المحاولات، فإغلاق بوابة هنا سيقابله فتح بوابة هناك، حسب قوله.