دائماً ما أشعر بحالة من الملل حين أجد الأنظار تتوجه إلى قضية ما دون سواها، حينها تسود ثرثرة لا تسمن ولا تغني من جوع. المرأة دون غيرها يتم تسليط الضوء عليها سواء من الإعلام أو المؤسسات الإجتماعية المدعومة من الدول المانحة وغيرهم. يتحدثون عنها بطريقتهم ويحتفون بها بطريقتهم ويرسمون صورتها بطريقتهم، والنتيجة يريدون المرأة كما يريدون هم لا كما تريد هي.
والملفت في الأمر تعامل النساء مع الأمر وكذلك الرجال، فعلى صعيد النساء التي أُوهمت بالتحرر ووُضعت بقالب تحرري لا يناسب طبيعتها الفسيولوجية وتركيبتها الأنثوية كالتشبه بالرجال في طريقة الكلام واللباس وقص الشعر، ونبذها أحياناً للزواج والإنجاب، وعندما تخرج إلى الواقع والعمل تعامل الرجل بأنه ند لها لا شريك في الحياة على مختلف الأصعدة. والرجال كذلك يعتبرون المرأة منازعاً لهم، قد ينمقون الكلام كثيراً حتى في هذا اليوم وما بين الفعل والقول كما بين الثرى والثريا ولعل هذا يتجلى في قضايا الميراث والزواج والأجور وفرص العمل وغيرها.
أصول يوم المرأة ذات امتداد غربي، ففي عام 1857 خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل فيها. وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز و ورود". ومنذ ذلك الوقت بدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909.
وما يجب أخذه بعين الإعتبار أن النظرة المادية الإستهلاكية هي السائدة في الغرب، حيث تقوم على مبدأ العبودية ويمكن للماديّ في هذه الحالة أن يسخر أي شيء لتحقيق أفكاره وسير منظومته من خلال عدة وسائل كالإعلام والمؤسسات الداعمة وغيرها. وقد استغلت هذه الجهات المرأة في ذلك فروّج الإعلام للمرأة بالطريقة التي تخدم الدول ذات النظام الرأسمالي الإقطاعي وجعل المرأة ذات المواصفات الغربية هي النموذج الذي يسعى له الجميع، فالنساء العربيات قد يقمن بعمليات تجميل لأجل أن يظهرن بمواصفات الفنانة الأجنبية فلانة والرجل يريد الفتاة ذات الشعر الأشقر والعينين الزرقاوتين وهناك العديد من النساء جنوب أفريقيا يتناولن إبر في الجلد لتحويل لونه من الأسود إلى الأبيض.
ومؤسسات USAID و NGOS تدعم المواضيع التي تناسب هذا النظام وتروج لها وتشغل هم الشارع بها دون سواها بعيداً عن المشاكل الحقيقية التي تصيب الشارع العربي على وجه الخصوص. على سبيل المثال تثير هذه المؤسسات قضية عمالة الأطفال، ومرة قضية حقوق المرأة وتعرضها بدور الضحية، تستغل ضعفها وعوامل الواقع الذي تعيشه لتخلق منها قناة تسيّر بها سياساتها و أفكارها، بعيداً عن مكانة المرأة الحقيقية ودورها الفعلي المنوط بها ورسالتها التي تؤديها على الأرض، فهم يريدون امرأة بشروط استهلاكية كسياستهم.
وهنا أستذكر مثالاً حياً من الواقع الفلسطيني، في جامعة النجاح الوطنية من كل عام يُقام هناك مهرجان للأفلام الوثائقية ممول من مؤسسات إنتاج إعلامية مهتمة بالمرأة فتفرض شروطها على الجامعة بأن تكون مشاركات الطلبة في مهرجان الأفلام عن موضوع المرأة بالشروط التي فرضها عليهم الممول الأجنبي لتظهر المرأة قابعة في إحدى زوايا البيت تبكي وتصرخ لا جديد في الأمر، وعلى مدار 5 سنوات ما زالت المؤسسات تفرض الموضوع نفسه لا تغير في طرحها.
هذا لا يلغي حقيقة مُرة لا بد أن نعترف بها ولا ننكر الواقع أو نجمله. فهناك مشكلة مجتمعية اتجاه المرأة من صورة نمطية لدورها وكيانها ومكانتها وهذا يظهر على شتى الأصعدة مجتمعياً، ولكن المؤسف أن يتم التعامل مع الأمر دون وعي وكما يريد التيار السائر بهذه الموجة ونحارب العنصرية والتمييز بعنصرية وتمييز آخر اتجاه صنف آخر. آن الآون أن نقول كفى لإظهار المرأة بدور الضحية الضعيفة التي تنتظر الخلاص من الآخر. عليها أن تقول ها أنا هنا بالعمل والمبادرة قبل أي شيء آخر، فلا تنسى المرأة وهي تطالب بشيء لها طبيعتها واحترامها لنفسها ومكانتها ودورها معترفة بالرجل شريكاً لا نداً تتعانق أيديهما تعميراً وعملاً و إنتاجاً في الأرض وعلى منبر الإحترام يلتقيان.
وما ألحظه أن الكثير من القيم في حياتنا باتت مختصرة داخل حدود يوم واحد لها طوال السنة كالأم و المرأة والعمال والحب والطفل وغيرها الكثير، فهل تصبح القيم ومعاني الأشياء تقطن داخل يوم لا يتجاوز 24 ساعة ؟ وأين دور هذه القيم والمعاني من باقي أيام حياتنا؟ وكيف نصحح النظرة لها ونُعيد إحياءها في المجتمع؟ ليس مجرد بروتوكلات شكلية وصيحات غوغائية مؤقتة وتختفي تتبعها ألف لعنة وسخط.