يعيش الشعب الفلسطيني ذكرى معركة العصف المأكول عام 2014، والتي وصفها قادة الاحتلال الإسرائيلي بالطاحنة لشدة ضراوة النيران التي التهمت قطاع غزة عبر الآلة العسكرية الإسرائيلية التي لم تئلُ جهدا للقضاء على المقاومة الفلسطينية، ليكون السبب الرئيس والمباشر لتلك المعركة قصف العدو الصهيوني لنفق يتبع للمقاومة الأمر الذي أدى لاستشهاد 7 من المجاهدين، إذ أعلن الناطق باسم وزارة الحرب الإسرائيلية عن بدء عدوان إسرائيلي جديد أطلق عليه اسم "الجرف الصامد"، فيما تصدرت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس المواجهة أطلقت عليه "معركة العصف المأكول".
كان ذلك بعد أن اشتدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على فلسطينيي الضفة الغربية والداخل المحتل، حتى وقع الأمر الذي جعل السيل يبلغ مبلغه حيث اختطف المستوطنون الطفل محمد أبو خضير ليحرقوا جسده ويرتقي شهيداً، فيكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لتحتدم المعركة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
لكن الأمر الذي أدهش العالم هو قدرة المقاومة الفلسطينية على التصدي للاحتلال الإسرائيلي وتطور أساليبها الدفاعية واستخدام أسلوب الهجوم على المستوطنات والمواقع الإسرائيلية والقتال من نقطة صفر، الأمر لم تستخدمه المقاومة من قبل، غير أن الآلة العسكرية الإسرائيلية لم تكن لتتعامل بالأسلوب الذي يعتبر الخصم صاحب قوة متواضعة، بل إنها كانت تستخدم كل قوتها وتضرب بكل ضراوتها الشعب الفلسطيني الأعزل، بحجة استخدام المقاومة الفلسطينية للمدنيين كدروع بشرية.
ولقد كانت العلامة الفارقة في سجل المقاومة الفلسطينية هو تنفيذ عملية بحرية لجهاز البحرية التابع لكتائب القسام في موقع زيكيم العسكري، كان ذلك في الثامن من يوليو لعام 2014 وقد كانت تلك العملية عبارة عن الشرارة التي أشعلت فتيل العمليات العسكرية من نقطة صفر، لتستمر العمليات العسكرية الهجومية والدفاعية من المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي كاقتحام موقع ناحال عوز شرق منطقة الشجاعية وموقع 16 العسكري وموقع صوفا شرق رفح، غير أن الاحتلال الصهيوني قد خسر في تلك المعركة عشرات القتلى والجرحى على إثر الكمائن التي نصبها عناصر المقاومة الفلسطينية، كما قامت المقاومة بأسر جنود صهاينة أثناء العملية البرية، ولم تكن المقاومة لتعلن بشكل رسمي سوى عن جندي واحد من لواء جولاني.
لتكون تلك المعركة الفاصلة التي أوجدت توازناً بين القوتين الفلسطينية والإسرائيلية ومما يدلل ذلك ما أطلقه الاحتلال الإسرائيلي من اسم على العملية العسكرية "الجرف الصامد".
وفي ظل هذه المعركة التي تركت في نفوس الفلسطينيين ألماً عميقاً موازاة لعظمة جديدة زرعت في نفوس الفلسطينيين تهتز لها الجبال فما أشبه اليوم بالأمس من اعتداءات في الضفة بل وصل الحال بحكومة الاحتلال أن تسعى لتنفيذ الخطة الأمريكية الهادفة لضم الضفة الغربية والاغوار الفلسطينية، الأمر الذي يجعل الأيام القدمة حبلى بالأحداث والتطورات، ولا يخفى على الشعب الفلسطيني استنفار القوات الجوية التابعة للاحتلال من طائرات استطلاع تحوم في أجواء القطاع على مدار 24 ساعة، غير أن الطائرات الحربية الساعية لاستهداف مواقع ومقدرات تتبع للمقاومة الفلسطينية تنشط بشكل غير اعتيادي بل إنه يصل درجة الطوارئ والاستعداد لجولة تصعيد جديدة.
لكن الأمر الذي يجعل الشارع الغزي في حيرة من أمره هو كيفية بدء التصعيد، فهل سيبدأ كعادته بعد إطلاق دفعة من صواريخ المقاومة لترد عليه قوات الاحتلال ومن ثم يعود كل من المقاومة والاحتلال أدراجه؟ أم أن الاحتلال الصهيوني ينتظر صيداً ثميناً يصطاده من رؤوس المقاومة الفلسطينية وصانعي القرار، ما يؤدي ذلك لإشعال فتيل التصعيد الذي لن تطفئ نيرانه بسهولة كسابقيه، بل إنه من المتوقع أن يستمر التصعيد كالنار في الهشيم، لتكون النتيجة حسب اعتقاد العدو تحطيم قدرة حماس العسكرية والسياسية في غزة، لكني أتوقع أن ذلك لن يحدث لعدة أسباب:
- استنفار حركة حماس للأجهزة الأمنية التابعة لها في غزة، لتعطيل أي عملية اغتيال ينوي تنفيذها الاحتلال الإسرائيلي ضد قادة المقاومة العسكريين والسياسيين.
- وجود الأزمة الصحية "فايروس كورونا" لدى الاحتلال، الأمر الذي سيجبرهم على النزول في الملاجئ دون وجود احتياطات للحجر الصحي في الملاجئ، ما يؤدي لتفشي الفايروس في المجتمع الإسرائيلي، ما يجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية في موضع ضعف.
- قدرة المقاومة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية على كشف شبكات كبيرة من العملاء المتعاونين مع جهاز الامن العام الإسرائيلي "الشاباك"، ومتابعة المقاومة للتكنولوجيا العسكرية الحديثة، ما يهدد أمن المعلومات لدى الاحتلال.
- قدرة المقاومة الفلسطينية على تصنيع صواريخ بعيدة المدى برؤوس حربية متفجرة عالية القدرة على التدمير، وهذا ما أظهرته الصواريخ التجريبية التي أطلقتها كتائب القسام باتجاه البحر حتى وصلت قبل مياه اليونان بأميال بسيطة، غير أنها دقيقة الوصول إلى الهدف وهذا ما أظهره القسام في الرشقات الصاروخية التي أطلقها في إحدى التصعيدات الأخيرة من عائلة "سجيل".
كما أن الاحتلال الإسرائيلي يكرس قوته العسكرية والأمنية لضرب المنظومتين الأمنية والعسكرية التابعتين لحماس في غزة، إلا أنهم لن يفلحوا مهما كانت قوة آلة الحرب التي يمتلكونها، وإن وعد الله في عباده المؤمنين على أرض فلسطين سيتحقق عاجلاً غير آجل، وستكون نهاية بني إسرائيل قريبا على أيدي المقاومة الفلسطينية ولن تقوم لهم قائمة بعد ذلك.