شبكة قدس الإخبارية

في قلبي زرعتُ أرضي

عمرو العصا

لا شيء سوى الوطن، امتلك عقلي وقلبي وروحي ومنذ أن خُلقنا على هذه الأرض ونحن متمسكونَ بثوابتنا وبأرضنا ولن نتنازل عن ذرة تراب منه، فهذا جدي الذي هو قطعة من أرض الوطن التي لم تُسلب وهنا أبي الذي قد أكمل ضرب الفأس كي تتثبت أقدامنا في أرضنا ولا تُقلع هم إرث لنا، وهذه رسالتنا نحن هذا الجيل للآباء والاجداد، بأن كل أيامنا هي لي الأرض وهي قطعة واحدة من رأس الناقورة الى أم الرشراش، ومن النهر إلى البحر لن نتنازل عنه مهما طال هذا الاحتلال الغاشم، نحن هنا باقون ما دامت فينا حياة، باقون بعلمنا وأسوارنا وتراثنا وحجارتنا وترابنا، فلن تُقلع جذورنا مِن هذه الأرض، لأنها قطعة منا ونحن قطعة منها، تغذينا ونغذيها، تغذينا بعطاياها وحبها وعطفها ونغذيها بنضالنا وصمودنا ودمائنا وفلذات أكبادنا، فعشقها ليس كأي عشق عابر، كعاشق جاء يلهو مع محبوبته ويفترقان، إنما عشقها حياة وعطاء وصدق ووفاء ودماء، هذا هو العشق المُقدس الذي لخّصه الشهداء بالعشق والصدق.

ففي وطني ينطق الحجر والشجر والتراب بالعربية ينطق بالنضال والتضحية والحرية والكرامة والثورة فكم من شجرة استظل تحتها ثائرٌ وكم من حجر وتراب قد روَّيَ بدماء أبطاله الثوار الذين خرجوا من هذه الأرض ثم استقبلتهم واحتضنتهم في خلجاتها مبتسمين يشع من وجوههم النور ورائحة المسك تعطرهم، هؤلاء الأبطال الذين لازالوا يرتقون خلف بعضهم، فلن يموت الكبار وينسى الصغار، كما يعتقد هذا الاحتلال، فأرضنا ليست عاقراً هي أم أبطال كثر يحملون هَمّ حب هذا الوطن في قلوبهم، ومهما ضُيق وسُلب من أرضنا فسوف تبقى لنا وتعود لنا يوما ما.

ولكن، يا ليتني من عهد القدماء لَكنت قد مررت في وطني من رأسه الى قاعه دونما حواجز وجدران كما قالت لي جدتي فهي ثائرة وتاريخية، هي مَن يرتسم في جبهتها الوطن وفي تجاعيد وجهها مأساته وفي جبينها خارطته، جدتي بنعليها الممزقين صالت وجالت في البلاد، وتغلغلت أنفاسها بهواء كل شبر من هذا الوطن ولامست ترابه وثماره وماءه، وصفد وحيفا وراس الناقورة وأم الرشراش وغزة وعكا وقباب المسجد الأقصى وحبات القمح التي تناثرت لحمام القدس شهودٌ على ذلك، هي إرثٌ لنا كما الأرض كما التاريخ وكما دماء الشهداء التي روت تراب فلسطين وضربت جذورنا في أعماق الارض، وكما علمنا الأجداد بأن الأرض كالعِرض، ومن ضيّعهُ فلا وجود له وهو من الخاسرين، فنحن متمسكون صامدون على أرضنا مقابل هذا الاحتلال الذي يريد أن يقلع الحجر والشجر والإنسان الفلسطيني عن هذه الأرض ليتفرّد به وحده، لكن أنّى له ذلك فقد خاب وخسر، فها هي رسالة الأجيال تلو الأجيال بأننا متمسكون بأرضنا صامدون صابرون، وسيصبح وطننا محررا يوما ما، ولنا وطن يعيش فينا وسنعود له يوما.