منذ اللحظة الأولى التي وطأت قدما فياض أرض فلسطين.. كان واضحاً أنه آت لتنفيذ مشروع أمريكي برضىً فلسطيني. نجح الرجل عبر سنين عمله كوزير للمالية ورئيساً لحكومة الطوارئ بعد 2007 بتحييد حركة فتح عن الحكم عن طريق السيطرة على مداخل ومخارج عمل السلطة أمنيا وماليا، وذلك من خلال السيطرة على المنابع المالية للسلطة في الضفة. وأنشأ جيلاً فلسطينياً لا يعرف هدفاً إلا الدولار الذي يدفعه لتنفيذ ما يطلب منه تنفيذاً حرفياً، وهذا ما كان جلياً في المؤسسات الأمنية التي قمعت الحريات وقيّدت العمل الوطني بحجة ضبط الأمن، وإنهاء الفلتان الأمني، مع أن إنهاء الفلتان لا يعني قمع المقاومة وتقييد الحريات.
تشكيل هذه العقلية الجديدة للفلسطيني في الضفة المحتلة كان من خلال تقييده بقروض طويلة الأمد، فأصبح الفلسطيني مرهوناً للبنك ليس بماله فقط، بل بماله وعقله وموقفه، وحتى في تفكيره الوطني العام. فليست المصالحة أو القدس أو الأسرى أو الحواجز أو المستوطنات أو اعتداءات المستوطنين اليومية على كرامة وممتلكات الفلسطينيين وحرماتهم مهمة بقدر أهمية الراتب الذي قد يأتي وقد لا يأتي.
وكان مشروع فياض تنفيذ مخطط "السلام الاقتصادي" الذي طرحه نتنياهو في العام 1998 ورفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي يقضي بابقاء السلطة مخنوقة مع رعاياها لكن دون أن تصل الى حد الموت.
في المقابل عزز فياض الانقسام وخلق سلطة القبضة الامنية، من خلال قمع أي مخطط للتصدي للاحتلال، أو الرد على انتهاكاته بحق الفلسطينيين في الضفة، أو حتى التضامن مع قطاع غزة الواقع تحت النار.. فشعر الفلسطيني أن الضفة والقطاع دولتان لشعبين.
خلافه المستميت مع الرئيس ومن خلفه حركة فتح على السيطرة على مقاليد الحكم رجحت فيه الكفة لصالح الرئيس وفتح على كفة فياض الذي أحرج بقوته حركة بوزن وتاريخ فتح. فكانت الاستقالة ليأتي رجل لا يختلف كثيرا عن خلفية فياض السياسية فرامي الحمد الله بلا مشروع وطني .. أو حتى اقتصادي.. فلن يأتي بجديد لأن المشروع الأمريكي في الضفة هو بقاؤها على ما هي عليه .. عجز سياسي وترنح اقتصادي دون تشييع جثمان السلطة.. ليكون الحمد الله بالنسبة لعباس كما كان قريع بالنسبة لعرفات.. منفذا وليس مخططاً أو مُغيراً.