لأول مرة منذ ما يقارب 8 سنوات، يُسمح للإعلام الإسرائيلي بدخول المعتقلات الإسرائيلية والتصوير فيها. فقد بثت القناة الإسرائيلية الثانية مساء الجمعة الماضي تقريراً مصوراً من داخل سجني النقب وهداريم تخللته لقاءات مع بعض الأسرى، وحمل التقرير عنوان "الأسرى الأمنيون يتحدثون".
ويصف التقرير المعتقلات بأنها "طنجرة ضغط هادئة وروتينية يعيش فيها أصحاب المؤبدات والإرهابيين المحكومين لفترات طويلة".
وفي محاولة لتجميل إجراءات مصلحة السجون القاسية داخل المعتقل يحاول التقرير إظهار الأسرى وكأنهم يمارسون حياتهم اليومية بشكل معتاد دون مضايقات. يُبين الفيديو الأسرى وهم يؤدون الصلوات الجماعية ويمارسون رياضات مختلفة، ويعدون الطعام، كما يظهر الأقسام التي يعيشون بداخلها، وكيف يلتقون بذويهم لوقت محدد عبر اللوحة الالكترونية والتحدث إليهم عبر الهواتف خلال الزيارات المقررة لهم دون أن يتمكنوا من لمسهم.
ويظهر في التقرير الصحفيان الإسرائيليان "ايهود ايعاري" و"موشيه نوسبام" وهما يلتقيان بعدد من الأسرى الفلسطينيين ويتحدثان معهم بالعبرية عن التهم الموجهة إليهم ومدد أحكامهم وحياتهم داخل السجن.
أحد الأسرى الذين تحدثوا في التقرير قال "أنا هنا منذ ثماني سنوات تقريباً، لكن لا يسمح لي بأن ألمس أطفالي دون أن نفهم لماذا ذلك؟، كل ثلاثة أشهر يدخلون لنا الصحف وجريدة واحدة عربية تكون من بينهم، والفناء الواحد يصل إلى 7 أمتار ويعيش بداخله نحو 14 أسيراً".
فيما قال أسير آخر من سكان مدينة رام الله "يسمح بزيارتي مرتين كل عام، وكنت ممنوعا من الزيارة لعدة سنوات .. خلال تسع سنين تمكنت من رؤية زوجتي 4 مرات فقط".
كما التقى الصحفيان الإسرائيليان بجمال الهور ممثل حركة حماس في سجن نفحة والذي يقضي منذ العام 1997 حكماً بالسجن لمدة 5 مؤبدات و18 عاماً. ويسأل الصحفيان الهور عن طريقة التواصل بينه وبين قادة حماس في السجون الأخرى و خارجها، وعما إذا كانت طريقة تهريب شرائح الهواتف الجوالة ما زالت طريقة فعالة للتواصل. وعندما سأله أحد الصحفيين كيف ستكون نظرته للحياة وشخصيته في حال خرج الآن من السجن، أجاب الهور أنه بطبيعة الحال تتغير الشخصية داخل السجن، ولكنه لن يُغيّر مطلقاً موقفه ونظرته تجاه الاحتلال.
ويظهر في الفيديو أحد أفراد مصلحة السجون في سجن هداريم يدخل إلى غرفة الأسير أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية ليخبره برغبة الصحفيين لقائه لكنه يرفض ذلك. من جانب آخر يرغب الصحفيان بلقاء مروان البرغوثي الموجود في نفس السجن، وبينما يوافق الأخير ترفض مصلحة السجون ذلك.
وفي ردود الفعل الفلسطينية على هذا التقرير قال المدير الإعلامي في مركز أسرى فلسطين للدراسات رياض الأشقر أن الاحتلال "لا يسمح لوسائل الإعلام بدخول السجون والتصوير بداخلها إلا بإذن خاص من المخابرات بعد إخفاء كل معالم معاناة الأسرى"، حيث أظهر التقرير الأسرى وكأنهم يعيشون حياة مرفهة داخل السجون، وأنه يسمح لهم بشراء ما يحتاجون من كانتين السجن وإعداد الطعام وقراءة الكتب وممارسة الرياضة.
ونبه الأشقر إلى أن ما ظهر في التقرير بشكله العام قد يكون فيه جزء من الحقيقة، ولكن في حال معاينة التفاصيل الدقيقة "سنجد الكثير من التضييق والمعاناة والانتهاكات التي تفرضها إدارة السجون على الاسرى، ولم ترصدها كاميرات الاعلام، ولا تتجرأ على الاقتراب منها"، بحسب تعبيره.
وتحدى الاشقر أن يسمح الاحتلال لوسائل الاعلام التجول والتصوير في مستشفى الرملة، ومعاينة أوضاع الأسرى المرضى الذين يعانون الموت البطيء هناك في ظلّ إهمال طبي متعمد، وعدم تقديم علاج يناسب الامراض التي يعانون منها، وخاصة امراض السرطان والفشل الكلوي .
كما عدد الأشقر جوانب أخرى من معاناة الأسرى غابت عن عين التقرير الإسرائيلي ومنها زنازين العزل الانفرادي التي تنتهك فيها انسانية الاسير الفلسطيني، ويُحرم من أبسط حقوقه، ولا يسمح له بالزيارة او حتى الصلاة بصوت مرتفع، واستطرد متسائلاً: هل يستطيع التلفزيون الإسرائيلي تصوير ما يجرى في أقبية التحقيق من تعذيب وانتهاك لكرامة الإنسان واستخدام أبشع أساليب التنكيل بحق الأسرى الأمر الذي أدى إلى استشهاد العشرات منهم و اصابة بعضهم بإعاقات دائمة، وهل يرصد ما يجرى في أقسام الأطفال القاصرين من إهانة وضغط نفسي وجسدي، والزج بهم بجانب السجناء الإسرائيليين الجنائيين.