تصفع تأثيرات جائحة فايروس كورونا قطاع غزة ببطيء شديد، وهو المُكتظ حدّ الاختناق، إذ أن الكثافة السكانية بمدينة غزة ضعف الكثافة السكانية في مدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي الفايروس 3 مرّات على الأقل.
كما تبدو المؤشرات الصحية في القطاع أكثر سوّداوية، فبحسب وزارة الصحة، فإن قطاع غزة يحتاج سنويا ما قيمته 40.5 مليون دولار من الأدوية والمهمات الطبية، حيث تشير التقارير الخاصة بوزارة الصحة أن جزءً هاما من مخزون الوزارة من الأدوية والمهمات الطبية هو صفري.
كما يبلغ نسبة الأطباء لعدد السكان في القطاع، 10 اطباء لكل 10.000 نسمة، وفي قطاع غزة يوجد مشفى واحد لكل 100.000 نسمة، و15 سريرا لكل 10.000 نسمة، حيث لا تتعدى فترة خلو السرير، أي الفترة التي يبقى فيها السرير فارغا في مشافي قطاع غزة 5 ساعات فقط، وهي مؤشرات دفعت منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في فلسطين للقول بأن وصول فيروس كورونا قطاع غزة " قد يكون مخيفا نتيجة الاكتظاظ السكاني ومحدودية النظام الصحي"
ومنذ الإعلان يوم 21 مارس عن وجود حالتي إصابة بفايروس كورونا في قطاع غزة، بلغت عدد العينات التي اشتبهت وزارة الصحة بإصابتها بالفايروس (151) عينة، منها (149) عينة سلبية، و(2) عينة فقط إيجابية . وقد ارتفع اليوم عدد القابعين في الحجر الإجباري ليبلغ (1568) حالة، ولأول مرة يصبح أعداد المحجورين جبريا أكبر من أعداد الحجر المنزلي، حيث بلغ اليوم عدد المحجور عليهم منزليا (1205 ) فقط.
لقد أدى هذا الإعلان الصادم إلى تغييرات كبيرة في الحياة الاجتماعية في قطاع غزة، وإن كانت هذه التغييرات ليست جديدة، فقد اعتاد سكان قطاع غزة، على البقاء لفترات طويلة في المنازل، وإغلاق محالهم التجارية بسبب ثلاث موجات من العمليات العسكرية واسعة النطاق التي استهدف فيها الاحتلال قطاع غزة خلال الأعوام الماضية، والتي يمكن القول إن ضحاياها من الشهداء والمصابين يمكن مقارنتهم بضحايا فاجعة كورونا في العديد الدول.
إلا أن ما يمكن وصفه بأنه " جديد " في حياة المواطنين في قطاع غزة، أن التباعد الاجتماعي سببه عامل جديد لم يعهد القطاع له مثيلا، لذا فإن الخبرات الاجتماعية للناس في قطاع غزة تجاه هذا الخطر بالتحديد لا تزال جديدة. ومع ذلك فإن فالمخاوف الجماعية، وتكيّفها مع العوامل المتطرفة والمميتة الجديدة، دفعت المواطنين لتقبل التغيرات الاجتماعية الجديدة برحابة صدر، فالأعراس على سبيل المثال لا تجرى الآن وفق الروتين الاجتماعي الذي يبدأ بالإشهار، وحفلة الشباب، وانتهاء بحفلة العرس في الصالات المغلفة. بل يتم الاكتفاء بحفل صغير في نطاق عائلي ضيق، كما أن بيوت العزاء قد تمّ منعها في القطاع، ويتم الاكتفاء حاليا بالتعزية في المقبرة فقط.
كما تفرض هذه المخاوف تأثيراتها على التفاعلات الاقتصادية، فعزوف المواطنين عن الخروج من المنزل، دفعت العديد من المحال التجارية، ومن بينها محال الأحذية والملابس، بالإضافة إلى المطاعم، وباعة الخضروات المتجولين على عرض منتجاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وإرسالها للمنزل، حيث أن الواقع الاقتصادي المثقل بأكثر من 300ألف مواطن عاطل عن العمل، لن يستطيع الصمود كثيرا بدون تغييرات جذرية، قد تكون مؤقته، في التفاعل مع المستهلك.
أما الذي لم يتغيّر، فهو قراءة كل من نظامي الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية للأزمة، حيث لا يزال كلا الطرفان يتفاعلان مع المسألة على أنها ليست بالقدر الذي يستوجب منهما التوحد لمواجهة خطر كبير، ففلسطين اليوم لن تكون أعز على العالم من إيطاليا!