رام الله المحتلة – خاص قدس الإخبارية: بعد 94 عاماً على بنائها، لم تعد دار حرب في مكانها حيث كانت فيما يعرف بـ "نزلة البريد" وسط مدينة رام الله منذ عام 1924، فبعد سنوات على تدمير حديقتها وتحويلها إلى مصف للمركبات، ها هي الدار تضيع من المدينة، بعدما أكلها الغول الذي لم تملأ معدته، أكثر من 400 مبنى تاريخي ابتلعه سابقاً.
في مساحة مدينة رام الله الصغيرة التي تمتد على 14.706 دونمات، تتسابق المباني في قضم ما تبقى من هذه المساحة وسط التزاحم العمراني في المدينة، والذي بات يسابق بعضه بالارتفاع أيضاً، حيث اختفت دار حرب خلف وبين هذه المباني، قبل أن تبتلعها في منتصف آب المنصرم، آليات الهدم التي أخفت كامل آثارها، تمهيداً لمبنى تجاري جديد سيقام على أنقاض الدار.
المبنى الذي يعود ملكيته لعائلة حرب، أحد مباني رام الله التاريخية المهمة، وشاهد على التطور العمراني والاجتماعي في المدينة، إذ كان المبنى الأول الذي بني داخله "بيت درج"، وهو الذي لم يكن دارجاً في تلك الفترة الزمنية، ليصبح بعد فترة زمنية جزءاً من فندق عودة، أحد أقدم فنادق رام الله. فيما تتناقل ألسنة أهالي المدينة، أن دار حرب وما يحيطها من حديقة كبيرة كانت نزلاً للملك الأردني منذ عام 1936 -1940.
وعن تفاصيل دار حرب، فهو مبنى مكون من سبعة غرف موزعة في الطابقين السفلي والعلوي، بني سقفه من دوامر معدنية وحجر ريش، أما بلاطه فهو بلاط أصلي ملون غطى كامل مساحة البيت - ما يظهر غنى عائلة حرب- أما نوافذه الخشبية فصنعت بحرفية عالية لا نجدها اليوم في أي نوافذ، تتقدمها حمايات معدنية صنعت بطريقة تقليدية.
[gallery ids="158787,158788,158789,158793,158794"]بالرجوع إلى القانون الفلسطيني الذي سن في كانون ثاني 2018 ، منحت بلدية رام الله ترخيصاً لهدم المبنى كونه غير مصنف ضمن المباني المحمية، فالقرار بقانون رقم (11) لسنة 2018 بخصوص التراث الثقافي المادي، والذي نشرته صحيفة الوقائع الرسمية وقد أعلنت بدء سريان تنفيذه، اعتبرت المادة الرابعة منه أن الممتلكات الثقافية المادية تعتبر تراثاً إذا شيدت قبل عام 1917، أما الممتلكات التي شيدت بعد عام 1917 تعتبر تراثاً إذا كان لها أهمية ثقافية أو اقتصادية أو طبيعية، إلا أن هذا الاستثناء لم يكن شفيعاً لدار حرب، كما ربما لن يكون شفيعاً لأي مبنى له ذات الأهمية التاريخية والثقافية.
المهندس المختص بترميم المباني القديمة، يوسف طه يبين لـ قدس الإخبارية، أن حماية المباني التي شيدت قبل عام 1917 حسب القانون الفلسطيني مشروط بعمل دراسة لأهمية المبنى ثقافياً واقتصادياً، وإضافتها للسجل الوطني، "البيروقراطية التي نخضع لها لن تسمح بدراسة أهمية كل مكان وتكون سجل وطني بالأبنية التاريخية.. كما سيتطلب ذلك وقت طويل قد يهدم خلاله ما تبقى من المباني التاريخية".
حسب الخرائط البريطانية القديمة لرام الله، فقد احتوت المدينة على 832 مبنى تاريخياً بقي منه حتى الآن 367، وهو العدد الذي يتخلص يوماً بعد يوم، ويبين طه أن المشكلة الأساسية تكمن بعدم التفكير بكيفية ترميم وتطويع المباني التاريخية والمهمة وترميمها بأسلوب حديث وعصري يحافظ على أصالته وعراقته، إلا أن أصحاب المصالح الاقتصادية يسارعون لهدمها بشكل كامل، ويعتبرونها عائق أمام مشاريعهم التجارية.
ويحذر طه من استمرار هدم المباني التاريخية غير المحمية في القانون، وخاصة المباني التي شيدت في العشرينات كـ "قصر الحمرا" المشهور في رام الله ومباني أخرى كثيرة، من بينها مباني تقع في حدود البلدة القديمة للمدينة، مشيراً إلى أنه قبل فترة زمنية قصيرة وقبل إقرار القانون تم هدم مبنى في رام الله شيد قبل عام 1917، وذلك من قبل شركة "النبالي والفارس" التي شيدت مكانه مبنى تجارياً جديداً، مؤكداً على أن هذه المرة الثانية التي تقوم الشركة المذكورة بهدم مبنى تاريخي لخدمة مصالحها التجارية الخاصة.
قبل يوم واحد على تنظيم أولى الوقفات الاحتجاجية التي سعت للمطالبة بعدم هدم دار حرب، سارعت الشركة المنفذة لهدم المبنى في ساعات صباح يوم الجمعة الموافق 17 آب، إلا أن النشطاء قرروا الاستمرار باطلاق حملة هدفها مطالبة البلدية عدم منح تراخيص هدم للمباني التاريخية في مدينة رام الله، وفلسطين بشكل عام، يعلق طه، "سنواصل مطالبات للمجالس البلدية لتمنع هدم المباني التاريخية وتشجيع استخدامها في الفراغات العامة في ظل التطور العمراني، ونطالب بإنشاء صندوق لحماية الموروث الثقافي".
الشركات الاستيطانية تسارع لشراء حجارة المباني التاريخية من خلال سماسرة ينقلون هذه الحجارة التي يتم إهمالها، ليستغلها الاحتلال في بناء مستوطناته، وهو ما يضاعف المسؤولية الوطنية للمهندسين المعماريين بالمحافظة على المباني التاريخية، يعلق طه، "هناك أمثلة كثيرة حول العالم لتطويع واستغلال المباني التاريخية في التجمعات التجارية الضخمة، وقد أصبحت مكان يجذب للناس.. المباني التاريخية لم تكن يوماً عائقاً أمام التطور العمراني، ولكن هناك ابتعاد عن الحلول الإبداعية التي تحافظ على تاريخ وعراقة بلدنا، فيما يسعى الاحتلال جاهداً للحصول على كل حجر قديم يتم هدمه".
من جانبه، يقول رئيس بلدية مدينة رام الله موسى حديد لـ قدس الإخبارية، إن البلدية تقوم بحملة لحماية المباني التاريخية في مدينة رام الله ومنع هدمها، "بلدية رام الله خلال الفترة الماضية قامت بوضع مجموعة من الأنظمة لحماية المباني التاريخية كما عملت على وإقناع الكثير من أصحاب المباني لعدم هدمها والقيام بترميمها"، مشيراً إلى أن بلدية رام الله رممت مجموعة من المباني التاريخية في المدينة، ولديها مخطط لحماية البلدة القديمة في المدينة إضافة للمباني التاريخية المنفردة.
وأوضح حديد أن بلدية رام الله تسعى لخلق نظام داخلي يساند القانون الفلسطيني الصادر مؤخراً والذي يحمي المباني التي شيدت قبل عام 1917، "نرى أن هناك حاجة لحماية المباني التي شيدت بعد عام 1917، لذلك سنسعى للمصادقة على نظام جديد خلال الفترة القريبة لتوفير الحماية للمباني التاريخية"، إلا أن حديد أكد على أن المباني التاريخية في مدينة رام الله هي ملكيات خاصة يحق لأصحابها التصرف بها، ولا يمكن التعدي عليهم، "على أصحاب المباني التاريخية أن يعوا أنهم يمتلكون كنز بإمكانهم الاستفادة منه وتطويره، والافتخار بامتلاكه".
ولفت إلى أن إقرار النظام الجديد لحماية المباني التاريخية والذي تعمل عليه بلدية رام الله بحاجة لكثير من الوقت، إذ قامت العملية بمسح كافة المباني في المدينة ودراستها وتقييمها، "الآن نحن في المراحل النهائية لإقرار هذا النظام والبدء بتنفيذه، ونتأمل أن نستطع من خلال هذا النظام توفير مزيد من الحماية للمباني التاريخية في المدينة".
[gallery ids="158791,158792"]