شبكة قدس الإخبارية

محافظة الماء عَطشى.. الاحتلال يقرصن الحوض الأغنى في فلسطين

عبدالقادر عقل

سلفيت - خاص قدس الإخبارية: قد يبدو من غير المألوف أن تُصاب مدينة ما بالظمأ، مع كونها تتربع على أكبر حوضٍ مائي في فلسطين، لكن وقوع الأوطان تحت نير الاحتلال، يحوّلها إلى استثناء غريب، ويجعلها تجر قيود التبعية على كافة الأصعدة، فليس التطور وحده في المجتمعات الذي قد يسير بسرعة السلحفاة بسبب الاستعمار، بل إن الحقوق الأساسية تصبح بـ"القطّارة"، والأزمة المائية في محافظة سلفيت حالها كشقيقاتها من المحافظات الأخرى، لكن للأولى خصوصيةً فهي تشكل "استثناء الاستثناء"، فوجود الاحتلال باستيطانه استثناء وظرف قسري، أما استثناؤه الآخر فهو زخم الاستيطان في محافظة سلفيت، إذ أحاطها الإخطبوط التوسعي بشدة، الأمر الذي جعل عدد المستوطنات الإسرائيلية أكثر من عدد القرى والبلدات الفلسطينية على أرض المحافظة.

"اللص يسطو على الأرض، ويمنع صاحبها من استغلالها، ثم يبيع القسم الأكبر من مياهها بالمال مجدداً لصاحب الأرض!، ويلوّث ما تبقى من المياه"، هذا هو أبسط تعبيرٍ قد يختزل جزءً من أزمة شح المياه في سلفيت.

الأغنى مائياً والعطشى صيفاً

يوضح مدير دائرة المياه والصرف الصحي والتخطيط في بلدية سلفيت المهندس صالح عفانة أن محافظة سلفيت تقع على الحوض المائي الغربي، وهو واحدٍ من الأحواض الثلاثة في فلسطين، وأغناها مائياً، لكن الاحتلال يسيطر على أكثر من 90% من مياه هذا الحوض، بينما يزوّد محافظة سلفيت بأقل من النسبة المتبقية، بنظام "القطّارة" على فترات متقطعة.

وعلى صعيد حفر الفلسطينيين للآبار الارتوازية، يقول عفانة: "قدَّمت بلدية سلفيت عدة مرات طلباتٍ لحفر بئر مياه، لمعالجة مشكلة شح المياه في المدينة خاصة في فصل الصيف، لكن الرد الإسرائيلي يأتي فورياً ونهائياً بالرفض".

في السياق ذاته، ينوّه عفانة أن سلطات الاحتلال منحت تراخيص حفر آبار لكثيرٍ من المجالس القروية والبلديات في الأحواض المائية الأخرى باستثناء الحوض الغربي الذي تتربع سلفيت عليه، فلم يسبق منذ أن تم حفر بئر واحد في محافظة سلفيت منذ الاحتلال عام 1967 وحتى اليوم.

يمتد الحوض الغربي من زعترة غرباً إلى البحر المتوسط، وتترواح قيمته المائية سنوياً ما بين 360 إلى 400 مليون متر مكعب، ويعتبر لُب قضية المياه في محافظة سلفيت وله خصوصية لدى الاحتلال، حيث يصف عفانة هذا الحوض بأنه "يشكل خطاً أحمر بالنسبة للإسرائيليين"، وهذه الخصوصية المطلقة تعود لجُملة من الأسباب، يلخّصها عفانة في كونه الحوض الأغنى فلسطينياً، ويمكن استعمال الموارد المائية فيه كورقة ضغط على الفلسطينيين في أية لحظة، إضافة لدوافع اقتصادية، تتمثل بانخفاض تكلفة إنتاج المياه فيه، ولهذا يبيعها الاحتلال مجدداً بالمال وهو شكل من أشكال الاستثمار الإسرائيلي.

من جانبٍ آخر، لا يُبدي مدير دائرة المياه في بلدية سلفيت أملاً في حل أزمة شح المياه خلال الصيف القادم، مضيفاً: "لا يوجد أية ضمانة للإسرائيليين في هذا الخصوص، ونحن نتوقع انقطاع المياه صيفاً ككل عام، تحت ذرائع واهية، وأحد دوافع الاحتلال لافتعال هذه الأزمة المائية هو الضغط على السلطة الفلسطينية من خلال المواطنين".

تعد السيطرة على مصادر المياه والتحكم بها من أبرز الأهداف الأساسية التي حققتها سلطات الاحتلال منذ سيطرتها على بقية الأراضي الفلسطينية في العام 1967، ويشرح الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي بأن الاحتلال أصدر سابقاً عدة قرارات بهدف الاستحواذ على المياه، أبرزها الأمر العسكري رقم "92" الذي ينص على أن السلطة في موضوع المياه تخضع للقائد العسكري الإسرائيلي للمنطقة، والأمر العسكري رقم "158" الذي يمنع البناء غير المرخص للبنى التحتية الخاصة بالمياه.

ويؤكد معالي أن الأمر الثاني منع حفر آبارٍ ارتوازية أو تصريف الينابيع أو مد خطوط الأنابيب وحفر آبار جمع مياه الأمطار أو حتى صيانتها، مشيراً إلى أن كافة هذه التعقيدات والقرارات أرغمت الفلسطينيين على شراء المياه من شركة "ميكيروت" الإسرائيلية، علماً أن الشركة تمنح حصصاً مائية للقرى والبلدات الفلسطينية وفقاً لاتفاقيات سابقة مر عليها عقود، ولا تراعي الزيادة الطبيعية للسكان.

تلويث المياه المتبقية

يتحدث مدير الزراعة في سلفيت المهندس إبراهيم الحمد عن عدم اكتفاء الاحتلال بالسيطرة المتينة على كافة الأحواض، والمياه الجوفية، بل لجوئه لتخريب ينابيع المياه المتفرقة المتبقية، والتي لم تطالها يد الاحتلال، إما لوقوعها داخل مناطق "أ"، أو لكونها مشتركة وفرض الفلسطينيون وجودهم كأمرٍ واقعٍ فيها، وفي هذا الصدد يقول الحمد: "الينابيع المائية في منطقة واد المطوي تستهدفها مياه الصرف الصحي بشكل مركز، وذلك من خلال تدفق المياه العادمة من مستوطنة أريئيل ثم تقطع مسافة 7 كيلو مترات، مخترقةً الوديان والأراضي الزراعية لتسير نحو الكثير من البيوت السكنية في بلدتي كفر الديك وبروقين، ثم تصل إلى السهل الساحلي الفلسطيني".

ويوضح الحمد أن ينابيع ماء وادي المطوي تنطلق من أعلى الجبال باتجاه الأودية، وتواصل الجريان في قنواتٍ مائية داخل الطبيعة الخلابة، كما تتمتع المنطقة بأراضٍ زراعية خصبة، وتضم كروم الزيتون وغيرها من المحاصيل، التي تشكّل مصدر غذاء ومدخل رزقٍ لمئات العائلات التي تمتهن الزراعة في مدينة سلفيت وبعض قراها المجاورة.

ويذكر الحمد أن مناطق متعددة تعاني من آثار الاعتداء على الينابيع المائية، منها: منطقة وادي قانا القريبة من بلدة ديراستيا شمال غرب سلفيت، والتي تُعد محمية طبيعية تمتاز بالتنوع النباتي والحيواني، إضافة لاحتوائها على مجموعة من العيون والينابيع المائية، لكن مياه الصرف الصحي تنساب إلى الوادي بين فترة وأخرى من مستوطنات "ياكير" و"عمانوئيل"، و"نوفيم" وبؤرتين استيطانيتيْن، بفعل الانسدادات المتكررة في شبكة الصرف الصحي.

فيما يشير مدير الزراعة في سلفيت إلى أن مخلفات المنطقة الصناعية الإسرائيلية "بركان" تلحق أضراراً فادحة في المياه الجوفية، داخل المناطق والقرى المحيطة بها، كما أن مجاري مستوطنة "أريئيل" لوّثت مؤخراً مياه نبع حارس القريب، وهو نبع ذو مياه نقية، وبُني فوقه بئرٌ كان أطفال بلدتي حارس وكفل حارس ومدينة سلفيت يلهون فيه ويستجمون عليه منذ عقود طويلة، إضافةً لوجود مشكلة الخنازير البرية التي تعاني منها محافظة سلفيت، وتحدث ضرراً على البيئة والزراعة بمجملها، وتشمل هذه الأضرار قطاع المياه أيضاً، خاصة أنها تلوث الينابيع المكشوفة.